بداية دعونا نتفق ولو نسبياً على مفهوم الوظيفة، وعضوية المجالس إن في الإدارة، وإن في القضاء، وإن في التشريع الإداري والرقابي، ونحدد المفاهيم، ونوحدها حول هذه المسألة. وأحسب أن الوظيفة هي تكليف وطني يخضع لمعايير وأطر القدرة، والوعي، والفهم، والفكر، وتوفر الرغبة القوية والصادقة في ممارسة الخلق، والعطاء، والإنتاج، والتطوير، والتحديث، وهي - أيضاً - أمانة يضعها صانع القرار لدى مواطن لا يختلف، أو يتميز عن غيره من المواطنين إلا أنه منفذ للرؤية، والأهداف، والغايات، والطموحات، وبالتالي فهو يمارس العمل لدى المواطن الذي من حقه مطالبة المسؤول التنفيذي بأداء جيد. وفكر خلاق وأن يحقق له ما تريده الدولة من تكامل في المرفق المسؤول عن مباشرة عطاءاته. إذن: الوظيفة تكليف، وليست تشريفاً، ولا مكافأة، أو امتيازاً لشخص، أو أسرة ، أو منطقة، أو شريحة اجتماعية، ومن حق المواطن، كل حق المواطن أن يكون الشخص الذي وصل إلى الكرسي القيادي متجاوباً مع طموحاته، ويفهم أنه موظف لدى هذا المواطن أينما كان في المزرعة، أو المتجر، أو المصنع، أو حتى راعي ماشية في أي بقعة جغرافية في هذا الوطن الكبير. يخطئ من يكلف بالوظيفة، أو المسؤولية كثيراً إذا ظن أنها تكريم، وامتياز، ووجاهة اجتماعية، وفضاءات شهرة، وعدسات، وكاميرات، وتصريحات، وصخب إعلامي يصاحب المنصب، وطبل، وزمر، ونظم قصائد، إذ أن هذه الأشياء، والممارسات تفقد الإنسان توازنه، والإنسان ضعيف جداً أمام كلمات المديح، والإطراء، والاحتفالات، والأضواء، إلا من حصّن نفسه بالوعي، واستفاد كثيراً من القول «لو دامت لغيرك ما آلت إليك». وهذا القول يعني أن المسؤولية مداورة من أجل خدمة الوطن، ومواكبة التحديات، والمستجدات، والمتغيرات في الرؤى والمفاهيم. فإذا أعطى المسؤول التنفيذي ما لديه، أو قصر في واجباته، أو تعثر في تحقيق تجليات الوطن التي يسعى إليها في مسيرته التنموية فهناك مواطن آخر سيأخذ الفرصة، والمسؤولية ، ويحاول تكريس معنى أن تتحقق طموحات ورغبات القيادة للشعب، والوطن. إن ما يصاحب التعيينات، وبالذات في مجلس الشورى من احتفاءات، وقصائد نظمية، وتصريحات، وأشياء من هذا النوع من الممارسات هي في واقع الأمر لا تعطي مؤشراً على أن ثقافة المسؤولية، وثقل الأمانة متوفران لدينا بشكل كاف. وعلينا أن نعيد صياغة مفاهيمنا، وأطر تفكيرنا ليتوفر لدينا الإحساس بأن الوظيفة هي حالة تحفز، وخوف، وتحد، ومواجهة شجاعة مع الزمن، والمعوقات، لنعطي للمواطن، والوطن، ونوظف كل طاقاتنا الفكرية، والذهنية، والعلمية من أجل الإنسان.