يأتي النداء، في الشعر الفصيح والشعبي على حد سواء، إمَّا موجهاً إلى الحبيب حيث يطيب سماعه على الأذن، ويكون له على اللسان طَعءمُ الشَّهءد ومذاق الحلا، رغم ما قد يكون فيه من عذاب الفراق.. أو موجهاً إلى صديق يبوح له الشاعر بمكنون القلب ويفيض عليه بوجده الساحر.. في كل الأحوال للنداء في الشعر وَقءعٌ خاص، حيث العلاقة الحميمة والمودة القريبة.. ومنذ امرئ القيس إلى اليوم وكلمة (يا صاحبي) أليفة في الشعر.. محببة للشعراء.. وكثيراً ما يختصرونها: (يا صاح).. ويُسَمَّى (الترخيم) في اللغة ولعله من التحبُّب في المعنى: "يا صاح انا قلبي من الحب مجروح جرحٍ عطيب ما لقينا له مداوي لو ينشرى قربه شريناه بالروح مير البلا شوفه غدا به هقاوي من اول باب المواصيل مفتوح يوم ان عذال الموده خلاوي واليوم سِدّ الباب لوح على لوح وامسيت انا يا صاح قلبي شقاوي" والأمير خالد الفيصل ، صاحب الأبيات، من أكثر شعرائنا استخداماً للنداء في فيض عواطفه، وفي نداء الصاحب عزاء، ومشاركة، وبوح يحِّرر المشاعر الحبيسة.. وشعراء العرب الأصيلين يستخدمون النداء من قديم، نداء الصاحب والحبيب: "أَفاطمَ مهلاً بعضَ هذا التدلّل وإن كنتِ قد أزمعتِ هجري فاجملي" لامرئ القيس من معلقته، ومطلعها نداءٌ لصاحبيه: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوا بين الدخول فحومل وللمنخل اليشكري: "ولقد دخلتُ على الفتاة الخدر في اليوم المطير الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس وفي الحرير فدفعتها فتدافعت مشي القطاة إلى الغدير يا هندُ مَنء لمُتَيِّم.. يا هندُ للعاني الأسير؟ ما شفّ جسمي غيرُ حُبِّك فاهدئي عني وسيري وأُحبها وتحبني، ويحب ناقتها بعيري"! ولعروة بن حزام: "خليليَّ من عُليا هلال بن عامر بصنعاءَ عوجا اليوم وانتظراني ألمَّا على عفراءَ إنكما غداً بَشحءط النوى والبين مُعءتَرفان على كبدي من حُبِّ عفراءَ قرءحَةٌ وعينايَ من وَجءد بها تكفَان فياليت كل اثنين بينهما هوى من الناس والأنعام يلتقيان" والنداء يشعر الوحيد بوجود الناس، ويشعر الناس بوحدته، فيحمل معاناته: "رُعَاةَ الليل ما فعلَ الصباحُ وما فعلت أوائلُهُ الملاحُ كأنَّ القلبَ ليلةَ قيل يغدَى بليلى العامرية.. أو يُراحُ قطَاةٌ غرَّها شَركٌ فباتت تجاذبه وقد علقُ الجناحُ!" وقد يكون النداء لطائر: "يا طائراً قد بات يندب إلفَهُ وينوح وهو مولَّهٌ حيرانُ عرءني جناحك واستعر دمعي الذي أفنى، ولا يفنى له جَرَيانُ حتى أطير مسائلاً عن عبلة إن كان يمكن مثلي الطيرانُ" لعنترة.. أو نداء جماد.. لجميل بن معمر: "أيا ريحَ الشمال أمَا تريني أهيمُ وأنني بادي النحول؟" في النداء دائماً حضور.. إشعارٌ بوجود.. وفيه تذكيرٌ والتفات، لنزار: "وكان الوعدُ أن تأتي شتاءً لقد رحل الشتا ومضى الربيعُ واقءفَرت الدروبُ فلا حكايا تطرِّزُها.. ولا ثوبٌ بديعُ وهاجر كُلُّ عصفور صديق ومات الطِّيبُ وارتمت الجذوعُ حبيبةُ!.. قد تفَّضى العامُ عنَّا ولم يسعد بك الكوخُ الوديعُ" وفي شعرنا الشعبي قل أن يخلو ديوان من حرارة النداء، وهو كثير عند شعرائنا المبدعين، وخاصة ابن لعبون: "يا علي صيح بالصوت الرفيع للمره قل تبيعين القناعء نشتري منك كان انك تبيع بالعمر.. مير ما ظنيِّ تباعء شاقني يا علي قمرا وربيع يوم أنا آمر وكل امري مطاعء ضحكتي بينهم وانا رضيع ما سوت بكيتي يوم الوداع هم بَرُوني وانا عودي رفيع يا علي، مثلما يبرى اليراع" وفي أبيات رائعة من تراثنا الشعبي لم أعرف قائلها، يتردد اسم أبو فهد كثيراً، يشكو له الشاعر المبدع الذي غنى أبياته عوض دوخي ومحمد عبده وغيرهم، وهي لحرارتها تُغَنِّي بنفسها: "يا بو فهد يا عزوتي سافر الشوقء يا بو فهد عقبه جروحي عطيبه يا بو فهد مليّتء من دشّة السوقء يا بو فهد عقب الغضي وش نبي به؟ يا بو فهد والنفس ما تقبل الذوق يا بو فهد هذي علينا صعيبه يا بو فهد مالي مع الناس معشوق يا بو فهد بدري ستَرء في مغيبه يا بو فهد زين التغازيل غرنوق يا بو فهد الشين ما ينحكي به يا بو فهد ما فيه كبءر ولا موقء يا بو فهد عقل ونَفءس حبيبه يا بو فهد اشرايك القلب محروقء يا بو فهد فرقى الولايف مصيبه"