بما أن الفضاء المسرحي هو عالم التحركات الدرامية والصورية، فإنه يمكن القول إن هذه النقطة يمكن أن تكون نقطة الالتقاء في الحدث الدرامي، وهي الاعتماد على العنصر المتحرك في الفضاء المسرحي نتيجة تحركات المجموعات التي تمثل الوضع المحتمل تجاه عنصر معين.. إن الفكر المسرحي هو ذلك "الفرن" التي تنضج فيه جميع الأفكار الفلسفية والعلمية وفلسفة العلم، فقد كان لنا تناول نظرية الكوانتم كفكر فلسفي وُجد وفرض ذاته على الساحة الثقافية والمعرفية، وبما أن النقد لم يعد يقتصر على علم الجمال حتى أصبح علما وفرعا من علوم المعرفة، فلا بد أن نسحب نظرية الكوانتم على المسرح لنرى موقع هذه الفلسفة منه وكيف يكون تأثيرها وتناولها في الفنون المسرحية من حيث الصراع والإضاءة والشخصية والصورة. فإذا ما نظرنا إلى مبدأ الحقيقة وكما ناقشناها في المنظومة الفكرية فيما سبق، سنجد أن الكوانتم لا تصل إلى الحقيقة المطلقة وإنما تقترب منها اقترابا كبيرا ولكنها ليست هي فالحقيقة كما يقرها بلانك ولكنه لا يستطيع تفسيرها وهو ما يختلف مع مبدأ "جاك دريدا" حيث لا حقيقة مطلقة لديه، إن "أومينس" يقول عن بلانك وهو العالم الفيزيائي: "استطاع بلانك التوصل إلى إيجاد العلاقة الحسابية بين الطاقة التي يبعثها المعدن الساخن وطول الذبذبة الضوئية التي تنبعث منه فأنشأ معادلة "Quantum" وبما أنه لم يتم قياس سرعة الضوء فهو كغيره من الثوابت الكونية عبارة عن حقيقة رياضية لا يمكن تفسيرها". وبهذا نجد عودة الفكر الفلسفي إلى أن الحقيقة ثابتة لكنه لا يمكن تفسيرها، وهو ما يختلف مع مبدأ دريدا والمنهج التفكيكي، حيث لا حقيقة مطلقة ويمكن أن نقارن هذه النتيجة النظرية "الكوانتمية "مع أقوال الفلاسفة الذي تم تناولهم لها. فمبدأ اللا يقين في المسرح، وهو المبدأ المعروف بمبدأ "هيزنبرج" 1927، هو مبدأ اللا حتمية أو مبدأ الشك وقد "ترجمه المجمع اللغوي" مبدأ اللا يقين في الطبيعة.. "وهو مبدأ نتج عن تحول معنى الحقيقة تبعا لما اكتشف في علم الفيزياء في هذا القرن المنصرم، فاختلت به الموازين كل الاختلال، فقد اتضح أن كل المعرفة الطبيعية التي حصل عليها العلم ليست إلا معرفة إحصائية تختفي وراءها الأشياء وحقيقة العالم بما فيه من علل ومعلومات وأن هذا الكون المتخفي من وراء ما نعلم من ظواهر ليست معروفة وغير قابلة لأن تُعرف، بل هي أيضا غير قابلة للتصور". إن مبدأ اللا حتمية يقودنا إلى اللا يقين "أي لا يقين قاطعا ومطلقا" وهو ما يقودنا إلى مبدأ الاحتمال، وهو مبدأ قائم في الدراما ولكن كان لدى أرسطو يقوم على الحتمية أو الاحتمال في صناعة الحدث الدرامي، إنما عدم اليقين من وجهة نظر الكوانتم وفلاسفته بلانك وأومينيس وغيرهم تجعل الحدث يقوم على مبدأ الاحتمال دون الحتمية. كما أن تفسير علم الظواهر أمر مستحيل لأن هناك حقائق متخفية وراء هذه الظواهر يستحيل الوصول إليها، وهو ما يجعل النص الأدبي والدرامي والعرض المسرحي يحتوي على حقائق حقيقية كامنة وراء عالم من الستر التي يصعب الوصول إليها، وذلك بتقنية وحرفية تعمل على إيجاد الحقيقة الحقة ولكن بدون الوصول إليها أو تفسيرها، كما جاء في الكوانتم. وهو مبدأ يذكرنا بما جاء في التصور في الفكر الإسلامي أن الحقيقة الحقة "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، أي يفوق تصور البشر، وقد جاء التصور الفلسفي هذا بالاقتراب من الحقيقة ولكنها ليست هي. فقد عمل علماء الفيزياء على محاولة قياس سرعة الإلكترون واتجاهه ولكنهم فشلوا في ذلك فيقول "أومينوس": "لا نستطيع قياس سرعة حركة الإلكترون واتجاهه قياسا دقيقا"، ثم يقول في موضع آخر: "عندما يحاولون تحديد مكان إلكترون معين في الفضاء، فخير ما يقال في هذه الحالة هو أن نقطة معينة من نقط تحركات موجات الإلكترونات كمجموعة تمثل الوضع المحتمل لإلكترون معين". وبما أن الفضاء المسرحي هو عالم التحركات الدرامية والصورية، فإنه يمكن القول إن هذه النقطة يمكن أن تكون نقطة الالتقاء في الحدث الدرامي وهي الاعتماد على العنصر المتحرك في الفضاء المسرحي نتيجة تحركات المجموعات التي تمثل الوضع المحتمل تجاه عنصر معين. ومن هنا يمكن تحديد خواص العنصر الدرامي سواء كان حدثا أم شخصية أو حتى الضوء مستنبطة من خواص المجموعة.. "الإلكترون عبارة عن بقعة غير محددة شأنها في ذلك شأن الريح والموجات الصوتية". وهي صفة قد تتسم بها الصورة المسرحية لكي تبدو بشكل معرفي يقوم على الاحتمال دون الحتمية مما يخلق عالما صوريا عبر اللا زمان واللامكان. ويؤكد "هيزنبرج" استحالة وصف الإلكترون وصفا دقيقا شارحا رأيه أنه إذا اصطدم الإلكترون "أ، ب" يتألف منها نقطة من السيل الكهربي تلك التي تتفتت من جديد لتؤلف إلكترونين جديدين "ج، د" لأن الإلكترونين "أ، ب" لم يعد لهما وجود على الإطلاق. ومن هنا يمكن القول أن تفتيت هذه الإلكترونات وتجددها بصورة مغايرة أخرى قد يعمل على تفتيت الفعل أو الشخصية في الصورة بحيث تتجدد الصور بصور مغايرة تباعا نتاجا لتصادم هذه الصور معا، ومن هنا يكمن الصراع في تصادم الصور في الحدث الدرامي بشكل توليدي تتفتق لنا تلك الصور المغايرة تباعا وبشكل احتمالي وليس حتمي. لأن "هيزنبرج" وصل إلى استحالة تحديد موضع وسرعة واتجاه الإلكترون، فهو في محاولته لتسجيل وضع الإلكترون وسرعته لن يصل إلى أي نتيجة، إذ في اللحظة التي يسجل فيها مكانه تتغير سرعته، وفي اللحظة التي يحاول فيها تسجيل سرعتة يتغير مكانه، لأن إطلاق الضوء عليه لرؤيته ينقله من مكانه ويغير سرعته. ولذلك يقول الدكتور صلاح القصب وهو رائد مسرح الصورة: "لقد انطلقت تكنولوجيا المسرح من خلال الكم الفيزيائي في التشييد المسرحي وبدأت تتجلى وتظهر في نظام جمالي دقيق، ها هنا لكل شيء نظام وجمال ضمن أنساق للفن صورية تتكون من رموز هندسية ومعادلات الفيزياء وعناصر الكيمياء.. تكنولوجيا المسرح هي الفراغ الكمي الذي يعني الغياب المطلق للثبات والتكرار جزئيات تظهر وتختفي بسرعة خارقة لا يمكن للقياسات التقليدية رصدها". نستخلص من هذه الفلسفة أن العنصر الدرامي يتشظى فلا يمكن تحديد مكانه كما لا يمكن تحديد زمانه، إذ إنه في نقلات زمانية ومكانية سريعة لمجرد إلقاء الضوء عليه وذلك في اللحظة التي يمكن أن يكون هناك الاقتراب من الإمساك بأي معرفة بحسب مبدأ الاحتمال أو اللا يقين.