* يتذكر جمهور الزمن الجميل وعشاق كرة الأمس نجوماً كباراً أمتعوهم بمواهبهم الفذة.. ومهاراتهم العالية ولمحاتهم الفنية المدهشة وأهدافهم الخالدة. نجوم كانت لهم صولات وجولات.. انتصارات وإنجازات شهدت أحداثها ملاعب الأمس الترابية الصايغ في الرياض والصبان في جدة وإسلام بمكةالمكرمة ويعقوب بالدمام نجوم نُقشت أسماؤهم بكل فخر واعتزاز في ذاكرة الكرة السعودية يدعمهم في ذلك عطاءاتهم المميزة.. ومستوياتهم الراقية. من هؤلاء العمالقة اسطورة الاتحاد (سعيد غراب) ساحر الملاعب في حقبة الثمانينيات والتسعينيات الهجرية.. استضفناه في حوار يروي من خلاله ذكرياته الرياضية.. التي ننشر اليوم الجزء الأول منه.. الانطلاقة قبل نصف قرن يتحدث النجم السابق عن بداياته الكروية فيقول: بدأت علاقتي بالكرة في النصف الثاني من السبعينيات الهجرية في حارة البحر بمدينة جدة مع مجموعة من الفتية الصغار الذين كانوا يميلون إلى تشجيع فريق الثغر (الأهلي حالياً) وكان أكثر سكان الحارة من أبناء الجالية السودانية ورجال آخرين يشتغلون في البحر أسسوا فريق الهلال البحري وبالتالي أصبحت الحارة تميل إلى تشجيع الثغر وهو ما دفعني للالتحاق بصفوفه شبلاً في مطلع عام 1378ه وكان يرأسه آنذاك عراب الهلال ورائد الرياضة بالمنطقة الوسطى الشيخ عبدالرحمن بن سعيد - أطال الله في عمره - ومنحني (أبو مساعد) دعماً معنوياً ومادياً في بداياتي الكروية ساهم في بروزي. وكان أول مدرب تتلمذت على يديه المدرب القدير عبدالله غمري (رحمه الله) واتذكر أن ملعبنا كان قريباً جداً من ملعب نادي الاتحاد محل قهوة الشباب في الشرفية حالياً ولا يفصلنا غير شارع واحد. وذات يوم وجد مدربنا الغمري عدداً اللاعبين ناقصاً فقال لنا: اليوم ما فيه تدريب فقمنا بالتوجيه لملعب الاتحاد للتفرج على تدريبه وهناك ذهلت وأنا أرى جمهور العميد يطوق ملعبه في حين أن تمرين الثغر لا يتواجد فيه أكثر من ثلاثين مشجعاً ولك أن تتخيل البون الشاسع وأثره السحري على نفسية وأداء اللاعب. وأتذكر معي الزميل فوزي خميس (رحمه الله) من حارة اليمن ومكثت في الثغر حتى مطلع عام 1380ه إذا استغللت الفترة الحرة وقمت بالانتقال لصفوف الاتحاد بعدما سحرني بجماهيريته وبقيت أتدرب مع أشباله لمدة شهرين تحت إشراف المدرب السوداني الراحل سيد مصطفى (رحمه الله) الذي كرمه قائد النهضة الرياضية السعودية الأمير فيصل بن فهد (رحمه الله) بمنحه الجنسية السعودية فيما بعد إثر تقدمه بطلبها. السودانيون قدوتنا وكان اللاعبون السودانيون قدوتنا في تلك الحقبة الزمنية الذين لعبوا للاتحاد والأهلي والوحدة سيد مصطفى في الاتحاد والبلاش والسر سالم في الثغر وجنجا في الوحدة إضافة إلى حمزة ويوسف دينمو ودانا دانا وأحمد عبدالله وعبدالله الكنج وغيرهم مما لا تحضرني أسماؤهم ومنهم تعلمنا الكرة وفنونها وأخذنا المهارات وكنا نقلدهم في التمرير والاستلام والتسديد على المرمى ونحاول تقمص شخصياتهم.. فالأسلوب السوداني في اللعب أشبه ما يكون في تلك الفترة بالأسلوب المجري في حقبة الخمسينيات الميلادية وكان مزيجاً من الفنيات والمهارات وكنا نستمتع بالكرة السودانية التي تشبه اليوم الكرة البرازيلية والأرجنتينية. غياب الموهبة والملاحظ اليوم بعد غياب نجوم موهوبين أمثال سامي والثنيان والهريفي والتيماوي وخالد مسعد والمهلل لا نجد اليوم لاعبين مبدعين غير ياسر ومالك والسبب تدني المقومات المطلوبة وأهمها عشق اللاعب للعبة واحترامه للجماهير الرياضية اللي بدونها لا يستطيع فعل شيء فهو يلعب من أجل اشباع رغبات الجمهور وبالتالي عليه احترام الكرة والجمهور والبعد عن كل ما قد يضعه في منزلق الغرور أو التفكير في وصوله إلى القمة.. فأنا ظللت طوال (20) عاماً اعتبر كل مباراة أخوضها هي الأولى في مشواري لئلا يصيبني الغرور. "العم حمزة" مدرسة وبالمناسبة أتذكر كلمات الأب الروحي لي وللاعبي الاتحاد العم حمزة فتيحي (رحمه الله) كلما أقابله بعد المباراة وأنا فائز يقول لي: (أنت أيش سويت؟ وما جاء منك شيء طيب)!! بعد المباراة وأنا في نشوة الفوز أجده يحطمني بهذه الكلمات وبعد اعتزالي قال لي (رحمه الله): (لو قلت لك أنك نجم كبير لأصابك الغرور). لقد كنا نخدم المدربين بموهبتنا وبعشقنا للعب بعكس حال لاعبي اليوم ومدربيهم فاللاعبون البارزون قلة وما عندهم العشق للعبة والمدرب لا يستطيع أن يصنع اللاعب وانما يقتصر دوره على التوجيه ويبقى اللاعب مسؤولاً عن تطوير أدائه وعطائه. ويتذكر الغراب قامات الاتحاد العملاقة في حقبة الثمانينيات الهجرية ودورها التربوي والمؤثر في تطوير مستوى لاعبي العميد فيقول: كان رئيسنا مطلع الثمانينيات عبدالرزاق متبولي (رحمه الله) ومعه الأعضاء حسين اصفهاني وعبداللطيف وعبدالسلام وعبدالمجيد باناجه وعبداللطيف اللنجاوي وعدد آخر من كبار شخصيات الاتحاد كانوا يلعبون دوراً كبيراً في متابعة اللاعبين وتوجيههم بصورة صحيحة نحو المحافظة على التمارين والاستفادة من آرائهم. وبالنسبة لي شيء كبير بعد التمرين أواجه شخصية مثل بن سعيد أو الصايغ (رحمه الله) أو عبدالله عريف (رحمه الله) بالإضافة للشخصيات الاتحادية الآنفة الذكر واستمع إلى إرشاداته ونصحه فلولا هذا الدعم المعنوي والتشجيعي لما استمررنا في الملاعب ولما برزنا. شخصيات مؤثرة وأتمنى لو إدارات أندية اليوم تحرص على تنمية هذا الجانب كأن يكون هناك اجتماع كل أسبوعين لرئيس النادي مع أعضاء الشرف واللاعبين بحفلة عشاء ويكون هذا الاجتماع دافعاً كبيراً للاعبين لاحساسهم بقربهم من أعضاء شرف ناديهم وشخصياته الكبيرة. بدلاً من أن تكون العلاقة الرابطة مجرد تأدية تمرين أو مباراة فقط. أول الألقاب أمام الهلال ويتذكر أسطورة عميد الأندية السعودية ونجمه الفذ سعيد غراب أول انجاز أحرزه في حياته مع عشقه الاتحاد عصر يوم 1383/8/25ه بملعب الصايع بالرياض حين قاد العميد للفوز بأول كأس للاتحاد وعلى مستوى مناطق المملكة أمام هلال الرياض بنهائي كأس جلالة الملك سعود ويقول: وجدت نفسي بعد ثلاثة أعوام من انتقالي لصفوف العميد وسط كوكبة من كبار نجوم الاتحاد: عبدالجليل كيال، محمد كعدور، مبارك أبوغنم، غازي كيال، حسن دوش، القملة، محمود أبوداود، كتالوج، عبدالمجيد رجخان، عبدالله صالح، هذه المجموعة العملاقة كان لها دور في بروزي بتلك المباراة التاريخية أمام هلال الرياض واستطعنا حسم النتيجة لصالحنا بثلاثة أهداف نظيفة كان لي شرف تسجيل الثالث منها وسبقني إلى مرمى الهلال الكتالوج وأبوغنم. أيقظوني من نومي وتعود الذاكرة بالغراب إلى عام 1381ه حين خاض أول مباراة له مع الفريق الاتحادي الأول قائلاً: كنت نائماً في منزلنا وفي منتصف الليل فوجئت بعدد من الإداريين الاتحاديين يطرقون بابنا طالبين مني الالتحاق بمعسكر الفريق في فندق قريش جوار مدرسة الفلاح بحارة المظلوم، وبالفعل ذهبت معهم واسكنوني مع مبارك أبوغنم في غرفة واحدة فسألته: ما الذي دفعهم لاحضاري في هذا الوقت المتأخر؟ فأجابني: علشان تلعب مكان عبدالقادر كتالوج المصاب بنزلة برد حادة وكان هذا النجم يلعب في صفوف الوحدة قبل انتقاله للعميد. دعوت ألا يشفى الكتالوج وأمضيت تلك اليلة اتضرع إلى الله ألا يقوم كتالوج من مرضه حتى تنتهي المباراة لاضمن اللعب في خانته.. وفي صبيحة اليوم التالي وعلى مائدة الفطور جلست مع غازي كيال ود. أمين ساعاتي وكلاهما من كبار نجوم الاتحاد وأنا لاعب (قروي)!!! فطلبا لي كوباً من الحليب مع طبق بيض وكانت تلك المرة الأولى التي اتناول فيها بيضاً مع الحليب، ودعموني بتشجيعهم لكنني لم أكن واثقاً من اللعب حتى تسلمت فانلة الفريق ذلك أنني كنت قبلها أحلم أن يضعوني في قائمة الاحتياط فما بالك وأنت تجد نفسك ضمن اللعب أساسياً لفريق كبير كالاتحاد. كان مركزي رأس حربة وأشركني المدرب سيد مصطفى كجناح أيسر ورغم أنني لعبت في غير مركزي إلا أنني راغب في اللعب والحمد الله وفقني ربي في تسجيل هدف وصنعت هدفين آخرين.. وكان الفريق المقابل (الهلال البحري) الذي يضم في صفوفه النجم محمد حسين قاروب والد د. ماجد قاروب المسؤول القانوني بلجنة الاحتراف وهيئة المحترفين. نهاية مبكرة وبعد المباراة حملني جمهور الاتحاد على الاكتاف ولم أكن مصدقاً لذلك المشهد التاريخي في مسيرتي الكروية وكما أشرت آنفاً في اليوم التالي طلبني العم حمزة فتيحي (رحمه الله) وقال لي بالحرف الواحد: أنت ايش سويت؟ وحقيقة هذا السؤال التربوي حد كثيراً من غروري وأنا في مقتبل عمري الرياضي وأدعو الله أن يتغمده بواسع رحمته وكريم فضلة.. فلو لم يسمعني مثل هذا الكلام ويقلل من عطائي لربما استمعت لإشادات أقراني في الحارة ولدخلني الغرور وانتهيت مبكراً. رب ضارة نافعة لقد كان من محاسن الصدق أن اكتمال صفوف الفريق الاتحادي الأول حال دون عودتي لتشكيلته الأساسية لمدة عام بعد تلك المباراة ونجاحي المبكر فيها وكان هذا في مصلحتي ونعمة كبرى من رب العزة والجلال لئلا يتسلل الغرور إلى نفسي كما أشرت حيث كنت مواظباً على التمرين لكن دون الحصول على فرصة تمثيل الفريق. ذرفت دموعي في الصايغ وينتقل سعيد غراب بدفة حديث ذكرياته إلى الجانب المؤلم فيها متذكراً أول تعثر له في مشواره قبل 45عاماً وتحديداً حينما غاب عن مشاركة فريقه الاتحاد أمام منافسه التقليدي على البطولات الهلال بنهائي كأس الملك عصر يوم 1384/11/10ه على ملعب الصايغ بالرياض فيقول: لم أشارك في هذه المباراة لايقافي 3أشهر بسبب مباراة سابقة مع العلمين من مكةالمكرمة وغاب معي زميلي كتالوج وكان الايقاف ناجماً عن مشكلة بين اللاعبين وامتد إلى احتكاك بالأيدي ولم أتدخل في الموضوع إلا أن اسمي دون في محضر التحقيق المرفوع لرعاية الشباب ضدي ومعي زميلي عبدالله صالح وحاول رئيس النادي عبداللطيف باناجه والعضو محمد سعيد سلامة رفع الايقاف عنا إلا أن القرار نفذ ولم أشارك مع فريقي. وأذكر أنني جلست أبكي في مدرج الصايغ ليس على نتيجة فريقي ولكن لأنني كنت حريصاً على خوض هذه المباراة ولاقدم نفسي كنجم موهوب يحرص على امتاع الجماهير في الرياض.