"هذه آخرة الفن!!".. كان هذا أحد التعليقات من أحد القراء على خبر مقتل مغنية لبنانية على موقع إحدى الصحف المحلية.. التعليق آثار دهشتي كثيراً حيث إني لم أفهم ما هي العلاقة بين كون القتيلة كانت مغنية وبين ان حياتها انتهت تلك النهاية المأساوية!! فأي إنسان يمكن ان يتعرض للقتل!! ولم يكن ذلك هو التعليق الوحيد الذي ينم عن شماتة مقيتة في القتيلة رحمها الله بل كانت هناك تعليقات أكثر سوءاً على مواقع أخرى.. ورغم أنني ضد العري والإباحية بكل أشكالها سواء في الفن أو في غيره من المجالات ولكني في الوقت ذاته لا أستوعب كيف يبيح إنسان لنفسه الحق في ان يصل الأمر به إلى ان يشمت فيمن ماتوا حتى وان كانوا على معصية!! وإذا كان من مات على معصية لا يستحق ان ندعو له بالرحمة والمغفرة - وأنا لا أتحدث عن تلك المغنية القتيلة تحديداً ولكن أتحدث على وجه العموم - فمن يستحقها إذاً!! كيف أصاب البعض هذا التصحر في المشاعر الإنسانية إلى الحد الذي أصبحوا فيه لا يرجون رحمة الله لغيرهم!! إن أي إنسان في الدنيا قد يتعرض للقتل.. للغرق.. لحريق يودي بحياته، لحادث سيارة فالموت يبقى موتاً في النهاية سواء أمات الإنسان نتيجة حادثة ما أو مات على فراشه.. وهو في جميع الأحوال يبقى مصيبة على البر والفاجر.. على الكافر والمسلم. نعم قد نرى في بعض أعمال هذا أو ذاك معصية ما ولكن هل هذا يُخوِّلنا ان نحدد ما هي علاقته برب العالمين.. هل هذا وحده يكفي لأن نقرر أنه لا يستحق رحمة الله في حياته أو بعد مماته!! هل نعلم يقيناً ان كان الله سيغفر له أم لا!! إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يأتيه الوحي من فوق سبع سماوات رغم علمه ان عبدالله بن أبي بن سلول كان منافقاً إلاّ أنه صلى عليه عندما مات قبل ان ينهاه الله عن الصلاة على المنافقين صراحة. أتى عبدالله بن عبدالله بن أبي رضي الله عنه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له"، فأعطاه النبي عليه الصلاة والسلام قميصه وقام ليصلي عليه، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك أسرع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: "أليس الله نهاك ان تصلي على المنافقين؟"، فقال له: (إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني ان زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها) يعني قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) (التوبة: 80) فقد جاءت الآية بالتخيير بين الاستغفار وعدمه، فلما صلى عليه نزلت الآية الأخرى وهي قوله تعالى:(ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) (التوبة: 84). هذا هو خلق نبي الرحمة مع المنافق الذي آذاه كثيراً وأساء إليه!! والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم بنفاق عبدالله بن أبي بن سلول عن طريق الوحي. وقد انقطع ا لوحي عن أهل الأرض بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أين لأصحاب تلك التعليقات الشامتة بالعلم ان هذا يستحق الرحمة وذاك لا يستحقها!! ومن أين لهم ان يعلموا ان شخصاً ما حتى وان كان على معصية ظاهرياً لم يعمل عملاً صالحاً يشفع له عند الله ويكون سبباً في ان يغفر الله له ويعفو عنه!! ان الله غفر لامرأة بغي من بني إسرائيل لم تتب من ذنبها لأنها سقت كلباً، في حين أنه أدخل امرأة كانت تصلي وتؤدي الفرائض إلى النار في هرة حبستها ومنعتها من الطعام!! القصد من كلامي أنه ليس من بشر يعلم يقيناً مآل أي إنسان بعد موته فهذا من علم الله وحده جل جلاله. ثم من أدرى أصحاب تلك التعليقات ان الله سيحسن خاتمتهم أو أنهم من أهل الجنة!! أو ان الله لن يسلط عليهم من يدعو عليهم باللعنات بعد موتهم. لم يكن هذا هو الخبر الوحيد الذي قرأت تلك التعليقات الشامتة عليه، بل هناك أخبار كثيرة سبقته عن أناس توفاهم الله في حوادث ما اعتبرها البعض سوء خاتمة - البعض ممن اعطوا لنفسهم حق تقرير مصير العباد في الآخرة - والعياذ بالله!! أين هؤلاء من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. فما أحوجهم إلى الصمت عن الشماتة في مثل تلك المواقف على الأقل احتراماً لمشاعر الآخرين - الذين لا يزالون على قيد الحياة والذين فقدوا بعض ذويهم بمصيبة الموت - وتقديراً أيضاً لأحزانهم.