ما إن رأى مدرس التربية الفنية رسومات طالبه الذي يدرس في الصف الخامس الابتدائي- آنذاك-، إلاّ وسأله على الفور قائلا: هل هذه رسوماتك؟ ليجيب الطالب اللا مبالي بدهشة: نعم!، عندها بادره المدرس بابتسامة وقال: (أنت فنان، أنت مبدع)، ولم يكتف المدرس بذلك فحسب؛ بل أخذ ينادي بصوت عالٍ، ممسكاً برسومات هذا الطالب، ومسترعيا انتباه الطلاب في الفصل ليهتف قائلا: انظروا إلى هذه الرسومات، أنها من إبداع زميلكم في الفصل، وتقديرا لإبداعه سأعلق رسوماته في صدر هذا الفصل. .. ومن يومها، وهذا الطالب اللامبالي، وغير المهتم بموهبته، يفكر ملياً فيما قاله مدرسه تجاه موهبته؛ بل صار يقرأ كثيرا في كتب الفن، وكل ماله علاقة بالفنون من خط ونحت وتصوير ونقد، حفظ أسماء فناني منطقته وخطاطيها، وقلد أعمالهم، ازداد ولعه وشغفه بالفن حتى أصبح أكسجين حياته، وشغله الشاغل، بل إنه ولفرط شغفه بالفن في ذلك الوقت، عندما نجح في الصف الخامس الابتدائي على الفور طالع مجموع درجاته في مادة التربية الفنية والتي حصل على الدرجة الكاملة بها، ليحتفل حينها بهذا الانتصار، متناسيا مجموع درجاته في المواد الأخرى، والتي كانت لا تعنيه في تلك المرحلة. هذا المدرس الذي زرع حب الفن في هذا الطالب، هو التشكيلي المدرس والمربي جمال إبراهيم الدامغ، أحد التشكيلين البارزين في مدينة عنيزة بالقصيم، أما الطالب الذي بفضل الله ثم بسببه عشق الفن، وساهم بحبه للفن في خدمة الفن والثقافة، ولو بالشيء اليسير فهو كاتب هذا المقال، والذي يدين بكل ما تحقق له من جراء دخوله عالم الفن، لهذا المعلم الجليل. قد لا يتذكرني معلمي وأستاذي جمال، لكنني أتذكره جيداً، وأتذكر حرصه الشديد على بث روح الفن والجمال عند طلابه، فكان يهتم كثيرا لشأن المبدعين ومازال التشكيلي الأنيق الذي يقدم عمله الفني بصمت لتنطق ألوانه صدقا وفنا وعذوبة ولو بعد حين. هذه مقالة وفاء من تلميذ إلى أستاذه الجليل، وإلى كل أستاذ أمين وحريص على رعاية مواهب أبنائه الطلبة، فلكم منا كل الشكر على ما بثثتموه فينا من حب للفن والثقافة والوطن. أخيراً.. لعل حبي للفن وفنانيه، وتعلقي بكل ما له علاقة بالفن يكون ردا لبعض الجميل الذي منحنيه أستاذي جمال الدامغ، والذي أتمنى أن لا أكون قد خيبت ظنه.