لا مظاليم ولا مفاجآت في الأوسكار فقد ذهبت الجوائز الرئيسية لمن يستحقها فعلاً، الأخوان كوين برائعتهما (لا بلد للمسنين) يسيطران على أربعة أوسكارات من أصل ثمانية ترشيحات، و(داني دي لويس) المبدع يكرر إنجازه في عام 1989وينال أوسكار أفضل ممثل، أما الفرنسية (ماريون كوتيلارد) التي لفتت الانتباه بأدائها لشخصية المغنية الأسطورية (إديث بياف) في فيلم (La Mome) فقد اقتنصت أوسكارها الأول كأفضل ممثلة. وهناك جائزتان أخريان قد تكونا هامشيتين في نظر البعض لكنهما ذهبتا إلى مستحقها، هما أوسكارا أفضل تحرير وأفضل صوت واللتان نالهما فيلم (وعد بورن النهائي -The Bourne Ultimatum) للمخرج "بول غرينغراس". ليس مفاجئاً أن تفوز هذه الأفلام وهذه الأدوار لسبب بسيط هو أن "الكمال" كان عنواناً لكل منها، في تحفة الكوينز "لا بلد للمسنين" هناك حضور جبار للصنعة المتقنة، إثارة تحبس الأنفاس، بلا موسيقى، ومجرم طليق يفلسف الجريمة وفق نظرية عبثية مرعبة، ومن خلفه يجلس شرطي عجوز على كرسيه وهو يبكي حسرة على الغرب الأمريكي الذي أصبح نهبة للعنف. ومع أن الأوسكار يميل غالباً للأفلام الإنسانية إلا أن شدة الإتقان والإحكام في هذا الفيلم أرغمت الأكاديمية على منح تمثالها لفيلم عنيف ودموي للمرة الثانية على التوالي بعد فيلم (المغادر). متجاوزة بذلك فيلم (التكفير -Atonement) الذي كان مرشحاً مثالياً لأنه يتماشى مع مزاج الأوسكار بروحه الإنسانية العطوفة. الكمال يشع أيضاً من الأداء الذي قدمه الثنائي (داني دي لويس) والفرنسية (ماريون كوتيلارد)، (داني) كان ساحقاً وعظيماً في فيلم (ستكون هناك دماء)، تشعر وأنت تشاهده بامتلاء الشاشة وتفجرها من شدة وهج الموهبة، ونفس الأمر مع (ماريون كوتيلارد) التي حققت بهذا الأوسكار إنجازاً لم يتحقق لأحد غيرها إلا مرة واحدة فقط حيث أصبحت هي الممثلة الأجنبية الثانية في تاريخ الأوسكار التي تفوز بأوسكار أفضل ممثلة عن دور غير ناطق بالإنجليزية لشخصية أجنبية في فيلم أجنبي؛ ولم يتحقق هذا الإنجاز سوى مرة واحدة عام 1962للممثلة الإيطالية (صوفيا لورين) عن دورها في فيلم (امرأتان). أما فيلم (وعد بورن النهائي) فقد كان بديعاً في المونتاج إلى درجة الإدهاش، ومن شاهد الفيلم سيلاحظ كثرة لقطاته وسرعتها مع تنام للحدث بصورة مثيرة، وهذا يحتاج إلى دقة في ضبط الصورة وتركيب اللقطات ومزج الصوت في سياق واحد، وهنا يكمن الإبداع، فالمونتاج ليس تقطيعاً للمشاهد وتركيباً لها بطريقة جافة، بل هو إحساس بنبض اللقطة وبقيمتها في السياق العام، وهذه ميزة تتوفر بشكل دائم في أفلام المخرج (بول غرينغراس) الذي سبق لأحد أفلامه أن ترشح أيضاً لنفس الجائزة، وهو فيلم (يونايتد 93- United 93) الذي كان متقناً في تحريره البصري والصوتي، وقد تجلى ذلك في تعابير شخصيات الفيلم التي كانت متطابقة جداً في رعبها وهلعها رغم أن لقطات الفيلم تم تصوير كل منها على حدة، هذا التطابق هو ما يمنح المونتاج قيمته، وهو سبب فوز (وعد بورن) بالأوسكار.