تنتظر وزير الخدمة المدنية الجديد الدكتور عبدالرحمن البراك عدد من الملفات التي يتوقع مواطنون ومواطنات كثر أن تكون على رأس اهتماماته؛ كونها كانت ملحة في فترة سلفه الوزير محمد الفايز، واستمرت الحاجة إلى إيجاد حلول جذرية تعالجها لسنوات طويلة خلت، من أبرزها معالجة تثبيت موظفي وموظفات البنود والعقود، كسر التجميد الوظيفي، تعديل مستويات المعلمين والمعلمات، إعادة النظر في سن تقاعد المرأة، وإيجاد حلول جذرية للتداخل والازدواجية ما بين الوزارات المختلفة التي تضمن ميزانياتها السنوية عددا من الوظائف حسب احتياجاتها لتصطدم باحتياجات أخرى ضمن ميزانيات وزارة الخدمة المدنية، التي بدورها تصطدم بمخصصات واعتمادات وزارة المالية لهذه الوزارة أو تلك. «عكاظ» طرحت نماذج هذه الملفات العالقة على خبراء ومختصين لتشخيصها بدقة واقتراح الحلول التي تمكن وزير الخدمة المدنية الجديد من التعاطي معها بسلاسة تحقق الأهداف المنشودة لأصحاب الحاجة من مواطنين ومواطنات، وتسهم في فك إن أمكن التداخلات التي قد تعوق حسم أي من هذه الملفات التي ستكون على طاولة البراك خلال الأيام المقبلة بالتأكيد.. بداية هنأ وكيل وزارة التربية والتعليم عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالعزيز الثنيان؛ على الثقة الملكية الذي حظي بها البراك، داعيا له بالتوفيق والسداد. ورأى الثنيان أن هناك ملفات كثيرة تحتاج لمراجعة من أهمها إعادة النظر في نظام الخدمة المدنية لوجود عدة ملاحظات عليه أضرت بالعمل. وأبان الثنيان أن النظام الحالي وضع بعين العطف نحو الموظف والخوف من المدير ليحمي الموظف من رؤسائه، مؤكدا أن هذا أمر جيد في النظام، لكن له سلبيات كثيرة من أهمها أنها سببت مشاكل كثيرة للمديرين من قبل الموظفين الكسالى والذين لا ينتجون ويحتاجون إلى حزم كبير في التعامل مما ينعكس بشكل إيجابي على جودة العمل والإنتاجية، ولفت الثنيان إلى أن النظام الحالي ينص على أن الموظف لا يفصل من عمله إلا بأمر ملكي أو جريمة مخلة بالشرف، مبينا أن هناك موظفين يتخذون هذا النظام حجة ويقصرون في أعمالهم دون وجود رادع قوي لهم، مستشهدا باليابان التي تعتبر من أحسن النظم في مجال العمل حيث يحق للمدير تعيين الموظف وفصله في حال الإخلال بالعمل، مؤكدا على ضرورة مراجعة النظام في ظل الإغراء من القطاع الخاص لموظفي الحكومة. وأفاد الثنيان أن مشكلة التجميد الوظيفي لا تخص وزارة الخدمة المدنية لوحدها، بل حلها مرهون بوزارة المالية التي تحدد الاعتمادات المالية، مشددا على ضرورة وجود حل مشترك بين الوزارتين لهذه المشكلة. خطة استراتيجية ورأى رئيس قسم الإدارة التربوية في كلية التربية في جامعة الملك سعود الدكتور محمد بن محمد الحربي، أنه لا بد من أن تكون هناك خطة استراتيجية يعمل عليها الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله البراك، تحدد الإنجازات التي حققت في الفترة الماضية، وتعالج الأخطاء، وتوجد حلولا بالمشاركة مع الجهات المسؤولة لتوطين الوظائف المشغولة بغير السعوديين. وتوقع ألا تكون الفترة المقبلة تحمل شماعة الاعتمادات المالية؛ بسبب الميزانية التي تضخها الدولة بحسب توقعات اقتصاديين، وستتضمن زيادة في الوظائف تماشياً مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده، للمواطنين وخاصة المعلمين والمعلمات. واقترح أن يكون التوظيف مباشرة من وزارة التربية والتعليم بالتزامن مع وزارة الخدمة المدنية مع ربط المحاسبة والتعيين، ومحاسبة المسؤول، وتوقع أن تحل هذه الاستراتيجية العديد من الأخطاء. وبين الحربي أن البراك يحب أن توضع خطة استراتيجية وحلول جذرية لمشكلة تثبيت المعلمين والمعلمات، بقوله: «البراك كان عضواً في مجلس الشورى، ومن المؤكد أن العديد من الشكاوى اطلع عليها ورصدها خلال الفترة السابقة، لذا من المؤكد لديه خطة تهدف للقضاء على مشاكل التثبيت بشكل جذري خلال الفترة المقبلة». وهنأ عميد كلية التربية في جامعة الملك سعود البروفيسور عبدالله العجاجي الدكتور عبدالرحمن البراك على الثقة الملكية والتشريف، قائلا: «سيكون الدكتور البراك إضافة لوزارة الخدمة المدنية، وهو تكليف كما أنه تشريف من قيادة المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده». ورأى العجاجي أن البراك له رؤية ورسالة معينة سيهتم بها خلال الفترة المقبلة، وأقترح أن تكون وزارة الخدمة المدنية جهة مبادرة للتوسع في سوق العمل وخاصة في وزارة التربية والتعليم وقطاع التعليم الأهلي. وأضاف ينبغي أن يكون للوزارة رؤية واضحة تسير عليها خلال الفترة المقبلة، وتكون لديها دراسة استراتيجية مستقبلية لإعداد الخريجين والخريجات عن كيفية القدرة على استيعابهم. طرق منهجية من جهته، أكد الأستاذ المشارك في النقد الأدبي في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرحمن الوهابي، أن الخدمة المدنية من أهم الوزارات، مطالبا وزيرها الجديد الدكتور عبدالرحمن البراك، بالنظر بطرق منهجية وعلمية في الوضع الراهن، ودراسة المستقبل وفقا لحاجات المجتمع. وطالبه بضرورة التنسيق مع وزارة المالية، لدراسة ومعرفة حاجات المجتمع، وتوفير وظائف بصورة أكبر، كما دعاه إلى لفت النظر في تقاعد المرأة، قائلا: «لابد من تقديم السن المحدد لها، لتوفير وظائف للأخريات». لافتا إلى أن على الديوان الملكي ضرورة تحديد الحاجات وفقا لمهارات المتقدم، واستحداث مسميات جديدة، وتحديد لوائح وأنظمة تواكب المستجدات. وبارك للوزير الثقة الملكية، داعيا له بالتوفيق والعون على تحمل الأمانة والمسؤولية الكبرى. مواجهة التحديات أما عضو جمعية الاقتصاد السعودية عضو الجمعية السعودية للجودة الدكتور عصام مصطفى خليفة فقال «استبشر المواطنون خيراً بالأوامر الملكية، مستشعرين الرغبة الجادة لخادم الحرمين الشريفين في الإصلاح والتطوير لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية». وأضاف «يجب أن يستوعب المسؤولون في كافة مواقعهم فكر ورؤية خادم الحرمين الشريفين تجاه المواطن ورعاية وتوفير المناخات السليمة التي تمكنه من العطاء والإبداع والابتكار ليكون عنصر بناء في تحقيق النهضة والتقدم ومسابقة الأمم حضاريا». وزاد خليفة «من نحن من دون المواطن» مقولة أطلقها خادم الحرمين الشريفين، ولو أن الأمر بيدي لأمرت بأن توضع فوق رأس كل مسؤول ليراها في كل وقت ليعرف أنه ما وضع في هذا المكان إلا لخدمة المواطن، وهو مسؤول عن ذلك أمام الله وأمام رؤسائه وأمام الناس شهداء الله في الأرض. واستيعاب فكر خادم الحرمين الشريفين سهل وبسيط فهو يقوم على استثمار جميع الموارد المالية والبشرية التي أتيحت لهذا الوطن العزيز لخدمة المواطن الذين يمثل وسيلة التنمية وغايتها معا، وبعد استيعاب هذا الفكر المتميز من قبل المواطنين الذين هم في موقع المسؤولية أيا كان، علينا ألا نضع سقفا لمسؤولياتنا تجاه الوطن والمواطن. ورأى خليفة أن تعيين الدكتور عبدالرحمن البراك وزيراً جديداً للخدمة المدنية له مدلولات إيجابية تنصب لصالح تنمية القوى البشرية، مشيرا إلى أن الوزير الجديد يدرك بأن وضع القوى البشرية السعودية الحاضر مؤلم ومؤسف حقاً، فهناك الملايين من الأيدي العاملة الأجنبية التي تفد إلى البلاد وتستفيد ثم تعود إلى بلادها وتحول مدخراتها للخارج ببلايين الريالات وفي الوقت نفسه هناك أكثر من 2 مليون مواطن ومواطنة يعانون من البطالة ويتسكعون بدون عمل وبدون أمل في بعض الأحيان خلاف الخريجين المتوقع تخرجهم مستقبلا من الثانوية والجامعات والقادمين من الابتعاث الخارجي والذي يواجههم مستقبل مظلم بالنسبة لتوظيفهم وتعيينهم في القطاعين العام والخاص، لذا تعتبر البطالة إحدى أخطر المشكلات التى تواجه المجتمع السعودي ولا يكاد يخلو بيت في الوقت الحاضر من عاطل أو عاطلة عن العمل. وأكد عضو الجمعية السعودية للجودة أن الوزير الجديد يدرك بأن توظيف اليد العاملة السعودية له انعكاسات إيجابية على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وكلما زاد توظيف الأيدي العاملة السعودية نجحنا في توفير مصادر رزق للكثير من الشباب الراغب في العمل وبالتالي لأسرهم، والعكس صحيح فكلما فشلنا في توظيفهم كانت هناك انعكاسات سلبية على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. مشيرا إلى أن هذا يوضح أهمية دور وزير الخدمة المدنية لمواجهة هذه المشكلة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن نصف المجتمع السعودي تقريباً ما بين سن العشرين والخمسة والثلاثين عاماً، ويطلب عملا ويريد أن يعيش حياة كريمة فلابد أن نوفر لهذه اليد العاملة السعودية الوظائف المناسبة والمبلغ المناسب وفي الوقت المناسب وهذه المسألة تحتاج إلى جهد كبير ومبادرات خلاقة وخطوات تنفيذية جادة من وزير الخدمة المدنية لعمل إصلاحات جذرية داخل ديوان الخدمة المدنية أولا وتعديل الكثير من الأنظمة واللوائح للتوافق مع المتغيرات والتحديات الجديدة، وأن يعمل على تغيير المفاهيم المصلحية الضيقة خاصة فيما يتعلق بتوظيف المواطنة السعودية وإعطائها الفرصة لإثبات جدارتها وقدرتها وطموحاتها للتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية الحديثة والاستفادة منها في التنمية الاقتصادية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها كثير من الأسر السعودية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة المعيشية التي تسببت في عجز الآباء والأزواج عن تأمين متطلبات الأسرة من السكن والمأكل والعلاج والتعليم وغيرها من الاحتياجات التي أصبحت ضرورية في عصرنا، والتي كانت في قرون ماضية رفاهية لدى الكثير. كل ذلك استدعى عمل المرأة لدعم اقتصاد الأسرة ومشاركتها في تحمل أعباء المعيشة الصعبة. ورأى خليفة أن اهتمامات الناس تبدلت وتطلعاتهم تغيرت وزاد وعيهم، فلم يعد يهمهم كثيرا تصريحات الوزير أو الأرقام أو نوع السياسة التي سيتبعها بقدر ما يهمهم أن يعملوا في وظائف تحافظ على كرامتهم وتحسن مستوى معيشتهم. تقاعد المرأة وأكدت عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين على ضرورة أن تقوم وزارة الخدمة المدنية ممثلة بوزيرها الجديد، بإعادة النظر في نظام التقاعد؛ لأنه صيغ منذ أكثر من 30 عاما، حيث إن متطلبات الحياة قد تغيرت. وأشارت الدكتورة سهيلة إلى أنه يجب أن يكون هناك تنسيق مع وزارة التربية والتعليم فيما يخص التعيينات خصوصا المعلمات؛ إذ يجب مراعاة ظروفهن عند تعيينهن في الأماكن التي يرغبنها حتى يقدمن ما لديهن من عطاء. وتطرقت سهيلة أن دم المعلمات ينزف على الطرقات؛ حيث تتبرأ وزارة الخدمة المدنية من مسؤولية الحوادث وتؤكد أن دورها يقتصر فقط على التعيين عند توفر الفرص الوظيفية ولا بد من مراعاة ذلك ودراسته من جميع الجوانب حتى نخفف العبء عن المعلمات. الجمود الوظيفي ويؤكد الباحث الشرعي والكاتب الدكتور سعد القويعي، أن الجمود الوظيفي أصبح مشكلة أزلية، يجب أن تلقى الحلول السريعة، خاصة أن هناك بطئا واضحا في تلبية سلسلة المطالبات، وهو ما أنتج مناخا صالحا لازدهار البطالة المقنعة، من جهة ومن جهة أخرى، أدى إلى جمود في حركة الترقيات، بل وأثرت في الحقوق المالية للموظف، وهو ما انعكس سلبا على أداء الموظف، وطموحاته الوظيفية، سواء على المستوى التخطيطي، أو التطبيق العملي. وأشار إلى أن الجمود الوظيفي انعكس على مجمل الأداء الوظيفي، وعلى العملية التحديثية لأجهزة الدولة برمتها، وإصلاح الخلل أصبح حاجة مجتمعية؛ من أجل خلق مجتمع قادر على الاستيعاب، والتفاعل، والنهوض الذي حان وقته، ولن يكون الأمر كذلك، إلا إذا تميز بجذب ذوي الخبرات، والكفاءات، والقدرة على المحافظة عليهم حتى نهاية حياتهم الوظيفية. وأفاد أنه عندما يحرم الموظف من الترقية في الوقت الحالي، أو يقف راتبه عند سلم الدرجة الأخيرة في سلم مرتبه، فإن العمل على صرف مكافأة سنوية تكون بمقدار العلاوة المحددة للمرتبة التي يشغلها، سيكون حقا مشروعا لهذه الفئة وهي خطوة ناجعة؛ لوضع حل جذري لتلك المشكلة؛ من أجل ضمان المحافظة على الكفاءات، وعدم هجرتها خارج النظام. وطالب القويعي بالعمل على تعديل بعض مواد نظام الخدمة المدنية ولوائحه بما يتناسب مع متطلبات المرحلة، والإسهام في تطويرها؛ لأنه بات واقعا ملحا تقتضيه المصلحة العامة، ومن ذلك: معالجة الجمود الوظيفي بترقية الموظف كل أربع سنوات، وفق آليات مقننة تساعد على تكافؤ الفرص.