من بين مشاغل أميركا حول العالم، كانت لحيتا فيديل كاسترو وأسامة بن لادن؛ لاحقت الأول خمسة عقود، واختلفت مع الثاني وطاردته، بعد أن استخدمته في الثمانينيات وتباينت المصالح بينهما لاحقاً. في الأيام الماضية، أعلن كاسترو تنحيه عن كرسي الحكم. المرض والشيخوخة أبعداه، وليست مواجهة 9رؤساء مروا على أميركا، والتي لن تستريح من الهمّ الكوبي، حتى لو غيب الموت كاسترو، فالمعركة مع نظام البلد، لا قائده. ولأن الخليفة سائر على الخطى ذاتها؛ فالهمّ وإن خف، لكنه لن يزول. اللحية الأخرى، هي لحية أسامة بن لادن. صديق الأمس، وحليف المعركة الشيوعية، وبعبع اليوم. اللحية التي أشغلت أميركا، حتى في أآخر ظهور، أواخر الصيف الماضي، حين ذهبت الاستخبارات الأميركية ومحللوها بعيداً في تحليلها، إن كانت مركبة، أم متساقطة، نتيجة المرض العضال، الذي نسمع عنه منذ 10سنوات. ما يجمع بين كاسترو وابن لادن هي حالة من التشابه واللقاء. تشابها في الظروف الاقتصادية، وتشابها في مدى التأثير في أوساط الشبان. فكلاهما من أسرة ثرية، وارتضيا البقاء بعيداً عن الحياة المقدرة لهما وسط النعيم المادي، فلجأ الأول إلى القتال للانقلاب على نظام الحكم في بلاده، واختار الثاني تحرير القدس المحتل بدءاً من تدمير أركان العالم وبلاده. وطوال عقود كاسترو، خاصة الأول والثاني منها، سيطر ورفيقه تشي غيفارا على قلوب الشبان الثائرين في مختلف أنحاء العالم. كان كاسترو العقل، وغيفارا "البلطجي". وما تهمنا هنا، هي الحالة الكوبية في منطقتنا العربية، حين كانت صورة غيفارا بلحيته الفوضوية (يمكن وضع أبو مصعب الزرقاوي في هذه الخانة) تسيطر على العقول وتملأ الواجهات، وعلى الصدور من خلال الملابس الشبابية، حتى باتت الصورة شعاراً يباع في محلات الزينة اليوم. وما أن انقشعت غيمة الشيوعية، وتلاشت حمى اليسار، حتى أطل علينا أسامة بن لادن حاملاً لواء الثوار اليساريين بعقل ورداء إسلامي. ولا شك لدي أنه استفاد من تجربة غيفارا في التسويق الإعلامي من خلال التقاط زوايا صوره الفوتوغرافية، فهي ملفتة ومتميزة. ويمكن القول إن شعبية أسامة بن لادن لا تنحصر على العالم الإسلامي، فهذه حقيقة حتى وإن لم يرتضيها خصومه، فهو اليوم ملهم المحبطين من أي شيء أميركي، خاصة في أميركا الجنوبية أو الشرق الآسيوي، حيث العملاق الصيني. وليس جديداً القول إنه حتى في عالمنا الإسلامي، ليس بالضرورة أن يكون الشاب متديناً حتى يحب ابن لادن! واليوم، سقطت لحية كاسترو بإرادته، وقبلها قتل رفيقه غيفارا في مواجهة عسكرية، مثلما قتل الزرقاوي في قصف جوي قبل نحو العامين، فانحصرت الأنظار على لحية ابن لادن، فهل يفعلها قريباً، ويعلن براءته من دماء المدنيين ونهج تنظيمه حول العالم؟ فابن لادن يلمس اليوم تنامي حالة الرفض لمنهج تنظيمه في المواقع التي يعيش عليها. يشعر به في العراق، وقبل ذلك السعودية. وليس أمامه أن يفعل شيئاً، إلا أن يظهر في الأخير متبرئاً من أفعال جنوده الذين آذوا المدنيين وروّعوهم، معلناً تصحيح المسار. أقول: ربما يفعلها بعد أن ضاق الخناق!