يعتقد سكان الجبال المرتفعة في منطقة النوبة أن معاناتهم مع مرض الدودة الغينية لن تنتهي رغم توقف الحرب، فقد كان سكان القرى المعلقة في حواف الجبال يعتقدون ان وقف الحرب في منطقتهم سيفتح الطريق امام طرق المكافحة التي كانت معهودة إليهم قبل اكثر من ثلاثين عقدا من الزمان، لكن شيئا من ذلك لم يحدث.. في المقابل تزداد يوما بعد يوم معاناتهم مع المرض. وفي اكتوبر المنصرم رأيت الاطفال الصغار في القرى المنتشرة في سفوح الجبال وقد تقرحت ارجلهم بعد ان اخترقت الدودة الرهيبة جلودهم في طريقها الى خارج الجسم وكثيرون منهم قد اصيبوا بالاعاقة، ومن المألوف رؤية الفتيات وقد تشوهت ارجلهن جراء المرض، لكن الرجال والنساء كبيرات السن لا يعطون بالاً لما تفعله بهم. وتعد جبال النوبة ومناطق اخرى في جنوب كردفان مثلما هي الحال في مناطق المستنقعات في الجنوب، اكبر حاضن لتوالد الدودة، وتشكل بجانب الامراض الاخرى "الهم الأكبر"، فهذه المناطق بها (80%) من نسبة الاصابة في العالم" حسب تصنيفات مركز كارتر لاستئصال الدودة الغينية في افريقيا وهو مركز أسسه جيمي كارتر الرئيس الامريكي الاسبق لمعاونة الدول الافريقية ذات الاصابة العالية بالمرض ومن بينها السودان. مرض الدودة الغينية من الامراض التي تؤذي وتؤلم ضحاياها، حيث يتسبَّب فيه أكبر طفيل نسيجي في البشر، وحسب المعلومات التي اوردتها منظمة الصحة العالمية فإ ن الإصابة به تحدث من جراء شرب المياه الملوثة بناقل للمرض يسمى السيكلوب (Cyclop)، وهو ناقل غريب الاطوار وله مقدرة فائقة على التخفي حتى يصل المرحلة التي تمكنه من العدوى وقد تصل الى عام كامل وبعد عام تقريباً من العدوى، تخترق أنثى الدودة البالغة - والتي قد يصل طولها إلى متر كامل - سطح الجلد فتسبِّب آلاماً مبرحة وتصيب المريض بالإعاقة. ومعلوم لدى الدوائر الطبية أن المرض ينتقل عندما يستخدم الأشخاص المياه الراكدة التي تحتوي على طفيليات مجهرية تنقل يرقات الإصابة، وتنمو هذه اليرقات داخل جسم الإنسان ليصل طولها الى 3أقدام. وبعد سنة تخرج الدودة ببطء عبر تورم مؤذ تحت الجلد يكون عادة في الأعضاء السفلى من الجسم. ورغم ان هناك تحالفا دوليا مكونا من المنظمات المعنية بالصحة وتحالفا اقليميا من الدول ذات الاصابة العالية للقضاء على مرض الدودة الغينية، وبسبب تلك الجهود انخفض المرض في أفريقيا من مليون حالة في النصف الاول من الثمانينيات إلى أقل من (11) ألف حالة عام (2005)، الا انه في السودان ما يزال ينشب اظافره، فالبلاد تعد الاولى من بين مجموع عشرين دولة يتوطَّن بها المرض حتى بداية برنامج الاستئصال الذي شنه "التحالف المزدوج" في العام 1980، وكان ذلك سببا في وقف سريانه بالفعل في 11بلداً، وهنالك أربعة بلدان تُبلغ عن عدد يقل عن مئة حالة إصابة سنوياً، ودولتان تبلغان عن عددٍ يزيد قليلاً على مئة حالة سنوياً. وحسب احصائيات المنظمات العاملة "اليونسيف، الصحة العالمية" هنالك ثلاثة بلدان هي السودان وغانا ومالي أبلغت عن (95%) من إجمالي الإصابات التي سُجِّلَت عام (2005)، وكانت الخطة الدولية للقضاء على المرض حددت العام 2009موعدا لوقف سريان المرض بهذه الدول، وإذا ما تحقَّقت هذه الخطة - حسب ما يقول الدكتور حسين الجزائري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بمنطقة الشرق المتوسط خلال مخاطبته لاجتماع تقييمي بخصوص المرض عقد الشهر قبل الماضي - فسيتم إعلان جميع البلدان خالية من سريان المرض بحلول عام (2012) ، لكن ذلك لن يتحقق بالنسبة للسودان بسبب ضعف المكافحة القائمة. وكانت الدكتورة تابيتا بطرس وزيرة الصحة تحدثت عن حجم المشكلة في البلاد ابان اجتماع عُقد على هامش الدورة التاسعة والخمسين لجمعية الصحة العالمية وهو اجتماع ضم وزراء وممثلين لست عشرة دولة من الدول التي يتوطَّن بها مرض الدودة الغينية، ومسؤولي منظمة الصحة العالمية وشركاءها في منظمة اليونسيف ومركز كارت، وقالت تابيتا إن (52%) من نسبة الإصابة العالمية تتركَّز في السودان، لكنها نوهت بالفرص الجديدة المتاحة للإسراع بجهود استئصال المرض في مرحلة ما بعد الحرب، وقال تقرير صادر عن مركز كارتر قبل عامين أن مرض الدودة الغينية بالسودان لازال ينتشر في (18) ولاية منه. وتاريخياً ومنذ بداية القرن العشرين، انتشر مرض الدودة الغينية في بلدان عديدة في أفريقيا وآسيا. وقدرت منظمة الصحة العالمية عدد الحالات في الخمسينيات بنحو (50) مليون حالة، وقد انخفض عدد الحالات المصابة بالمرض إلى نحو (69000) حالة في عام (1999)، نتيجة للجهود المكثفة التي قام بها المجتمع الدولي والبلدان الموطونة. وينتشر داء الدودة الغينية في ثلاثة عشرة بلداً أفريقياً وتشمل السودان ونيجيريا وغانا وبوركينا فاسو والنيجر وتوجو وكوتيفوار. وقد تم التبليغ عن عدد صغير من الحالات في أوغندا وبنين ومالي وموريتانيا وأثيوبيا وتشاد. ويتواجد نحو ثلثي الحالات بالبلدان الافريقية " 66000حالة" من الحالات التي تم التبليغ عنها في عام 1999في السودان، حيث عرقلت الحرب الأهلية التي استمرت عشرين عاما الجهود المبذولة للقضاء على هذا المرض.