سنسلم جدلا أن المواطنة ليست صفة لحالة تصاغ لها النصوص القانونية لسيادة جغرافية تسبغها على مجاميع البشر الذين يتمتعون بجنسيتها، وتجذرهم سمات من القواسم المشتركة. ففي جوهرها البنيوي التعريفي، تبقى مشاركة حيوية وعادلة لهذه المجاميع في الحياة لجماعتهم ودولتهم. وضمن فحواها مستخلصات «ممارساتية» لنوع الفعل الذي يؤطر التمازج. ولأنها كذلك، فهي والمغزى السيادي يصبحان وجهين للعملة ذاتها، كلاهما يشي عن نوع من التماهي مع روح الآخر ويمنحه واقعيته. ويتكون مفهوم المواطنة، ضمن مرجل حركة المجتمع وتحولاته، دلالاته، وتاريخيته، لينشأ إبان هذا الاستمرار النسيج البيني، والتبادل التكاملي، ومجموع الحقوق، وتطور الواجبات والمسؤوليات. ومن مجموع هذه العناصر المتفاعلة ضمن ذلك الحراك المستمر، ينبثق موروث مشترك من المبادئ، القيم، والسلوك، يبلور مكتسب المواطن ويمنحه خصائص تفرده عن سواه. وبهذا، يصبح الموروث المشترك مصد حماية للوطن والمواطن. فالمواطن يلوذ به عند الأزمات، ولكنه أيضاً يدافع عنه في مواجهة التحديات؛ لأن المواطن لا يستغني عن الوطن، والوطن لا يستغني عن المواطن، فكيان أحدهما وتفاعله قرين بمنجز الآخر وديمومته. إذن، فالمفهوم هنا يظل ضمن مبادئ حقوق وواجبات، ومبادرة الفرد واستشعاره مسؤوليته حيال ذاته، وتجاه الجمع الذي ينتمي إليه. وهذه الحقوق والواجبات لا تستشري إلا في مجتمع عادل تؤطره المساواة، التكافؤ، وتحمل أعباء التجرد بغية ترسيخ هذه العناوين، حمايتها، واستشراف آفاق الارتقاء بمفاهيم ممارستها برؤية تتطلع إلى الغد، وبنبراسية لا تتجاوز فيها العاطفة على العقل ومؤشراته. وبموضوعية العلاقة بين ثالوث الموطن، المواطن، والمواطنة وتماهي معطياتها، فإن مدلول غاية التربية على الأخيرة في تشكيل وعي الإنسان المدرك لحقوقه وواجباته ضمن مستخلص الجمع المنتمي إليه، فضلا عن مبدأ توالي العمل الممنهج لتنمية المَلَكات والطاقات التي تؤهله مستقبلا لحماية خصوصيته، هويته، ممارسة حقوقه، وأداء واجباته بمسؤولية، وصولا إلى التأهيل على التواصل الإيجابي مع محيطه. عليه، تتكئ المواطنة على الوعي بالخصوصية الحضارية التاريخية، الوطنية، وكيفية تنميتها وتوجيهها، والزود عنها بكل الوسائل العلمية، المعرفية، والمادية، في ظل احترام تام لخصوصية الآخرين، وتمازج متبصر مع التجارب المتباينة المستقاة من المحصلة الإنسانية في عموميتها، وبانفتاح مدوزن مع كل الثقافات، وحوار راق مع كل الحضارات. يعمل مبدأ التربية على المواطنة على تجسير ناجع بين العقل والمعرفة في مناحيها عن تاريخ بلد الفرد وحضارته، وبين طردية مكانة الحقوق والواجبات، متدثرة بخطاب وجدان المواطن لتتشكل لديه منظومة قيم وأخلاق تنمي لديه الإحساس بالفخر والاعتزاز، ومحفزة على العطاء بتجرد ونكران ذات. فالموطن هو صاحب المكان، والإنسان هو صانع الأوطان، والمواطنة هي مجموعة القيم النبيلة المغروسة في النفس والوجدان المشترك، مع الاعتزاز بالانتماء إلى التاريخ والتراث والعادات، وفق عقد اجتماعي. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة