سألت صحيفة "وول ستريت" العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في شباط / فبراير 2004 هل تريدون أصلاحا؟ فأجاب " لأن لكل مجتمع خصوصيته ومراحل تطوره فإننا نريد ذلك الإصلاح الذي ينبع عن مجتمعاتنا" . في الأردن ، يشكل "الإصلاح السياسي " أحد أبرز الملفات الساخنة التي يدور الجدل حولها على نحو دائم ، إذ ينقسم السياسيون إلى ضدين ، الأول يرى أن البلاد قطعت أشواطا في مجال الإصلاح السياسي بينما يرى الثاني أن البلاد في حالة جمود او تراجع إلى الخلف . ومنذ عودة الحياة الديمقراطية إلى البلاد بإجراء انتخابات برلمانية في عام 1989 استنادا إلى قانون مؤقت، وإقرار أول قانون للأحزاب في عام 1992 ، لا يزال قانونا " الأحزاب والانتخاب "يشكلان حجر الزاوية في "الإصلاح " بالنسبة للسياسيين كافة على اختلاف توجهاتهم . وعدل قانون الانتخاب في عام 1993 على خلفية اكتساح حركة الإخوان المسلمين للمجلس بحصولها على (22 ) مقعدا من إجمالي (80 مقعدا ) ثم عادت حكومة المهندس علي أبو الراغب في عام 2001 لتعديل القانون بعد مطالبات شعبية فأدخلت عليه ما سمي بنظام الكوتا وهي التي تسمح بتمثيل النساء بشغل (6 ) مقاعد في البرلمان بغض النظر عن عدد الأصوات التي حصلن عليها . غير أن تعديل القانون عمّق المضامين السلبية في النظام الانتخابي، بإقدامه على "تجزئة" محافظات الأردن جاعلاً منها عدة دوائر انتخابية، بعد أن كانت تشكل كل منها دائرة انتخابية واحدة بحيث أصبح عدد الدوائر الانتخابية على مقاس عشائر أو عائلات بعينها فتقلص المضمون السياسي للعملية الانتخابية حد التلاشي مما جعل البرلمان يعود مجددا لطرح مسألة تعديل قانون الانتخاب في دورته الاستثنائية المقبلة والمتوقع التئامها في آذار / مارس المقبل . واتسمت الحياة الحزبية بموجب قانون عام 1992 بالضعف ، بسبب تشرذم نحو (34 ) حزبا أردنيا وغياب الدعم المالي عنها فبقيت بعيدة عن التأثير في المشهد السياسي والحضور لدى الشارع الأردني باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي ، وفي العام الماضي لجأت حكومة المهندس نادر الذهبي إلى تعديل القانون المذكور الذي لم يضف سوى رفع عدد الأعضاء المؤسسين للحزب إلى جانب تقديم دعم مالي متواضع لها يصل إلى (65 ) ألف دولار سنويا فتقلص عدد الأحزاب إلى 14 حزباً لم يختلف أداؤها عما كانت عليه قبل تعديل قانونها . عموما ، هناك معيقات ترددها النخبة الحاكمة تحول دون الإسراع في عملية الإصلاح وهي التخوف من سيطرة التيار الإسلامي على مجلس النواب وعدم حل القضية الفلسطينية. ويقول الباحث في مركز الجامعة الأردنية للدراسات الاستراتيجية فارس بريزات أنه :" بالنسبة للأولى، تشير الدراسات الميدانية إلى أن حزب جبهة العمل الإسلامي هو الحزب الأكبر في الأردن ولكنه لا يستطيع الحصول على أكثر من 30% من مقاعد مجلس النواب في أفضل الأحوال" . ويضيف أما :" العائق الآخر المتمثل في عدم حل القضية الفلسطينية، فهو معقد وإشكالي. حيث إن الأغلبية من الفلسطينيين في الأردن هم مواطنون أردنيون ولهم كامل حقوق المواطنة. إلا أن استمرار الصراع مع إسرائيل يحول دون حقهم في الاختيار بين المواطنة الأردنية والمواطنة الفلسطينية. ومن هنا فإن الصراع مع العربي الإسرائيلي يشكل عائقاً أمام الإصلاح السياسي في الأردن أكثر من أي بلد عربي آخر. " قوى شد عكسي " واعتبر القيادي في الحركة الإسلامية والوزير السابق الدكتور إسحاق الفرحان إن :" الأردن حقق إنجازات فعلية في مجال الإصلاح السياسي بينها استقرار الدستور عبر السنوات الماضية " . وأكد ضرورة أن :" تهتم الأحزاب بالمشروع الوطني وتعطيه أولوية (...) إلى جانب المحافظة على البعد القومي، خاصة قضية فلسطين". وعاب على وزارة التربية والتعليم إلغاء "منهاج القضية الفلسطينية " من المرحلة الثانوية بعد معاهدة السلام، واعتبر ذلك نقطة سلبية . وقال :" يجب أن يعاد إدخال تدريس القضية الفلسطينية في المناهج". ووصف تعامل الأردن مع ملف "حقوق الإنسان والحريات العامة :" بالخطوة الجيدة على الطريق " لكنه :" دعا إلى أن :" تكون أقوى عودا مما هي عليه الآن وان لا تخضع للرأي السياسي المتقلب للحكومات " . وحول البرامج السياسية للحكومات قال الفرحان إن :" هناك تذبذب في تطبيق البرامج السياسية للحكومات المتعاقبة " مشيرا إلى أن :" التقلبات السياسية أحد الأسباب لجهة عدم التبني العملي لبرامج الإصلاح السياسي المتفق عليها في مؤتمرات رسمية وشعبية". واعتبر الفرحان أن :" عدم الإبداع من السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية أهم التحديات في أداء واجباتها السياسية " مشيرا إلى :" ضعف التطوير المستمر للتشريعات المتعلقة بالأداء السياسي " . وقال :" يوجد بطء شديد في تعديل هذه القوانين ولا يضير التعديل المستمر بهدف التطوير في الجزئيات المختلفة لأنه لا يوجد شيء كامل". واعتبر إن :" استمرار عدم حل القضية الفلسطينية يقف عائقا أمام الإصلاح" . وقال إن :" المقلق في المسألة تلك الإصطفافات والمؤامرات التي تحاك ضد الأردن " . وانتقد :" ضعف الحياة الحزبية " إلى جانب :" المسيرة الديمقراطية الاردنية المتذبذبة " . واعتبر رئيس مجلس شورى العمل الإسلامي حمزة منصور إن :" تأثير قوى الشد العكسي هو السبب في تعثر مسيرة الإصلاح "وقال :" للأسف نحن نتقهقر الى الوراء " وشدد على أن :" ان نقطة البداية هي إصلاح الخلل المتمثل بقانون الصوت الواحد " وبين :"نريد ان نغير قانون الانتخاب لنأتي بمجلس يمثل الشعب الأردني وليس مجلس يعتبر صورة مكررة عن الحكومة ". من جهته أكد أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني أرشيد أن :" الحزب نادى بحكومة برلمانية منتخبة خاضعة للرقابة ضمن إطار إصلاح سياسي جدي مبني على حوار القوى الوطني"،وهي الرؤية التي اعتمدتها الحركة الإسلامية عام 2005 وأصدرتها في وثيقة الإصلاح . ويرى رئيس الدائرة السياسية في حزب العدالة والمساواة علي المحارمة ان الطريق للإصلاح هو "طريق القوانين". ودعا البرلمان "إلى تشريع قوانين إصلاحية أهمها قوانين الانتخابات والأحزاب " وقال انه :" كلما كانت هذه القوانين ديمقراطية كلما كان هناك إصلاح حقيقي" . وأنحى المحارمة باللائمة على ما أسماه :"قوى الشد العكسي في تعثر مسيرة الإصلاح " وقال إن "هناك قوى تحاول إعاقة الإرادة السياسية للإصلاح السياسي بحيث أصبحنا نرى من حولنا يتقدم خطوات الى الأمام فيما كنا نسبق الجميع في توجهاتنا الديمقراطية " . وقال أمين عام الحزب الشيوعي الأردني الدكتور منير حمارنة :" لا بد من إلغاء قانون الانتخابات القائم على مبدأ الصوت الواحد، ووضع قانون جديد يعتمد على مبدأ القائمة النسبية بما يسمح ب"حسن تمثيل الرأي العام، ويؤسس لقيام مجلس نواب يقوم بنجاح بالمهام المنوطة به دستوريا في التشريع ورقابة السلطة التنفيذية". ودعا الى إعادة النظر بقوانين الأحزاب والاجتماعات العامة والجمعيات والمطبوعات والنشر ومنع الارهاب". وشدد على ضرورة وضع التشريعات الفعالة ل"محاربة الفساد بجميع اشكاله". وقال المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية في الأردن مصطفى حمارنة :" لا أعتقد ان هناك جدية للسير في الإصلاح السياسي حتى نهاياته، أو حتى البدء بخطوات متواضعة، وما يجري الآن هو استمرار للخط التراجعي من خلال تشريعات لا تساهم في الإصلاح". وعزا عدم الجدية إلى ان :" كثيرا من المسؤولين ليسوا ديمقراطيين ولا يؤمنون بالديمقراطية " وقال :"" لدينا في الأردن حالة ديمقراطية فقط ". واعتبر الرأي الذي ينادي بتأجيل الإصلاح لحين حل القضية الفلسطينية بأنه :" رأي رجعي في جوهره " وقال :" هناك للأسف من يستعمل قضية الوطن البديل كفزاعة لتعطيل الإصلاح السياسي، الإصلاح السياسي في الأردن ليس كماليات بل هو ضرورة من اجل ان يكون مقدمة لبناء مجتمع يقوم على أساس المواطنة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد " . ويرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن:" مشروع الإصلاح السياسي يراوح مكانه منذ أواسط التسعينيات" ، معتبراً أن :" هذا التقييم ليس جزافياً، وهو يستدل على ذلك بالنتائج الكمية التي يمكن حسابها بالأرقام من خلال استطلاعات رأي تقيس مستوى الديمقراطية وحرية الصحافة، والتي تصنّف الحالة الأردنية في منطقة الوسط، تنتكس أحياناً، وتشهد انفراجاً أحياناً أخرى، لكنها لا تشكل اختراقاً". ويستخلص الرنتاوي أن :" الإصلاح غير مطروح على أجندة العمل الرسمي أو الأهلي، إذ لا شواهد على وجود إرادة للقيام بتغيير جذري في المدى المنظور "ويقول النائب مفلح الرحيمي، أحد أبرز أقطاب كتلة التيار الوطني في مجلس النواب إن :" الملك عبدالله الثاني تحدث عن مرحلتين من الإصلاح؛ الاقتصادي والسياسي" ، معرباً عن رضاه عن الإنجاز الذي حققه الأردن خلال السنوات العشر الماضية في المجال الاقتصادي، والانتهاء من برامج التصحيح الاقتصادية " . "الأولوية للإصلاح الإداري " ودعا رئيس الوزراء الأسبق والنائب في البرلمان عبد الرؤوف الروابدة :" الأحزاب الأردنية التحدث في ضوء الممكنات " وقال إنها :" للأسف تتحدث في نظريات غير قابلة للتطبيق في كثير من الأحيان " . ونبه إلى أن :" إصلاح الحياة الحزبية لا يكون بمجرد قرار حكومي والحياة الحزبية نفسها هي التي تفرض إصلاحها، لتجعل الحكومات تجري خلفها لتتابعها، وبذلك فقط يمكن أن تكون الأحزاب صاحبة التأثير الأقوى على الحكومات من اجل إحداث هذا الإصلاح " . وحول الانتخابات النيابية بين الروابدة ان :" القوى السياسية لا تتفق على صيغة او نظام انتخابي موحد بل وتعتقد كل واحدة من هذه القوى إذا لم يطبق نظام انتخابي بعينه فالبلد ليست بخير". وقال إن :" لكل نظام انتخابي مساوئه وحسناته سواء كان انتخاباً فردياً ام انتخاباً تجمعياً، او انتخاباً بالنظرية النسبية " . ورفض أراء الأحزاب التي تنادي بتطبيق القائمة النسبية في الانتخابات ، وقال :" لا مجال لتطبيقها لعدم وجود حزبية في الأردن حيث يوجد عقائد وليست احزابا"، وبين أنه :" على سبيل المثال لا تكمن قوة حزب جبهة العمل الإسلامي في عدد أعضائه وانما في قوة التيار الديني الإسلامي الموجود على الأرض حيث الشعب الأردني متدين بطبيعته " . وشدد على ان :" الإصلاح السياسي لن يتم قبل الإصلاح الإداري لا سيما وان الرافعة لأي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي هي الإصلاح الإداري" . ووصف الروابدة العلاقة بين النواب والحكومة بأنها " علاقة غير صحيحة " وقال إن "معظم النواب لا ينتمون الى احزاب حقيقية ويقتصر اداؤهم على البرامج الفردية، والنائب كفرد تختزل وظيفته باسترضاء قاعدته الشعبية بالخدمات، مما يحول وظيفة النائب من التشريع ومراقبة اداء الحكومة الى استرضائها بهدف الحصول على الخدمات " . وقال الدكتور أمين عام حزب الرسالة حازم قشوع انه اذا أردنا للأردن ان يتقدم فهو يحتاج لثلاثة عناوين ورئيسية هي؛ مجتمع مدني يسوده القانون اساسه المواطنة، وحياة ديمقراطية فاعلة ترتكز على وجود برلمان سياسي وليس برلمان خدمات، واقتصاد فاعل وحر " . بدورها ايدت القيادية في الحزب الشيوعي املي نفاع الرأي القائل :" بضرورة تعديل التشريعات كخطوة اولية لاحداث الاصلاح السياسي وبالذات يجب تعديل قانون الانتخاب الذي يقوم على نظام الصوت الواحد مما يعمق العشائرية والفئوية " . " الوزير مجرد موظف " ويقول وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة إلى أن :" الحكومة اجتهدت لتقوية الأحزاب برفع عدد المؤسسين " ، لافتاً إلى أنه لم يكن مع هذا التوجه . وبين أن :" المسألة لا تتعلق بالعدد، بل بتأثير الحزبيين على الناس من خلال برامجهم " . ويرى أنه :" لو نجحت الأحزاب المتماثلة في توجهاتها بالاندماج ضمن عدة تيارات، لأسهم ذلك في نمو الأحزاب السياسية، محملاً مسؤولية ضعف الحالة الحزبية للقانون والناس والقادة الحزبيين " . وقال وزير الداخلية الحالي عيد الفايز إن :" الحكومة رفعت عدد أعضاء المؤسسين للحزب إلى 500 عضو ومن جميع المحافظات ليكون للحزب امتداد في أرجاء الأردن " مشيرا إلى أن :" بعض الأحزاب قبل القانون الجديد لم يكن يتعدى عدد أعضائها أصابع اليد الواحدة " . واعتبر أن :" تقديم الدعم المالي للأحزاب بحكم القانون الجديد يساعدها في الاستمرار على أداء واجبها السياسي تجاه الشارع الأردني وتجاه الدولة " داعيا إياها :" إلى تقديم برامج سياسية واقتصادية بعيدا عن الأيدولوجيا والتنظير البعيد عن الواقع " . وقال الدكتور وزير التنمية السياسية كمال ناصر ان :" الإصلاح مشروع وطني له تطبيقاته ويستهدف البنية المجتمعية (...) ولا يمكن للاصلاح ان يأتي من فوق وانما يأتي من خلال بناء المجتمع ومؤسساته " وشدد على أنه :" يجب أن يترافق الإصلاح السياسي مع إصلاح اجتماعي وثقافي وتشريعي". ونبه إلى انه :" لا يمكن أن يكون هناك إصلاح بدون مؤسسة برلمانية ولا يمكن أن يكون هناك إصلاح طالما بقي الوزير مجرد موظف " . وبين ناصر انه :" لا يجب أن ينصب التركيز في مجال الإصلاح السياسي على وزارة التنمية ( ...) وإنما على حالة التنمية السياسية لأن الوزارة عبارة عن منسق وضابط ارتباط بين الناس " وقال إنها :" لا تعدو كونها شريكاً من الشركاء وهناك بعض الوزارات والأحزاب التي تعمل ولها دور في تحقيق التنمية اكبر من دور وزارة التنمية السياسية".