الزمن هو أعظم أسرار الفن، فهو حاضر في كل مراحل عمره من لحظات استلهام الفنان وإبداعه في الفكرة والتجسيد وإلى فترة الحياة التي يعيشها العمل الفني في عقل المتذوق. وحتى في قيمة الفن حين يرتبط بالتاريخ ويعبر عن عصره ويكون عتيقًا مع مرور السنين فالفن زمن... سواء كان زمن الإنتاج أو زمن التلقي فالموسيقى مثلًا هي فن يعتمد بالكامل على تدفق الزمن. كل نغمة وكل إيقاع ينشأ في وقت محدد. وهذا لا ينطبق فقط على الفنون المتحركة بل حتى اللوحة الثابتة تحمل في أعماقها قصة زمنية. فهي بمثابة كبسولات زمنية، تستطيع بمجرد النظر إليها أن تشعر بكمّ الزمن الذي استغرقه الفنان في رسمها، والتفاصيل التي أودعها فيها... كما أن تأمل اللوحة يتطلب زمنًا من المتلقي نفسه. إنه زمن خاص، لا يقاس بالثواني أو الدقائق، بل بمقدار الغوص في أعماق الفن وفهم معانيه. وربما لهذا السبب نجد الكثير من الناس يفضلون الروايات على الأفلام. حتى رغم وقوف فنون الصورة والصوت في صف الأفلام فالرواية تمنح القارئ حرية التحكم بزمن القراءة والهضم الفكري. ويكفيها أن يقف الزمن بنفسه في صفها وهي كذلك تتيح له فرصة أن يعيش مع كل كلمة وصورة في خياله بالسرعة التي تناسبه، مما يمنح العمل الفني حياة أغنى وعمرًا أطول ولهذا يتفاوت الناس كذلك في التفضيل بين الشعر والأغنية فعذوبة الكلمات عند قراءتها قد تغلب أحيانًا عذوبة الموسيقى واللحن في النهاية، يمكن القول أنه لا فن بلا زمن، وأن تذوق الفن هو عبارة عن تناول كميّات مكثفة من الزمن... إلى حد التلذذ وحتى الإشباع