منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن مسلسل «لام شمسية» لا ينوي مجاراة دراما رمضان التقليدية. بل اختار أن يشق طريقاً خاصاً، عبر قصة تتسلل بهدوء إلى زوايا غافلة في الوعي العربي، وتدق أبواباً ظلت موصدة طويلًا، تحرّش الأطفال من داخل الدائرة الأقرب، من شخص لا يشبه صورة الجاني النمطية. ففي ظل إيقاع درامي متماسك أخرجه كريم الشناوي ببراعة محسوبة، وقدّمت له الكاتبة مريم نعوم حبكة محكمة، تتكشف خيوط قصة يوسف -الطفل البريء الذي يعيش في صمت مشوَّش- ووسام، صديق العائلة والمعلم المثالي، الذي يظهر لاحقاً كوجه مألوف يحمل شراً مستتراً. المسلسل من بطولة أمينة خليل في دور «نيللي»، الزوجة الحذرة التي تلتقط خيوط القلق من تصرفات الطفل، وأحمد صلاح السعدني بدور الأب «طارق»، ومحمد شاهين الذي جسّد شخصية «وسام» المتحرش المتخفي خلف صورة الأستاذ الجامعي المحترم. بينما لفت الأنظار النجم علي البيلي، الطفل الذي قدّم أداءً داخليًا مذهلا في دور «يوسف»، فاجأ به الجمهور والنقاد. واحد من أقوى مشاهد العمل جاء في الحلقة الثامنة، في جلسة هادئة بين الطبيب النفسي (أدّاه بإتقان لافت علي قاسم) ويوسف، وهي الجلسة التي بدأ فيها الصمت يتكلم، والطفل يبوح بلا كلمات، في أداء وصفه النقّاد بأنه «أداء مهموس، يعتمد على كل ما لا يُقال، ويجعلنا نسمع صوت الذنب والخوف والعجز». أوضحت الدكتورة هدى الرشود، استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين «لام شمسية» ليس مجرد مسلسل، بل دليل توعوي للأهالي، إنه يُظهر لنا كيف قد يكون المعتدي شخصاً راقياً، محبوباً، ومقبولاً اجتماعياً لا يحمل أي سمة من سمات الخطر في ظاهر سلوكه. لذلك أنصح بمشاهدته من قبل كل أم وأب، بعيداً عن أعين الأطفال، لأنه يقدم أدوات فهم وتحليل لا نجدها كثيرا في الأعمال العربية. وتبين الرشود «المسلسل لا يكتفي بإثارة القصة بل يطرح أسئلتها: ماذا نفعل حين يكون المؤذي داخل البيت؟ كيف نلتقط إشارات الأطفال المبكرة؟ وما الذي يخيفنا فعلًا من الاعتراف؟ وتواصل «النشيد الذي يردده الطفل يوسف بالمسلسل «الشمسية متخبية زي السر وزي الذنب» لم يُكتب عبثاً، بل هو قلب العمل النابض، هناك «لام» صامتة كالأذى، مختبئة خلف ألفة مزيفة. مسلسل «لام شمسية» يُعيد رسم صورة المعتدي، ويقول بكل وضوح: الجاني قد لا يكون غريباً، بل قد يجلس على مائدة الطعام بجوارك. وفي زمن امتلأت فيه الدراما العربية بالتكرار، جاء هذا العمل ليضع مرآة مخيفة أمام واقع مؤلم لكنه موجود وقريب وينبغي التوقف عن تجاهله.