الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وبعد: فقد سألني أحد محرري احدى صحفنا المحلية بأن موضوع رؤية الهلال محل اهتمام الجميع ومحل إشكال وتساؤل فيما يتعلق بالأمور التالية: 1- هل يجوز الاستعانة بعلم الفلك فيما يتعلق بالرؤية؟ ومتى يجوز؟ 2- إذا قال علماء الفلك بولادة الهلال قبل غروب الشمس وبغروب الشمس قبل غروب القمر ولو بقليل ومع ذلك قالوا بأنه لا يمكن رؤيته لارتباطه بشعاع الشمس فهل يقبل قول علماء الفلك بعدم إمكان الرؤية؟ وإذا جاء من يشهد بالرؤية والحال ما ذكر فهل تقبل شهادته بالرؤية؟ 3- إذا قال علماء الفلك إن الهلال غرب قبل الشمس وغربت الشمس بعده وجاء من يدعي رؤيته فهل تقبل شهادته؟ 4- هل يجوز حصر قبول الشهادة بالرؤية على الرؤية عن طريق المرصد فقط؟ 5- في حال قول علماء الفلك بأن الهلال ولد قبل غروب الشمس وغربت الشمس قبله ومع ذلك لم يتقدم أحد بالشهادة برؤيته لا عن طريق المرصد ولا بالرؤية بالعين المجردة فهل يثبت دخول الشهر أو خروجه بما ذكره علماء الفلك؟ 6- هل علماء الفلك مختلفون فيما بينهم في ولادة الهلال وفي القول بغروب الشمس قبل القمر أو بعده في مكان الترائي؟ وفي القول بدخول الشهر أو عدم دخوله والحال أن الهلال ولد الساعة الثامنة مساء بعد غروب الشمس مثلاً؟ والجواب على هذه الأسئلة مايلي: جواب السؤال الأول: لا يخفى أن علم الفلك علم له أصوله وقواعده وليس علم الفلك اليوم هو علم الفلك قبل مئات السنين فقد كان فيما مضى ممزوجاً بعلوم النجوم والشعوذة والقول بأن للكواكب تأثيراً في أحداث الأرض ومن عليها. أما اليوم فعلم الفلك علم كوني معتمد على نظريات كونية وحسابات دقيقة واستكشافات أعطت اليقين في نتائجها وجرى استخدامها في الصعود إلى الفضاء، وفي إطلاق المراكب الفضائية والأقمار الصناعية، وفي معرفة تحديد مسارات الكواكب لاسيما المجموعة الشمسية ومنها الشمس والقمر. وبناء على الحصول على الإفادات الصحيحة من علماء الفلك لاسيما ما كان محل إجماع منهم في معرفة تحديد وقت الاقتران ووقت الولادة ووقت بدء الكسوف أو الخسوف وانتهائه هذه المعلومات الدقيقة يجب علينا الانتفاع بها فيما تتحدد به أوقات عباداتنا من صلاة وصيام وحج وغير ذلك مما نحتاج الى الدقة في تحديده. وبناء على ذلك فيجب علينا الاستفادة من علك الفلك فالله سبحانه أمرنا بما نستطيعه في تحديد مواقيت عبادته. جواب السؤال الثاني: إذا قال علماء الفلك بولادة الهلال قبل غروب الشمس وبغروب الشمس قبل غروب القمر ومع ذلك قالوا بعدم إمكان الرؤية وبرد الشهادة بها فلا يظهر لي جواز الأخذ بقولهم في عدم إمكان الرؤية طالما أن الشهادة بها ممكنة حيث إن ولادة الهلال كانت قبل غروب الشمس والشمس غربت قبل القمر فإذا جاء من يشهد بالرؤية والحال ما ذكر فيجب قبول هذه الشهادة مطلقا بعد تعديلها. لكونها ممكنة ومنفكة عما يكذبها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). وقول علماء الفلك بعدم إمكان الرؤية مع أن الشمس غربت قبل الهلال قول غير ظاهر وجاهة الأخذ به فالله سبحانه وتعالى قد يعطي بعض عباده قوة إبصار تقضي على التقديرات والاحتمالات وادعاء عدم الإمكان. جواب السؤال الثالث: إذا قال علماء الفلك بأن الهلال غرب قبل الشمس وجاء من يشهد برؤيته بعد غروب الشمس فيجب رد هذه الشهادة مهما كانت ومهما كان طريق هذه الرؤية ومهما تعددت ومهما ظهرت عدالة مدعيها. لأنها شهادة مرتبطة بما يكذبها إذ كيف يرى الهلال بعد غروب الشمس والحال انه غرب قبل غروبها. جواب السؤال الرابع: إذا قال علماء الفلك بأن الهلال ولد قبل غروب الشمس وأن الشمس تغرب قبل غروب الهلال. وجاء من ينادي بإثبات دخول الشهر أو خروجه بقول علماء الفلك فلا يظهر لي جواز الأخذ بخبر علماء الفلك في إثبات ذلك. بل يجب أن يكون إثبات دخول الشهر أو خروجه بالرؤية الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) ولا يجوز حصر الرؤية الشرعية في رؤية معينة كالرؤية بواسطة المرصد. بل متى وجدت الرؤية الشرعية وتحقق شرط قبولها في انفكاكها عما يكذبها فيجب الأخذ بها بعد تعديلها سواءً أكانت رؤية بالعين المجردة أم كانت رؤية بواسطة آلة تكبير من مرصد او غيره وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته). جواب السؤال الخامس: لا يظهر لي جواز الاعتماد على قول علماء الفلك في إثبات دخول الشهر او خروجه لأن الإثبات مرتبط بالرؤية الصحيحة. فإذا قال علماء الفلك بأن الشمس غربت قبل الهلال ولم يتقدم أحد بالشهادة بالرؤية فلا يجوز إثبات دخول الشهر أو خروجه بقول علماء الفلك بذلك حيث إننا ننادي باستخدام علم الفلك في حال النفي دون حال الإثبات. جواب السؤال السادس: ما يقال بأن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم. ليس على إطلاقه. فعلماء الفلك مجمعون على تحديد وقت اقتران القمر بالشمس بالنسبة للرائي من الأرض. كما أنهم مجمعون على تحديد وقت ولادة الهلال - انفصال الهلال عن الشمس بجزء يسير من نورها - كما انهم لا يختلفون في معرفة غروب الشمس قبل القمر أو غروب القمر قبل الشمس بالساعة والدقيقة في أي مكان من الأرض. وهم مختلفون فيما بينهم في أمرين: أحدهما: في حال الاتفاق على ولادة الهلال قبل غروب الشمس وغروب الشمس قبل القمر فإن علماء الفلك مختلفون في إمكان الرؤية من حيث اختلافهم في تقدير درجة الزاوية الأفقية للهلال، ومن حيث درجة بعده عن الشمس ومن حيث الزمن بين الولادة ووقت الترائي. وهذا الاختلاف لا تعلق له بولادة الهلال ولا بغروب الشمس قبل القمر أو بعده. والذي يظهر لي صرف النظر عن مسألة إمكان الرؤية فطالما ان الهلال مولود وان الشمس غربت قبله فيجب الأخذ بأي رؤية تثبت. سواءً أكانت رؤية بالعين المجردة أم كانت رؤية بواسطة المكبر لأنها رؤية ممكنة منفكة عما يكذبها. الثاني: الاختلاف في تعيين الوقت الذي يبدأ فيه ليل اول يوم من الشهر أو ينتهي به ليل آخر يوم من الشهر. توضيح ذلك: إن غالب الفلكيين في العالم يعتبرون المقياس التوقيتي ساعة جرينتش فيقولون: إذا ولد الهلال قبل الساعة الثانية عشرة مساءً بتوقيت جرينتش فإن هذه الليلة هي ليلة أول يوم من الشهر التالي. وإذا كانت ولادة الهلال بعد الثانية عشرة مساءً بتوقيت جرينتش فإن هذه الليلة هي ليلة آخر يوم من الشهر الحالي. والمملكة - حرسها الله - اصدرت قراراً من مجلس الوزراء باعتبار مكةالمكرمة مركز التوقيت. فمتى غربت الشمس قبل غروب القمر فإن الليلة بعد غروبه تعتبر ليلة أول يوم من الشهر التالي. وإن غرب القمر قبل الشمس فإن الليلة بعد غروب الشمس تعتبر ليلة آخر يوم من الشهر ولاشك أن قرار مجلس الوزراء قرار متقيد بالمقتضى الشرعي بأن أول اليوم ليلته. وقد أخذت بهذا القرار لجنة تقويم أم القرى في جميع تقاويمها لكل سنة. ومن خلال تطبيق هذا الاصطلاح من الطرفين المختلفين في تحديد الوقت يتضح وجه الاختلاف وأنه لا علاقة له بتحديد وقت الاقتران ولا وقت الولادة ولا الاتفاق على تحديد وقت غروب القمر ووقت غروب الشمس من مكان الترائي. وهناك سؤال سابع ملخصه كيف نحصل على خبر علم الفلك فيما يتعلق بمسائل الهلال؟ والجواب عن هذا التساؤل هو أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - وهي مؤسسة علمية تابعة للدولة - فيها مجوعة من علماء الفلك وهم مكلفون بإعداد ما يتعلق بالجانب الفلكي بخصوص مواقيت الصلاة والصيام وأيام الشهر ورصد ذلك في تقويم أم القرى كما أنهم مكلفون ببيان حال الهلال مع الشمس آخر يوم من كل شهر.. متى تغيب الشمس تحديداً بالساعة والدقيقة ومتى يغيب القمر تحديدا بالساعة والدقيقة.. ومن هذا يعرف هل غاب القمر قبل الشمس أم غابت الشمس قبل القمر.. وهذا البيان مرصود في تقويم أم القرى في آخر ورقة من أوراق تقويم أم القرى لكل شهر من شهور السنة. ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مركز علمي معترف به عالمياً فهو محل ثقة وأمانة وخبرة علمية فلكية.. يقوم بتشغيله علماء فلكيون مسلمون مشهود لهم بالعلم والثقة والأمانة والصلاح وصدق الاخبار والدقة في تحصيله ونقله.. وصلواتنا الخمس معتمد توقيتها على ما في تقويم أم القرى.. وإعداده مبني على الحساب الفلكي المعد من قبل لجنة تقويم أم القرى المشكلة من مجموعة أعضاء منهم علماء متخصصون في علم الفلك وعليهم بعد الله الاعتماد في تحديد وقت كل صلاة من الصلوات الخمس في جميع مناطق المملكة.. ويغلب على ظني أنه لو تقدم للجنة الفتوى برئاسة المفتي العام أحد المستفتين بأنه صلى الظهر مثلاً قبل وقت صلاة الظهر المذكور في ورقة التقويم بعشر دقائق أو ربع ساعة لكانت الفتوى له بإعادته الصلاة لأن صلاته كانت قبل دخول الوقت ودخول الوقت شرط لصحة الصلاة.. وتحديد وقت الصلاة كان من علماء فلكيين.. فإذا قبلنا تحديد أوقات صلواتنا من علماء الفلك فلماذا لا نقبل قولهم في حساب مسير الشمس والقمر.. ومن ذلك قولهم بأن الشمس غربت قبل القمر أو غرب القمر قبلها وان غروب الشمس كان في الساعة كذا والدقيقة كذا وان غروب القمر كان في الساعة كذا والدقيقة كذا وكذلك الأمر بالنسبة للصائم لو قال بأنه تناول أكلاً أو شرباً أو جامع زوجته بعد طلوع الفجر المحدد وقته في تقويم أم القرى بحساب الفلك لصدرت الفتوى له بفساد صومه وترتب الأحكام الشرعية على الفساد.. ولسماحة المفتي - حفظه الله - جهد مشكور في الرد على المشككين في تحديد وقت الفجر حسب تقويم أم القرى.. ألا يعتبر الاعتراض على الأخذ بعلم الفلك في مسائل الهلال تفريقاً بين متماثلين؟ إذ كيف يجوز شيء ومثله لا يجوز؟ وإذا كنا في شك من صحة علوم الفلك فلماذا لا نأخذ بقول الله تعالى وأمره: (فتبينوا)، (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). والخلاصة أنه يجب علينا الاستفادة من علم الفلك في صومنا وفطرنا وحجنا كما استفدنا منه واعتمدنا على حساباته في صلواتنا وامساك صومنا. وان استفادتنا منه يجب أن تكون في حالة نفيه الرؤية لا في حال اثباته دخول الشهر أو خروجه بحساباته.. وذلك جمعاً بين النصوص الشرعية والاستفادة من علم الفلك. وفي ختام هذا القول أذكر قول علماء الفلك في وقت خروج رمضان ودخول شهر شوال وذلك فيما يلي: يبدأ شهر شوال يوم الأربعاء الموافق 2008/10/1م حيث يغرب القمر مساء يوم الاثنين الموافق 1429/9/29ه الساعة السادسة وأربع دقائق وتغرب الشمس بعده الساعة السادسة واثنتا عشرة دقيقة والفرق بين غروب القمر قبل الشمس وغروب الشمس بعد القمر ثمان دقائق وعليه فيكون يوم الثلاثاء الموافق 1429/9/30ه هو تمام الثلاثين لشهر رمضان.. فلا يصح ترائي الهلال مساء الاثنين ليلة الثلاثاء لأن الهلال قد غاب قبل الشمس بثمان دقائق.. والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. @ عضو لجنة تقويم أم القرى