أبتاه.. يا أعظم الآباء.. يا من أسموك - وحق لهم - رجل الخير.. رجل الماء.. أخا السحاب.. لأول مرة اكتب لك دون ان انطق بلساني.. وأخاطبك دون ان أراك بعيني وأناديك دون ان أسمعك باذني. ما أكبر عجزنا حين رحلت عنا وما استطعنا ابقاءك بيننا.. وما أقل حيلتنا حين فقدنا من يجيبنا إذا نادينا: يا أبي.. وما أشد لوعتنا حين رأينا بأعيننا يتم الكبار.. وما أشد حزن الكبير حين يشعر أنه يتيم. أبتاه.. ما بكتك أعين أسرتك وقرابتك فقط.. بل بكاك كل من سددت له حاجة أو قضيت له أمراً.. أو فرجت له كرباً.. بكتك أرض حفرتها لتخرج منها للعطشى ماء.. ومهدتها لتقيم عليها للخير بناء.. بكتك يد أجبت لها حاجة.. وقلب أزحت عنه هماً.. بكتك إنسانية تفيض من القلوب.. وتدرك مقاصد كل خير فعلت وكل ذي حاجة قصدت.. بكتك القرى قبل المدن.. والأغنياء قبل الفقراء.. بكاك حر صيف بردته.. وبرد شتاء دفأته.. بكاك حفيد قبل ابن.. ورجل قبل امرأة.. وطفل قبل بالغ.. فهل أبكيك بعد كل هؤلاء يا أبي؟ أبتاه.. كنا نعلم عنك الكثير.. ونظن ان لا يخفانا من أمرك شيء.. إلاّ أننا أيام عزائك علمنا من الجديد عنك ما لم نكن نعلم.. كل يورد حادثة عنك تسعدنا.. وموقفاً بإنسانيته يريحنا.. رجل يذكر لك نصيحة أغنته.. وآخر يذكر طريقاً أرشدته إليه نفعه في حياته.. وآخر يورد حكمة صدرت منك سار عليها.. هذا غير ما عرف عنك لكل فقير ومحتاج.. عرفنا من ذكرك الطيب خلال أسبوع أكثر مما علمناه عنك عبر سنين. أبتاه.. كنت تأنس باجتماع أقاربك وتهنأ بدعوتهم لبيتك وتحرص على راحتهم وتوفير كل ما يسرهم حين يأتون.. وكنا نحرص على استكمال ذلك لك.. فإلى أي حد يا ترى تهنأ لو رأيتهم وهم مجتمعون كل يوم في بيتك بعد موتك.. يشاركون أهلك العزاء.. ويحيطون المصابين برعايتهم وتذكيرهم بالصبر والاحتساب. إلى أقاربي وأحبابي أبديتم خير مشاركة.. كنتم الداعم والمعين.. وأبديتم لنا من الحب واحطتمونا باهتمام لن ننساه.. وليس بكثير على أمثالكم.. كنا نلمح في وجوهكم السعد حين تقدرون على وقف دمعة لنا أيام العزاء.. ونشعر بالحب الذي ينبعث من قلوبكم الكبيرة حين تتواجدون بيننا.. والألم الذي يعصر قلوبكم حين تلمحون أسى سال من قلوبنا رغم التذرع بالصبر.. خير الأهل أنتم.. ونعم الأحبة كنتم.. وأجمل القلوب حملتم.. وكبير الفضل لكم أنتم.. لولا عون الله ثم عونكم لكان الحال غير الحال.. والدمع أكثر من الدمع.. والصبر أقل من الصبر. إلى كل المعزين.. لأمي الحبيبة ولي ولجميع اخوتي واخواتي.. إلى كل من صلى على نور عين افتقدناه.. والدي الغالي حمود المعجل الفرج.. إلى كل من غمرت قلوبنا جميل تعازيه.. سواء حضر أم حالت دون حضوره ظروف. إلى كل من أرسل لنا رسالة سواء بالبريد الالكتروني أو بالجوال أو بالفاكس المصور.. إلى كل من نوى له عمرة أو عمرات.. حجة أو حجج.. وكل من حلف على ذلك.. وكل من دعا له أمام الكعبة المشرفة.. نقول لكم.. رأينا اخوة لنا لم تلدهم أمهاتنا.. وأمهات لم ينجبننا.. وآباء لم نتسمى بهم.. وغمرنا فيض مشاعر هونت علينا المصاب حين عظم علينا مصاب.. وأحسسنا بعظم قلوب اعانتنا على الصبر حين حال دوننا صبر.. جزيتم هذا الخير بمثله أضعاف.. وأثبتم بهذا القرب قرباً من الله.. ورفعكم الله بتفضلكم بالعزاء درجات.. واستجاب له لكل دعوة منكم سمعناها أم لم نسمعها.. ومنحكم مثلها دعوات.. لا أسيل لكم دمع.. ولا أسهركم كرب.. ولا طال لكم ليل من حزن. رحم الله نور العين والدي ووالد كل من قال إنه والد له.. وأسكنه أعلى منازل الجنة.. وأثابه اضعاف ما قدمه من خير.. وغفر له.. وأحلنا منه عن كل تقصير ببرة.. ورزقنا استكمال ما نقص والسير على منهاجه الذي رباه عليه والده الشيخ معجل العبدالله الفرج.. وربانا هو عليه. والحمد لله على قضائه وقدره. @ عميدة الدراسات العليا بجامعة الرياض للبنات