كثيرٌ أولئك الذين يسقطون في أرض الشهادة كرماء ويرحلون إلى العالم الآخر مطمئني القلوب قريري العيون وقد كتب الله لهم الحياة الخالدة، لكني أسقط في رحلتي مع الحياة مرات ومرات وكأنما يُقتطع جزء من حياتي الدنيوية لأرحل عنها رحلة مؤقتة، لست بين الأحياء ولا مع الأموات، أسقط كما يسقط رجلٌ يتحسس طريقه في ليل بهيم في غابة كثيرة الأشجار المتشابكة الأغصان فيسقط مرتطماً بجذع صلب فيسير على وجل فإذا هو يسقط مرتطماً بأخرى وهكذا حاله طوال الليل البهيم في هذه الغابة الموحشة التي تتعاوى ذئابها حوله فيظل قلبه مرتجفاً لكنه يطلب عون الله - تعالى - والنجاة فيظل على قيد الحياة أو كأني رجل ألقي به في بطن البحر دون أن يكون غواصاً ماهراً ولا حتى يملك أدوات الغواصة التي تساعده فيظل يتدحرج على غير هدى يخشى حيتان البحر وأعشابه فيشعر بالدوار لكنه يطلب العون من الله - تعالى - والنجاة فينجو بإذن الله، نعم تعودت السقوط فكأني قطعة زجاجة ترتطم بعنف من عل على الأرض فتتناثر شظاياها على الأرض، لكن العجيب أن مثل هذه القطعة الزجاجية إذا ما سقطت صعُب لملمتها وإعادتها إلى هيئتها الأولى أما أنا فإن المعنيين بسقوطي يعملون بجد في لملمة أجزائي المتناثرة، وهذه اللملمة قد تؤلمني قد تحرقني قد تبكيني لكن لا يهم ما دام قلبي لا يزال نابضاً بالحياة، آه أيها السقوط المؤلم لم يكن يخطر ببالي ذات يوم مضى أنك سترافقني في محطات أخرى من حياتي، لكن كُنتَ نتيجة طبيعية للألم، للحزن، لفراق الأحبة، لظلم البشر الذي طالني وطال من أحب من البشر، للجروح النازفة بالدموع الخارجة من قلبي قبل عيني، ورغم هذا السقوط المؤلم وما دام قلبي ينبض بالحياة يعمره الإيمان بإذن الله فسأواصل رحلتي الجادة في هذه الحياة، أتمنى أن اتحدى الموت المؤقت والسقوط المؤلم حتى أكتب رسالتي التي ما زلت أكتبها منذ أن عرفت طريقي للحياة التي أريد نعم شرعت في كتابة هذه الرسالة ولا زلت أكتبها حتى أختمها أو ربما أقارب على ختمها وقتها فإنني بالتأكيد سأسقط مطمئنة الفؤاد قريرة العين وستبقى رسالتي التي كتبتها لأحبتي يقرؤونها، حينها قد تُكتب لي الحياة الخالدة.