أنت فقط من بإمكانه أن يضخ الحياة داخل عروق أيامه. أنت فقط من يستطيع أن يهرب بأحلامه بعيداً عن البؤس والبؤساء. أنت فقط من بإمكانه التفتيش في كل الزوايا المظلمة ليخرج منها ضوء الحياة. أنت تعيش في كوكب الحياة، وبالتالي لا تعيش بعيداً عن الاستمتاع بهذه الحياة. قد تشتكي على اعتبار أن كل ما حولك يهطل بالأسى وأن الزمن هو زمن المرار. وان العلاقة وثيقة بين هذا المرار، وبين من يشعرون من البشر وأنت منهم، بل أنت أحياناً معظمهم. تتعطل دواخلك عن الإحساس بالجمال، أو تذوق قيلولة الاستمتاع بكل الأشياء الصغيرة. تتعطل رغبتك في التقدم إلى الأمام. أو الإبحار داخل أزمنة تسطع بالإبهار، وتعدد الملامح. تستشعر طعم الرماد في كل الأشياء رغم أن النار لا تزال مشتعلة حولك والإحساس بها ما يزال قائماً إن حاولت النظر أبعد من تحت أقدامك. حملت هذا الإحساس البائس داخلك في كل مكان. تعطلت عن الحياة، تعطلت مشاعرك. تعطلت أحلامك. وهذه هي الكارثة. لأن التعطل عن حب الحياة ينفي الإنسان داخل المكان ذاته، ويحرمه متعة الاستمتاع الآني الذي من الممكن تجاوزه في المستقبل. لكن التعطل عن الإحساس بالحلم، أو تذوق الحلم، أو الإبحار مع الحلم أو اعتبار الحلم الأب الشرعي للحياة البائسة، هو قمة التصادم مع الحياة، ومع المنفى الاختياري، والإجباري معاً، وهو فيضان الموت. أنت عاطل عن الحلم، بمعنى أنك أسوأ عاطل في الحياة، لأن عاطل العمل قد يجد عملاً لدى الآخر، مهما كانت إمكانياته، أو خبرته، لكن عاطل الحلم قد لا يجد مخرجاً لأن هذا التعطل إرادي. تتوقف أحلامك عن الضجيج تقفل عليها بالضبة والمفتاح. تنغلق دائرة اللاشيء عليك. تسبح داخل حقائب فارغة من الحياة، تهطل منها كل الوجوه الغائبة والحكايات المنفية. يغيب خوفك، ويضيع إحساسك. ثمة ملامح لإنسان غائب عن الحياة رغم وجوده داخلها، هذا هو ما تبقى منك، ثمة إحساس غائب بالزمن، وسخونة الأمكنة، وبرودة الأسئلة وفهم لغة ما يجري. أنت في المحصلة مسؤول عن تعطل أحلامك، عن ألفتك للفراغ، عن إدمانك لرسم تقاطيع باردة، وصور مخلخلة لا تحمل غدها. كتب عليك أن تبقى داخل هذه الدائرة معجوناً بالأشغال الشاقة داخل متاهة لا تنتهي خالية من كل شيء سوى وجهك الباهت، ومفرداتك المملة، والمتعثرة.