بيت تملؤه الكآبة.. ويهرب منه الدفء. إنها حالة تتكرر كثيراً في بيوت العوانس ممن لم يجدن مكاناً في قطار الزواج السريع. والمشكلة تبدو عامة في معظم الدول العربية لا فرق بين الدول الغنية والأخرى الفقيرة. وإذا كانت بعض الدول قد وجدت حلولاً مثل (زواج فريند) أو (المسيار) أو تعدد الزوجات، فإن مصر هي الأخرى بدأت الطريق منذ فترة لإيجاد حلول بديلة للمشكلة ذاتها. أزواج على المقاس إضافة للسبب الرئيس في مشكلة العنوسة عربياً، وهو غلاء المهور وتكاليف الزواج المبالغ فيها غالباً باتت الأوضاع الحديثة في مصر أشد تعقيداً، حيث أضحت هناك مواصفات معينة ينشدها الفنى أو الفتاة في شريك الحياة المنتظر ومع أن الوضع في مصر يختلف عن غيره من حيث الفرصة المتاحة أمام التقاء الطرفين خارج نطاق الأسرة وفي الميادين العامة، إلا أن الشكل التقليدي للارتباط بدأ يعود إلى مواصفاته العادية القديمة مع تفشي العنوسة بين الفتيات فكثيرون باتوا يتجهون إلى الخاطبة العادية أو مواقع الزواج على الإنترنت ربما لاقتناع معظمهم بأن طلبات العروس التي تأتي من خلال هذا الطريق ستكون أخف وطأة من الطرق العادية، كون الفتاة لن يكون لها خيار كبير، لكن ما قالته سيدة على (إحدى ممتهنات حرفة الخاطبة) ل«الرياض» مخيب لآمال الكثيرين، فمعظم الفتيات يطلبن مواصفات تعجزيزية بالنسبة لطبيعة أعمارهن ودخولهن مصاف العوانس، ربما أكثر ما تطلبه الفتيات العاديات فهذه تريد مثل جيمس بوند وتلك تتمناه كانطونيو بالنديرس والشباب أيضاً لهم طلبات مماثلة، فالكل يتمنى الارتباط بامرأة بيضاء لا يتعدى عمرها السابعة والعشرين، وحبذا لو كانت موظفة أو مقتدرة مالياً فإن لم يكن فلا مانع أن تكون كبيرة السن لكن ثرية، كما أن معظم الفتيات لا يمانعن في الزواج من رجل يكبرهن عشرات الأعوام طالما كان ثرياً ويملك ما يحقق أحلامهن. وطالما أن الحال بهذه الصورة فإن أم عادل التي تجاوزت الستين من عمرها لم تعد تجد لمهنة الخاطبة التي تعمل بها مردوداً يستأهل المضي فيها، فمن خلال تجاربها الكثيرة أيقنت عدم جدية الكثيرين من طالبي الزواج سواء الشباب أو كبار السن الذين يأتي أغلبهم لفرز الصور ثم بعدها بزيارة قادمة لا تتحقق في الغالب فيما يأتي أحدهم بغرض خوض مغامرة جديدة كما صور له خياله وعلى مدى عمرها الطويل في مزاولة المهنة لم تنجح أم عادل سوى في توفيق 15 زيجة تفاوتت أعمار المتزوجين فيها بين ال32 وال40 من فتيات تعدى أغلبهن الثامنة والعشرين لكنها لا تخفي فرحها أثناء الحديث فحتى الآن لم تحدث حالة انفصال واحدة في الزيجات التي تمت على يديها وإن كان تردد الكثيرين في أخذ قرار الزواج يتعبها نفسياً ويحدث ذلك غالباً إما بسبب شروط أهل الفتاة الصعبة أو تراجع العريس أو العروس عن اتمام الارتباط بعد مقابلتهما وجهاً لوجه، وظهور كل منهما على حقيقته التي لا تظهرها الصور. زواج فريند .. مصري الدعوة إلى صيغة (زواج فريند) بدأت بفتوى أصدرها الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان في اليمن بإباحة نوع جديد من الزواج يلتزم فيه الزوجان بأساسيات الزواج الشرعي من إيجاب وقبول وإشهار، لكن يظل الطرفان على ما هما عليه معيشياً، فالشاب في منزله والفتاة في بيت والدها، ويكون اللقاء بينهما في مكان يتم تحديده بالاتفاق بينهما. ورغم جدلية هذا النوع من الزواج وعدم الاتفاق عليه من الكل إلا أن بعض شباب الجامعات المصرية اتخذوه ذريعة فورية لإنشاء زواج سريع يتم بدون علم الأهل ويعتبرونه حسب زعمهم غطاء شرعياً لممارسات لا تتقيد كثيراً بالشرح الصحيح، لكنهم يعتبروه أفضل من الزواج العرفي الذي يصيب طرفيه بنوع من عد الارتياح وتأنيب الضمير. وتقول إحدى الطالبات (رفضت الإفصاح عن اسمها) ل«الرياض» أن أبويها لا يعلمان شيئاً عن زواجها بتلك الكيفية بزميل لها في كلية الألسن وأنهما اتفقا على عدم الإعلان عن الزواج إلا بعد التخرج والحصول على عمل، ورغم ما أوضحناه لها من أن الفتوى الزيدانية تشترط علم أهلها وموافقتهم، فإنها لم تعرنا انتباهاً فهي - على حد قولها - أضحت فتاة راشدة وليست في حاجة لوصاية من أحد! زواج في الإستاد ومن الحلول الأخرى التي بدأ المصريون يتوسعون فيها حالياً إقامة حفلات زواج جماعية تعقد غالباً في استاد القاهرةالرياضي لتستوعب المعازيم والعرسان الذين تتعدى أعدادهم في المرة الواحدة ال25 عريساً وعروساً وتصل أحياناً إلى 50 زيجة في الليلة الواحدة، ويتولى الإنفاق على إقامتها إما جمعيات خيرية أو لجان بوزارة الشباب والرياضة أو أحد رجال الأعمال الموسيرين خاصة من أعضاء مجلس الشعب ممن يجدونها فرصة لتقوية أواصر العلاقة بينهم وبين أهالي دوائرهم الانتخابية. وهناك أشكال لتلك الحفلات فبعضها لا يتكلف العروسان فيها شيئاً سوى اتفاقياتهما الأساسية، فحتي أطقم العرس وثوب زفاف العروس تتكفل بها الجهة المنظمة فيما تشترط الحفلات الأخرى أن تكون تلك الأشياء على حساب العروسين حتى يشعران ببعض الخصوصية في ليلة العمر. صندوق فريد ومن جانبها شكلت نائبة البرلمان ناريمان الدرمللي، حزباً مع بعض النواب بمجلس الشعب لإنشاء صندوق للزواج على غرار المنشأ في الإمارات والكويت. وحسب رؤية ناريمان الخاصة فإن الصندوق سيخضع لرعاية الدولة وسيحول إليه جزءاً من أموال الزكاة مع فتح الباب أمام التبرعات رجال الأعمال لمساعدة الشباب الجاد على توفير المقومات الأساسية للزواج وتوفير المسكن الملائم والمساهمة في التجهيزات وفرش منزل الزوجية. عفش بالتقسيط ومساهمة منها في حل الأزمة بدأت بعض المحلات بوسط البلد في القاهرة انتهاج سياسة تقسيط الأجهزة الكهربائية للمقبلين على الزواج بتسهيلات معينة وهي تجربة يتوقع لها النجاح في حال الاستمرار، كونها تحل الكثير من مشاكل الراغبين في الزواج وتنشط حالة البيع التي أصابها ركود جزئي منذ فترة. وفي الغالب يمتد التقسيط لمدد تتراوح بين 3 - 5 سنوات، وهناك محلات تشترط على العروسين أن يشتريا كل الأجهزة من محل واحد في مقابل السماح بنظام التقسيط. إنها كما تبدو حلول معقولة بعض الشيء لكنها تظل حلولاً مؤقتة لمشكلة كبرى تمتد بظلالها السوداء أملاً في مجيء حلول جذرية يعلم الله وحده متى تتحقق. العنوسة عربياً.. أرقام واحصائيات تشير أكثر من دراسة بحثية إلى ازدياد أعداد العوانس في العالم العربي بحلول عام 2005م فحسب بيانات الجهاز المصري للتعبئة والإحصاء يتوقع أن ترتفع معدلات العنوسة بين الشبان والشابات من 9 ملايين نسمة (عام 2000) إلى 15 مليون في بدايات العام الميلادي الجديد. ووفقاً لدراسة مشتركة بين خبراء من منظمة التنمية التابعة للأمم المتحدة وباحثين جزائريين تفشت العنوسة بين فتيات الجزائر بنسبة وصلت إلى 31,3٪ نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري جراء الاضطرابات الأمنية التي بدأت شرارتها عام 1991 ونتج عنها ارتفاع معدلات البطالة وهجرة كثير من الجزائريين إلى أوروبا بحثاً عن عمل. ووفق احصائيات أعدتها وزارة التخطيط السعودية تبلغ نسبة العنوسة في المملكة أكثر من مليون ونصف مليون فتاة فيما تشير احصائيات أخرى صادرة عن مركز الأمير سلمان الاجتماعي بالرياض إلى أوضاع مشابهة بدول الخليج الأخرى، ففي قطر بلغت النسبة 15٪ ارتفعت في الكويت إلى 18٪ ثم واصلت منحنى الصعود في البحرين إلى 20٪ وبالمثل تفاوتت نسب الطلاق فبلغت في قطر 38٪ وفي الكويت 35٪ وفي البحرين 34 واحتلت الأمارات النسبة الأعلى 46٪. وفي الأردن تبدو الأوضاع أقل قتامة فدائرة الاحصاءات فيها سجلت أقل نسبة عنوسة مقارنة بغيرها من الدول العربية والخليجية، وتشاركها في ذلك تونس حيث يتضح فيها تفوق نسبة الاقبال على الزواج وانخفاض معدلات الطلاق بشكل عام.