إذا أحب الرجل امرأة فإنه يراها أميرة بين النساء بل لا يرى غيرها وتملأ عليه الوجود والآفاق ويفكر فيها وهو صاح ويحلم بها إذا نام. والحب يضع في القلب مبالغة عظيمة في تصور المحبوب واختلافه عن الناس المرأة إذا أحبت زوجها أخذت تردد اسمه وتحب محضره وتبتسم له وتسعده والرجل إذا عشق المرأة فإنه يعشقها كلها بوجهها وشعرها وجسدها ويهفو لذكرها ويصبح وقع اسمها على أذنه كتغريد البلابل وسماع أجمل الألحان، وهو إذا نطق اسمها يحس بطعم العسل ومذاق الحلا.. فاسم المعشوقة لم يعد مجرد اسم بين الأسامي.. فهو هي.. هي بكل ما تعنيه له من شوق وتوق وانبهار. @@@ وفي شعرنا الشعبي قصيدة مشهورة سمعناها صغاراً ورددناها كباراً ولا تزال تثير فينا أعطر الذكريات كلما ترنمنا بها أفراداً أو جماعات وخاصة هذا البيت: يا شريفة متى ودك نروح يم ديرة هلك ياالعوسجيه وهي من سامرية بديعة لشاعر عنيزة إبراهيم بن منصور الكنعاني وفوق أنها تفوح بالعشق والبوح فهي تقدم لنا تفاصيل دقيقة وجميلة عن بنات نجد في عصر الشاعر كيف كانت الواحدة منهن تعشق وتعشق وكيف تسرح شعرها بشكل يجعلها أكثر روعة وجمالاً خاصة حين تدري أنه سوف يراها الحبيب وفيها يقول: "يا حمام على الغابه ينوح ساجع بالطرب لا واهنيه قلت حيه ولاكنه بيوحي مر عجل ولا سلم عليه واعسى السيل دايم ما يروح ما يفارق جفار الصالحيه حيث ينصاه خطوات الطموح كل بيضا هنوف عوسجيه تنغض الراس لاجت بتروح وتنكسه لية من فوق ليه نفضت راسها ودها تروح قلبها مشتغل يبي خويه يا شريفه متى ودك نروح يم ديرة هلك ياالعوسجيه قالت اصبر يطيبن الجروح شهر وعشر ودنولي مطيه كن في ضامري قدر يفوح أو غروب توامى في ركيه روح روحي بغت روحي تروح يوم قيل الغضي فيه جدريه جيت ابشرب والى مسك يفوح غاسل فيه وضاح الثنيه والحجب نابيٍ فوق السطوح والجدايل على متنه طويه جعل زمل يبي خلي يروح ينكسر في شعيب الصالحيه قلت يا ذا الحمام اللي تنوح جارك الله عن الرامي نجيه ذكرت صاحبي مبري الجروح قذلته فوق متنه هلهليه" وفي هذه القصيدة الودود عشق غريب لم أجد مثله في القديم والحديث فالشاعر يعلم ان معشوقته تحب غيره وأنها ذهبت حيث يجتمع البنات ويمر الشباب وقد تعبت في تسريحتها لكي يراها محبوبها جميلة جداً ومع ذلك يود منها الشاعر العاشق ان تكون له وهي تقول له بصراحة نادرة: اصبر حتى تطيب جروح حبي لفلان.. وفلان هذا لا يحبها فوق هذا تصاب بالجدري ويزداد عشق الشاعر لها.. أمر عجيب في تاريخ العشاق.. ولكن انظر كيف يذكر اسمها بحب ليحس بالنشوة والمودة والقرب! @@@ ويقول قيس بن ذريح: فإن ذكرت (لبنى) هششت لذكرها كما هش للثدي الدرور وليد! فهو يهش ويبش إذا ذكر اسم معشوقته (لبنى) ابتهاجاً بالحياة.. بالنسبة له هي الحياة كما ان حليب الأم هو حياة الوليد! وقد سعد كثير من شعراء الحب حين قرنت أسماؤهم بأسماء من يعشقون: قيس ليلى جميل بثينة عروة وعفراء كثير عزة ،عنتر وعبلة،قيس لبنى توبة وليلى الأخيلية.. ابن زيدون وولادة بنت المستكفي وغيرهم جمعهم الحب واضافهم لبعض على مدى التاريخ. @@@ والمنخل اليشكري يكرر اسم محبوبته (هند) ليزداد هياماً ولذة: ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير.. الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس وفي الحرير.. فدفعتها فتدافعت مشي القطاة إلى الغدير يا هند من لمتيم يا هند للعاني الأسير ماشف جسمي غير حبك فاهدئي عني وسيري وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري! حب شامل!! من كل الأطراف! ويقول عمر بن أبي ربيعة: ليت هنداً انجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما تجد وعبدالله بن قيس الرقيات يذكر اسم محبوبته (رقية) ليصر على مواصلة الحب إلى الأبد: وقالوا دع "رقية" واجتنبها وتركيها إذا خرج المسيح! إذا ذكرت سميتها كأني أرى كبدي يليح بها مليح وذكر (السمية) يثير شجن العاشق المفارق يقول قيس ليلى: وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى فهيج احزان الفؤاد وما يدري دعا باسم (ليلى) غيرها فكأنما أطار (بليلى) طائراً كان في صدري أما عنترة بن شداد فيود الطيران إلى عبلة: يا طائراً قد بات يندب الفه وينوح وهو موله حيران لو كنت مثلي ما لبثت ملوناً حسناً، ولا مالت بك الأغصان عرني جناحك واستعر دمعي الذي أفنى ولا يفنى له جريان حتى أطير مسائلاً عن عبلة ان كان يمكن مثلي الطيران!