سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قال إننا نمنع الكتب لنشجع الناس على السفر ... واعترف بأن تجربته في وزارة الإعلام "غصة" قصيرة ! . علوان : "صحويون" استخدموا الحلال والحرام لمنع انطلاقة الثقافة والمثقفين عندنا
محمد علوان مثقف وموظف معاً وبين الثقافة والوظيفة كان يحمل"شعرة معاوية"، عمل مديراً للرقابة لفترة وحاول صنع شيء وكان يصطدم بالنظام كثيراً، يأسره المشهد الثقافي ويتفاعل مع تفاصيله ويعيش نجاحاته وإخفاقاته، يلقي باللوم على خصوصيتنا ويرى أن كل طريق للجمال تم اختطافه من فئات معينة في المجتمع. اختصر رأيه في المرأة بأنها كل شيء في الحياة، امتلأ حباً بالقرية التي منحته الألفة مع أشجار العرعر والطلح وثمار التين، ويشعر بأن وحش المدينة الذي لا يرحم قضى على رائحة القرية ولونها وطعمها، فآثر أن ينقل نبض الصدق والعفوية إلى قصصه كي لا يتسرب من بين أصابعنا. ولا يزال يشعر أن الجنوب مفعم بحكايات الحب والفرح والحزن الشفيف، ومنذ أن اكتشف ولعه بالكتب ورائحة الحبر وهو ينتقل بهما إلى عالم من المتعة والدهشة، ورث عن والده هذا الولع فأخرجه لنا عبر كتاباته في القصة القصيرة لنشاركه توثيق اللحظات التي لا يمكن فقدها. محمد علوان كاتب القصة القصيرة يحملنا معه في أجوائه الشفافة وتفاصيله القريبة من القلب عبر هذه الرحلة. كيف كان تأثير القرية في محمد علوان... الإنسان وكاتب القصة؟ - حتى هذه اللحظة وتأثير القرية لم يغادرني وأعتقد بأنه لن يفعلها لأسباب عدة، ولعل أهمها هذا الحب الممعن في الألفة بيني وبين أشجار العرعر والطلح وثمار التين الذي يملأ الأودية، وعيون أهل القرى وغنائهم الذي لا ينقطع في السراء والضراء. هو زمن مثمر بالصدق والعمل والحقائق الآن بدأ يتسرب بين أصابعنا. يهاجر من داخل العين، يغادر القلب هذا الزمن بدأ يلتهمه وحش المدينة الذي لا يرحم، الغريب في الأمر - وعلى رغم هذه المسافة الزمنية - أن رائحة القرية ولونها وطعمها ما زال واضحاً في المخيلة، وربما أن بعض القصص التي وصفت وتفاعلت مع القرية تحرض الذاكرة على استعادة القرية الأرض والإنسان. وبطبيعة الحال فإن تأثيرها في القصة في محاولاتي واضح وهي محاولة حثيثة لنقل أنفاس القرية وأهلها وأحزانهم وأفراحهم الحب والكراهية. الإنسان بكل صفاته سلباً وإيجاباً هم أبطال محاولاتي القصصية. صورة القاص في بداياته وكأنما تعكس سيرته الذاتية وتجاربه الخاصة ومع الاستمرار يتقمص أدوارا أخرى... أيُّ قصصك التي لعبت فيها هذا الدور؟ - السيرة الذاتية والتجارب الشخصية لا أعتقد أن كاتباً قصصياً ينجو من أن يبوح بجزء بسيط ليكون نسيجاً من الأحداث الأخرى والتي تنمو في الذاكرة ربما غير مكتملة أو ناضجة ولعلها لديّ على أقل تقدير تأخذ زمناً لا بأس به ثم ينفجر العمل بصيغته النهائية كعمل أزعم انه قد اكتمل، ليس هناك قصة بذاتها تمثلني لأن حياتنا اليومية والأسبوعية والشهرية... إلى آخر العمر قصص متاحة والإبداع الحقيقي في القدرة على التقاطها وإيصالها إلى القارئ بالحرارة نفسها والتوتر الذي يرافق لحظة الكتابة ربما أن قصة"هاتف"تكاد تكون انفعالاً صادقاً للحظة من لحظات الحياة أمام مشهد الموت العظيم أمام العدالة الوحيدة في هذا العالم الذي يضج بالقصص والرقابات التي لا تنتهي. نحن قصص يومية وأبطال يتجاذبنا الحزن والفرح في ما بينهما. ما الذي تمنحه أجواء الأطراف للمبدع، وتسلبه منها أجواء المحور؟ - أعتقد أنهما يمثلان التكامل، إذ إن أجواء الأطراف وأجواء المحور هما الأرض الخصبة للقصص مع اختلاف المشهد، فالبطل الذي في الأطراف قد يكون هو الذي وصل إلى المحور وأكمل القصة أو تابع الرواية. النفس الإنسانية تمر بالكثير من التغيرات والتبدلات بفعل الضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ضغوط الأمثلة صدقها مدقها مدى استمرارها هي التي تخلق الإنسان من جديد في الأطراف والمحور على حد سواء. الكاتب والقاص الحقيقي لا ينقل صورة فوتوغرافية للأطرف أو المحور فهذه مهنة المصور الذي يلتقط لحظة زمنية مكانية وإنسانية ربما تتبدل بعدها بلحظات لكن القاص والروائي يمنحك ما قبل المشهد الفوتوغرافي وما بعده، وهذا هو الفرق. الجنوب والدهشة جنوب الوطن الأكثر كثافة سكانية وذو الثقافة الثرية والفنية بكل مفارقاته وتحولاته... هل كان جزء من مادة محمد علوان القصصية؟ - بطبيعة الحال هو المكون الأساسي الذي لم نلتقط من هذا العالم المدهش بجباله ووديانه وشجره الذي يغني كل يوم قصائده التي لا تنتهي للصيادين والقوارب والوجوه السمراء إلا مشاهد متقطعة تارة عن الجبل وتارة عن البحر وتارة عن الوديان وأناسها الذين ينضمون بحياة القصة وقصة الحياة. ما زال الجنوب مليئاً بالحكايات والبكاء والفرح ما زال مليئاً بذلك الحزن الشفيف بعد أن أعاد المرأة من الحقل إلى داخل المنازل ومن المرعى بمساحته الشاسعة إلى غرفة تبعث الهواجس والخوف والمستقبل الذي بلا ملامح. حتى هذه الحياة تمثل قصة ورواية أو فصلاً من فصول هذه المتغيرات التي عصفت بنا خلال أكثر من عشرين سنة. لماذا ساقتك تفاصيلك إلى أجواء الأدب والثقافة؟ - للمرة الأولى أدرك أن لي تفاصيل. وقد قادتني هذه التفاصيل إلى أجواء الثقافة لأن والدي - رحمه الله - كان مولعاً بالثقافة والكتابة والمنزل في أبها، والرياض مليئة بالأقلام والأوراق والكتب بكل اتجاهاتها في أبها كانت الرحلة الأسبوعية لجلب اشتراكاتنا من المجلات والجرائد المصرية هي الرحلة المرتقبة بكل تفاصيلها تلك اللحظات الحبلى بقراءات جديدة وأعداد جديدة من المجلات تنقلنا إلى عالم من المتعة والدهشة حتى الوقوف في ذلك البيت. وقد طرحت أعداد المجلات للمشتركين ورائحة الحبر الذي يملأ المكان وكأنه يصل إلى الحواس قبل القراءة وأنه يحرض عليها. ذلك البيت وصاحبه المتبتل يزيد من طقس هذه الحالة. حين أخرج من تلك الرائحة محملاً بالدهشة وانتظار لذة القراءة المقبلة أشعر برحابة الأرض، وأشعر بالرغبة في تأخير هذه اللحظة لكي لا أفقدها في انتظار أسبوع مقبل يثمر جديداً ومختلفاً. الحداثة والفشل هناك من يرى أن الأدب القصصي العربي لم يستكمل نضجه حين واجهته صدمة الحداثة... ما رأيك؟ - الحداثة كمصطلح أخذ طريقاً مغايراً في ذهن القارئ حيث التصق بتفسيرات دينية وسياسية أبعدته عن المعنى الأدبي الصرف والذي أصفه بالتجديد في العمل الفني وخلق أجواء جديدة، القصة كما أفهمها وأحاول أن أكتبها هي مزيج من فنون جديدة تمنحك عطاء استخدامها كالمسرح والسينما والفنون التشكيلية لم تعد القصة تلك القصة، فقط هي الحدوتة، وأشياء أخرى يجب علينا خوضها من دون خوف أو وَجَل. وهب أن هذا النمط - بشكل أو بآخر - حالفه الفشل إذاً، فلنا من ذلك حسنة التجربة، ليس هناك صدمة، والدليل هذا العطاء الذي نراه يومياً من مجاميع قصص وروايات تأخذ أشكالاً متعددة في الصياغة والموضوع ليس هناك صدمة حداثية لأن التجديد هي فكرة أو عمل خلاق يلد من رحم السائد الذي يصل إلى درجة لا يقوى على إطلاق الجديد والمدهش والفن الحقيقي والصادق، هو الذي يشعرك ويمنحك الدهشة، سواء في الشعر بأنواعه شعبياً كان أم فصيحاً في الأغنية في القصيدة في الرواية في القصة. إذا لم تصل إلى المرحلة التي تقول فيها بعد قراءة أو مشاهدة أي عمل فني وثقافي:"الله"فهو عمل لا يحمل الجدة شيئاً، بل هو عمل مكرر. قال لي صديق حدثته عن مجموعة من الأدباء المبدعين: أنهم لا يتكررون. قلتُ: هذا الشيء الطبيعي لأنك إذا كررت ما أنتجه الآخرون فلست إلا نسخه رديئة، إنما الشيء الايجابي أن تكون مختلفاً لك إيقاعك ولك جنونك الخاص بك ولك إضافتك لعالم الفن والثقافة ما زال الكثيرون يرون أن غالبية ما يطرح من نتاج أدبي وفني أقل بكثير من طموحات المرحلة التي نعيشها؟ - بطبيعة الحال نحن نتحدث عن الوطن العربي بوجه العموم ونحن نمثل النسبة الأقل، إذ إن الأدب والفكر والثقافة لا تنمو إلا في وقت الاستقرار ربما تفرز الفوضى والحروب والضغوط الاقتصادية أدباً أو فعلاً ثقافياً، ولكنه لا يمثل اللحظة. وربما ينبغي للكاتب أن يستعيد تلك الظروف لينتج أدباً أو ثقافة في ظل الاستقرار، نحن بكل المقاييس لا ننتج أدباً وفناً حيث تكمن الظروف التي تحمل أصابع الاتهام لكل منجز أدبي أو فني تارة بالتحريم وتارة بتجاوز الخطوط الحمراء هذه يمكن لأي موظف بسيط في البلدية أو الإعلام أو الداخلية أو المطافئ أن يخترعها ثم بقدرة قادر تصبح من المسلّمات مع أنها فكرة ناتجة من زهق موظف أو مسؤول. في ظل ذلك كله الكاتب أو المثقف أو الفنان الحقيقي يصاب بالذهول والإحباط. المرحلة التي يعيشها لا بد من أن تفرز حتى ولو على المدى البعيد مجموعات من الكُتّاب والفنانين الذين يستطيعون أن يعبروا عن هذه المرحلة من جانب إنساني لكن الشرط لحصول ذلك هي حرية الكاتب المسؤولة والواعية في الوقت نفسه. الهزائم والخيبات تاريخياً.. مررنا بمنعطفات من الهزائم والخيبات... كيف أثرت هذه المرحلة في الإبداع والأدب بشكل عام؟ - مررنا ونمر الآن بمنعطفات من الهزائم والخيبات لأننا أصبحنا - ولله الحمد والشكر - نتقن الكذب بمنتهى الصدق كما كتبت سابقاً أصبح الصادق مدعاة للهزؤ والسخرية وأقل ما يقال عليه في هذا الوطن العربي: يا طِيْب هذا الإنسان. ليس مدحاً بل شفقة. لننظر أمثالنا الشعبية التي تقرر عنا كل شيء: خلك ذيب، إذا لم تكن ذئباً أكلت الذئاب، يا رجال سبع نفسك ، ما يمدح بخيل، ادهن السير يسير سأسرد لك مئات الأمثال التي ظننت أنها ستكون مرجعاً داخل كتاب للدراسة أو المقارنة، لكنها مع الأسف أصبحت ديدناً يومياً في تعاملنا وأخلاقياتنا ومقياساً اجتماعياً ينزوي تبعاً لذلك الحقيقي والصادق أو يبوح بها في غرفة يجتمع فيها وآخر وعلى حذر من ذلك الآخر. من يتابع صحفنا اليومية على امتداد الوطن العربي ويرصد ذلك يجد العجب العجاب من التناقض المذهل، ومع ذلك يظل الكاتب ورئيس التحرير والوزير المسؤول مئات السنين وهو يكتب الكذب نفسه ويقول النفاق نفسه، ونحن لو صدقنا مع أنفسنا لمرة واحدة لتغير التاريخ يا سيدتي في القران العظيم: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم هناك في داخل الإنسان الصدق والنقاء والكذب والرياء فلماذا نختار الأدنى! القصة القصيرة، بعمرها القصير ما زالت في عنق الزجاجة... ما معاناتها؟ - المعاناة الحقيقية للقصة القصيرة في بلادنا هو تأخر مواكبة ومتابعة النقد الحقيقي والجاد والعلمي لنمو هذا الفن كان انصباب كل الدراسات على الشعر الفصيح وهو حق مشروع هذا الفن الذي أوجد نقاده بعكس القصة القصيرة التي كانت في آخر الهموم لدى الناقد والذي إذا كتب فإنه ربما يعطي وجهة نظر في أمسية قصصية هو ناقدها الأوحد. قليل جداً من تناول إحدى القصص بالبحث والتنقيب عن المزايا أو المثالب لهذه القصة أو تلك، وأظن أن هناك الكثير من التجارب لكتاب قصة قصيرة وهم كثر ولا أود أن أسرد أسماءهم لأن لدينا حساسية مفرطة تجاه هذه الأسماء وتجاربها المختلفة تمثل أرضاً خصبة لدى الناقد الذي لديه هذا الحس النقدي للقصة ثم جاء زمن الشعر التلفزيوني المبهر الذي أعادنا لمجد قبيلة والتمحور على ذات تلجأ إلى نفسها هرباً من الآخر وبديلاً عن الاندماج والتوحد جاء زمن الشعر التلفزيوني والذي يمثل فقاعة إلا في ما ندر والقصة القصيرة تقرأ ويتفاعل معها القارئ بحميمية صادقة من دون هذا التأثير البصري وطغيان الخطابية والمباشرة. ولذلك فقط فشلت في نظري الأمسيات القصصية وقد كنت أقترح أن تكون على هيئة ملتقى خاص بالمهتمين بهذا الفن أو لمن يتذوق قراءة القصة ليكون الحضور الأثر في النقاش والحوار ومعرفة كنه هذا الفن. من المحلية للعالمية، كيف يصل القاص السعودي لهذه المرحلة؟ وماذا يحتاج؟ - الترجمة التي تقوم على أساس فني هي المرحلة الأولى للانطلاق للعالم، الترجمة فن قائم بذاته، لا بد للمترجم أن يحمل في ذهنه استيعاب لحظة الكتابة ومعناها لا أن يترجم الكلمات والحروف على أنها شكل كتابي بل متى ما وصل إلى ترجمتها إلى فعل إنساني وبالروح التي كتب بها الشاعر أو القاص لتصل بهذه الجذوة والعذوبة الخاصة بالنص إلى فضاء آخر، اعتقد أن الترجمة الأمينة فنياً قادرة على إيصال الأدب بفروعه كافة وهو الذي فتح لنا المشاهد على الآداب العالمية وأصبحنا نتذوقها بل ربما تؤثر فينا كتابة أو محاولة للتماهي معها. أجواءنا الثقافية ملبدة نفتقد الأجواء الثقافية في بلادنا، ولا نحتفي بالثقافة كما يجب، أين الخلل؟ - حتى هذه اللحظة يخيل للكثيرين ممن يعملون في الحقل الثقافي أو الهم الثقافي انها عبارة عن وظائف ومسابقات ورواتب وعلاوات وانتدابات، من ذلك الزمن البعيد ونحن نطارد هذه الثقافة ولا نعلم أين نضعها أو كيف نصنفها، فمرة في وزارة التربية والتعليم ومرة رعاية الشباب ومرة في وزارة الإعلام ومراراً في الحرس الوطني. وها نحن أضفنا الثقافة للإعلام، لكي تكون مبرراً للم الشتات الثقافي بمسمى واحد، لكن المعضلة الكبرى أن ذهنية الموظف هي الطاغية بل وتصل بفعل مرور الزمن إلى سلب المثقف ذلك الحس ورد الفعل الثقافي الطبيعي لتصبح المسألة وظيفة، ولك أن تطرحي هذا السؤال على المثقف والناقد الدكتور عبدالعزيز السبيل وغيره كثر... الثقافة سجينة للوظيفة لا بد من إطلاقها وهي لا تحتاج إلا إلى ناشر للشاعر والقاص وقاعة للفنون التشكيلية ومسرح وشاشة وأعتقد أن الجامعة هي قادرة على ذلك من دون كم الموظفين الذين هم ابعد الناس عن فهم ماهية الثقافة. لماذا دبي وأبوظبي والبحرين سرقت منا الحضور والتميز في المشهد الثقافي؟ - أعتقد أن الفكرة بكل بساطة قائمة على عدم الحساسية المفرطة تجاه النص أو الكاتب والتي عانينا منها طويلاً ونعاني منها، ولنا في ذلك تجارب كثيرة في الأندية الأدبية وغيرها من المهرجانات الثقافية، ويطلب منك ترشيح مجموعة من المثقفين من الداخل أو الخارج وترسل من رأيت فيهم المقدرة والحضور والفن الحقيقي. فإذا بالمفاجأة الكارثية لتجد أمامك تصنيفاً لكل واحد ومن هو هل هو أحمر أو أخضر... الخ، وذلك ليبدو المشهد باهتاً وهو ما استثمر في دبي وأبوظبي، لأن الأسئلة التي نطرحها قبل، وبعد، وأثناء ليست في ذهنيتهم، هم أمام نص أو مشهد يتحمل مسؤوليته الفنان والمثقف من دون تهمة مسبقة أو تصنيف جاهز. متى تتوقع أن يزورنا أديب عالمي؟ - لو الأمر بيدي لما منعت أي مثقف من زيارة بلدي الذي أحبه بكل سلبياته وإيجابياته، نحن جزء من هذا العالم نؤثر ونتأثر وهذه الخصوصية التي أصبحت بشكل أو بآخر مثل الجرح الذي لا نرغب في أن يندمل ونستمتع دائماً كمهرب إلى هذه الخصوصية، لعدم قدرتنا على مواجهة الحقائق التاريخية التي تفرضها إيقاعات هذه الحياة المتسارعة سياسة واقتصاداً وتؤثر بشكل مباشر في الثقافة والمعرفة باعتبارها ثقافة شرسة تؤثر في المعطى الثقافي، سواء أردنا ذلك أم لم نرغبه. أما زيارة الأديب العالمي فقد زارنا كماً هائلاً منهم، ودخلوا إلى كل بيوتنا وعرفناهم، دخلوا من دون فيزا، أحضرناهم معنا في كل رحلة، وصلوا كفكر وذهنية داخل دفتي الكتاب، والآن في هذا العالم من التقنية المتطورة ما سيصلك في ثوان الى عالم رحب وملئ بكل شيء من دون استئذان من أحد والأيام المقبلة حبلى بالجديد والتجاوز. لماذا لا يوجد لدينا حتى الآن اتحاد للأدباء والكتاب؟ - لدينا ولله الحمد اتحاد وهلال ونصر وأهلي والوطني والحزم ونجران والوحدة وعكاظ وبدرجات متعددة ممتازة وأولى وثانية ولا يتردد التلفزيون والإذاعة بنقل كل فعالياتهم مباشرة. الرقيب والإبداع من المفارقات أن يكون الرقيب مبدعاً والمبدع رقيباً، ما هي الحالات التقديرية التي رأيتها من خلال لعبك لهذين الدورين؟ - هي مفارقة عجيبة وغريبة ومرحلة إنسانية مررت بها لفترة ليست بالطويلة في عمر الزمن، وسأحدثك عن تجربتي والتي طمعت من خلالها أن أقوم ولو بدور يسير في هذا الجهاز الرقابي العنيد، لأن المثقف أو لنَقُلْ الموظف الذي يعي دور الثقافة والفن في تغيير المجتمع وتطوره سيفهم هذا النص من دون تفسيرات جاهزة أو مسبقة وعلى هذا المنوال قبل هذا العمل. على رغم أن كثيراً من المثقفين أشاروا بإصبع الاتهام إلي وهززت رأسي أحاول أن أكون بشكل أو بآخر قادراً على التأثير على هذا المنحى لأن المسؤول الذي سيتخذ القرار يرغب أن يصل إليه تفصيل، وشرح يعينه على اتخاذ القرار فإذا كان هذا التفسير أو الشرح يصدر عن مثقف لا عن موظف سيسير ذلك إلى مرفأ الأمان من دون إلغاء الآخر أو كيل التهم أو الاطلاع على النيات التي في القلوب، ولم تكن التجربة بالسهلة، لأن الاتهام جاهز لك بميلك الطبيعي للمثقفين والفنانين. ولو أن الرقابة كانت خالصة بموظفيها وبتطورها الذي فرضه الزمن وتغيرات التقنية لمرت مرحلة متطورة، ولكن جهات كثيرة تتدخل لتعطل فكرة الرقابة الواعية، التي لا يمكن أن تسيء للوطن والمواطن الرقيب المثقف يقرأ النص بمعرفته اليقينية للفن والإبداع حتى لو تجاوز المألوف، وكم عانيت من ذلك، للتقريب بين أنفة المبدع والحال الوظيفية التي تحكمها الأنظمة الضاربة في القدم والتي يصطدم بها كل شخص يرغب في التغيير للأفضل، وكأن هذه الأنظمة خصوصاً مقدسة وهي بالفعل غير ذلك حتماً. هل الرقيب يفقدنا المثقف؟ ومن يصمد في النهاية؟ - الرقيب حال طارئة، الرقيب موظف له عمر زمني، أما المثقف فهو حال ممتدة وعمره الزمني هذا الوعي وهذا الإنتاج، الذي يظل ينبض مع دقات قلبه، والذي يصمد في النهاية هو المثقف. ربما يشعر بالكسل بضعف اللياقة التي أنهكتها على مدى زمن طويل التعاميم والتوجيهات والأنظمة، التي تحلم بتعديلها وبتغييرها، ومع ذلك يقف أمامك من يصرخ في وجهك يا أخي النظام هو النظام وعندها تقول سلاماً مربعاً للنظام. هل منعت لك يوماً ما قصة أو مقالة في مشوارك؟ - بالنسبة للقصص ولله الحمد فلم يمنع منها أي شيء حتى هذه اللحظة، أما بالنسبة إلى المقالات فأذكر أن أحد الأصدقاء من رؤساء التحرير - وقد كتبت في أكثر من مطبوعة - أعاد إلي مقالة كتبتها بدعوى أنها تحمل الكثير من الجرأة والتجاوز على ما هو مألوف وكنت حينها مجبراً أن أكتب مقالة أخرى. وأذكر أنني كتبت مقالة في معناها أكثر جرأة من سابقتها وكانت بعنوان:"أيها الأطفال لا تتعلموا الكتابة"، ومع ذلك أجيزت، لأن الرقابة في كثير من الأحيان مزاجية لا أقل ولا أكثر، حتى أن بعض مسؤولي التحرير يمنع عنك تسجيل موقف في ذكر تلك المرحلة التي تم فيها هدم مدرسة اليمامة الثانوية في المربع، ولم يتبق منها سوى اللوحة على ذلك الباب، الذي دخل وخرج منه المئات. وكتبت حينها رسالة جميلة باسم سلمان بن عبد العزيز وهو نص جميل يمثل لحظة تاريخية، لكن المسؤول قال لي: ربما يغضب الأمير فقد صدرت الأوامر، هذا المسؤول لم يدرك أن الأمير سلمان لو قرأها في تلك اللحظة لأدرك المغزى، الذي لم يصل إليه مسؤول التحرير والذي يخشى عواقب اخترعها لحجب تلك المقالة. كتبنا من الخارج كُتب مبدعينا نضطر لشرائها من الخارج... حتى متى؟ - أعتقد أن بعض المسؤولين لديهم نظرة ثاقبة وبعيدة المدى، فلو كانت كل الكتب موجودة ومتوافرة في كل مكتبة فستضطر الناس إلى البقاء، لكنها رغبتهم في توسيع آفاق الناس وتأكيداً على أن في السفر سبع أو ثماني فوائد منها أن نشتري كتب مبدعينا من القاهرة ودمشق والبحرين ودبي، ومثل ما قال المثل الشعبي"حج وبيع مسابح"، إلا إذا كان المواطن لا يحب السفر فهذا موضوع آخر. تجربتك في العمل بالوزارة، هل هي قصة قصيرة أم رواية لم تكتمل؟ - تجربتي في العمل - ولله الحمد"غصة قصيرة"، وأحمد الله أنها لم تصل إلى رواية. ما الذي لم يسعفك الوقت لتحقيقه في عملك الوظيفي؟ - الكثير.. الكثير، لأن ذلك يتطلب زمناً طويلاً حتى تتسلم مركزاً مثل إدارة المطبوعات، والعمل الحكومي مع الأسف الشديد لا يخلو من فكرة أن هذا الكرسي الوظيفي عبارة عن منطقة نفوذ لا بد من استغلالها للمحافظة عليها بشتى الصور والطرق. لم ينظر لهذا الكرسي الوظيفي على أنه تقدم وتطوير الخدمة للمواطن. في العمل الوظيفي هناك من يستمتع - بشكل مرض - بتنفيذ النظام على رغم أن النظام هو نص يمكن للشارع أن يعيد النظر فيه، وأن يطوره تبعاً لمعطيات هذا الزمن الذي لا يعترف إلا بالسرعة والجديد والمبهر. نوعية الموظفين سواء كانوا في أعلى الهرم الوظيفي في أي وزارة أو أدنى مركز هم الذين يوقفون التقدم، والمسألة لدى الموظف ألا تشغل بالك، فكر فقط في الراتب والانتداب، وإذا استطعت أن تستفيد مادياً ومعنوياً فلا ضير. والوقت الذي لم يسعفني هو الوقت الذي لم يفرض شروطه علي، رغم أصحاب فكرة الوظيفة ومقعدها واستلام الراتب. الزمن هو الذي يغير الأشياء ويدفع بها للأمام. أي معاركك خرجت منها خاسراً؟ - المعارك لفظة لا تعجبني لأن الحياة أجمل من أن تكون معارك بين الأطراف، والحياة لها جدواها متى ما عشناها للمحبة والبناء في كل زواياها. ربما أن المشروع الذي في ذهني وخصوصاً في داخل العمل لم يكتب له التوفيق، لكن لن تكون خسارة طالما لدينا الزمن والقدرة على الكتابة والتنويه والمشاركة! تعليمنا مختطف هل نظام التعليم لدينا يسهم في صنع المبدع؟ - أعتقد أنه وفي فترة زمنية على الأقل عشتها في الابتدائية والمتوسطة في أبها والرياض، كانت كتابة الصحف المدرسية تشجع من المدرس والمشاركة في المسرح المدرسي والإذاعة المدرسية والفنون التشكيلية، لكن بعد أن تم اختطاف التعليم لفترة زمنية طويلة، لا أظن أنه يسهم في صنع المبدع إلا إذا تم إطلاق التعليم المختطف وعاد إلى الصورة الحقيقية لخلق الطالب الإنسان المبدع. نحن في زمن الرواية، ألا تفكر في اقتحام هذا المجال؟ - لدي مشروع روائي أشبه بسير سلحفاة موغلة في العمر طاعنة في البطء، الرواية عمل ممتد وله شروطه الخاصة، والرواية إذا لم تكن إضافة إلى هذا المشهد وجديدة بتفاصيلها أو بأبطالها فستكون إضافة ناقصة، الفكرة الروائية لديّ مكتملة، آمل أن ترى النور قريباً. دور النشر في الخارج تتهافت على نشر ما يمكن أن نسميه بالرواية الفضائحية عن المجتمع السعودي المجهول بالنسبة للغير، ما رأيك في هذا التوجه؟ وهل يخدم ذلك الأدب المحلي؟ - المسألة هي مسألة تجارية وإعلانية بالنسبة للناشر، أما الرواية الفضائحية عن المجتمع السعودي المجهول للغير، فأنا لا أرغب في قراءتها ولا في هدفها ولا في التبرير الذي يبرره السياسي ويدفع إلى تبني فكرة كشف المسكوت عنه. الأدب والإبداع لدي عالم له شروطه وله قيمه، حتى لو خاض في الممنوعات وهي كثيرة، لكن شريطة أن يكون أدباً راقياً وليس تقريراً، أو محضراً، أو شهادة تفضح كل شيء. الرواية النسائية المحلية انتشرت أخيراً، هل هذا هو عصر المرأة الأديبة؟ - المرأة تشارك منذ زمن بعيد في كل شيء، وتم اختطافها مثلما تم اختطاف التعليم وليس مدهشاً لي أو غريباً أن تكتب رواية، أو قصة أو ترسم أو... أو... الخ دنيا الإبداع الحقيقي والصادق هاهي تعود، لأن هناك من يقف إلى جانبها ويدرك مدى قدرتها على المشاركة الكاملة في الحياة كمؤثرة، وليست فقط متأثرة ومستكينة. الحلال والحرام والثقافة الحلال والحرام، هل منعا الثقافة والمثقفين عندنا من الانطلاق؟ - الحلال والحرام كفكرة لم تمنع انطلاقة الثقافة والمثقفين، ولكنها متى أخذت كفكرة ضاغطة فهي قادرة على تأخير هذه الانطلاقة، خصوصاً أننا مجتمع متدين ولذلك حساسية خاصة متى انطلقت هذه التهمة وهي ليست حقيقة، ويتطلب الأمر زمناً معرفياً لإقناع الناس أن ما تم ليس حراماً. وهذا ما أسهم فيه التيار الصحوي وما زال بهذا المفهوم نفسه وعرقل بذلك مشاريع ثقافية. بل انه وصل في مرحلة سابقة إلى التهديد وهذا يمثل رعباً لا يمكن أن تنشأ فيه فكرة أو تعبير انساني صادق. المرأة، أين مكامن تأثيرها في حياة محمد علوان؟ - هي كل شيء في هذه الحياة. لماذا تتكرر الأسماء التي تمثلنا في الفعاليات الثقافية؟ - الفعاليات الثقافية والمشاركة فيها أصبحت فعلاً وظيفياً بحتاً وهناك قوائم لمجموعة من الكتاب والمثقفين أصحاب العلاقات وغير مزعجين لسعادة الموظف وربما أن هناك جهات أخرى تتحكم في الأسماء، ولذلك فالمسؤول يتجنب الصداع ويعود للقائمة المسالمة والجاهزة. بعد دمج الثقافة بالإعلام، بين المكاسب والخسائر، لمن الغلبة؟ - بالصراحة.. الغلبة للإعلام. الأسابيع الثقافية بين الدول، كيف تقرأ أيامها؟ - هي فكرة رائعة إذا أخذت بعدها الكامل والإنساني، أما أن نأخذ جزءاً ونترك فعاليات لا يمكن أن تتناسب وخصوصيتنا، فهي رؤية ناقصة ومن دونها أفضل. ما مشروعك المقبل؟ - أخطط لأصبح مطرباً أو لاعب كرة قدم. لو عرضت عليك هذه المناصب ماذا ستقدم؟ رئيس جمعية الثقافة والفنون - مدير مركز الملك فهد الثقافي - رئيس ناد أدبي - مشرف على معرض الكتاب. - هذه مجموعة وظائف تحمل بريق الثقافة والفن، ولكنها لا تستطيع أن تكون بمساحة الثقافة والفن وشروط الوظيفة خانقة.