الجامعات والكليات الناشئة أو الجديدة تعذر حينما لا تبدع وحينما تمر أعوامها الأولى في اضطراب بحجة الانشغال في التأسيس وبحجة التحديات المتمثلة في نقص المباني والبنى التحتية وغيرها من التحديات. هذا التصور والمبررات التي نرددها كصدى للشكوى التي ينثرها القائمون على تلك الجامعات والكليات.. ولازلنا نعتبر بعضها ناشئاً بالرغم من تجاوزه مراحل الحبو والحضانة والتمهيدي. بعض المؤسسات تتجاوزها لتنتقل من طور التأسيس إلى طور الإنجاز سريعاً كما فعلت كلية الهندسة بجامعة الجوف التي تبلغ من العمر عامين فقط، في مجال البحث العلمي... لقد كان أمراً مفرحاً أن أجد كلية الهندسة بجامعة الجوف وخلال عامين فقط من عمرها ينشر أعضاء هيئتها التدريسية خمسة أبحاث رئيسية في مجلات هندسية عالمية على غرار مجلة (الأي تربل إي)، إحدى اشهر المجلات الهندسية العالمية، والمشاركة بأبحاث في واحد وثلاثين مؤتمراً علمياً محلياً وعالمياً في قارات العالم المختلفة. هذه الإنجازات حققها خمسة عشر دكتوراً وزملاؤهم المحاضرون، رغم أن لديهم مهام صعبةً أخرى مثل بناء المناهج وتجهيز المعامل و مقر كليتهم لازال في مبان مؤقتة. ليس ذلك فقط بل إن الكلية تقدمت بثلاثة مشاريع بحثية كبرى ينتظر البت فيها من لدن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشارك/ يشارك أعضاؤها في تحكيم البحوث في 13مؤتمراً ومجلة علمية. والأرقام هنا يجب أن تؤخذ في سياقها كنسبةٍ وتناسب في مجال إنتاجية أعضاء هيئة التدريس والمقارنة مع كليات الهندسة بالجامعات السعودية الأخرى ومراعاة العمر الزمني للكلية وحجم إمكاناتها. وكما نرى تفوّق جامعة الجوف في المجال البحثي، نتابع ونتفاءل بتجربتها الأكاديمية في مجال بناء المناهج والطريقة الفريدة في تقييم وتطوير تلك المناهج ونترك الاحتفاء بها وبقدرة أساتذتها في المجال التعليمي ريثما يحين تخريج أولى دفعاتها وحلول استحقاقات الاعتماد الأكاديمي العالمي والذي يحتاج حوالي الخمس سنوات، عادةً، من بدء إنشاء الكلية. إن احتفائي بتجربة هذه الكلية يجعلني أطالب بتكريم القائمين عليها عن طريق إدارة الجامعة ووزارة التعليم العالي . كما أطالب بدعم تميز الكلية عبر إنشاء مركز أو مراكز تميز بحثية بالكلية، لأن الباحثين المتميزين أمثال منسوبي هندسة الجوف لايشبع غرورهم سوى مزيد من الدعم لحركة البحث العلمي بكليتهم. كما لا أنسى توجيه رسالة للكليات والجامعات الناشئة وحتى غير الناشئة بأنه لاشيء مستحيلا مع العزيمة والتصميم والعمل الجاد، سواء كانت الكلية في مدينة كبرى أو صغرى، وسواء كانت الكلية قديمة أم حديثة. ولتعرفوا السر في إنجاز كلية الهندسة بالجوف فإنه يكمن في حسن اختيارها لأعضاء هيئتها التدريسية وحسن إدارتها التي شكلت بيئة ومناخا محفزا ومنتجا لأولئك الأعضاء وليس مبانيها الفخمة وميزانيتها المفتوحة.