عشنا لحظات فرحة عارمة بعد إعلان السعودية كمستضيف لبطولة كأس العالم 2034م وهو الحدث الأبرز في الرياضة السعودية، وأثبتت الرياضة عمومًا، وكرة القدم على وجه الخصوص على مر التاريخ، أنها أداة قوية لتوحيد الشعوب وكسر الحواجز التي تفرضها الخلافات السياسية والثقافية. وتُعد بطولة كأس العالم، باعتبارها الحدث الرياضي الأبرز عالميًا، نموذجًا حيًا لما يمكن أن تحققه الرياضة من تقارب بين الدول وإذابة للصراعات، فهي ليست مجرد منافسة رياضية تجمع المنتخبات، بل منصة تُظهر فيها الإنسانية أجمل معانيها، بعيدًا عن الاختلافات والخلافات. وتتميز بطولة كأس العالم بأنها تجذب انتباه مليارات المشاهدين من مختلف أنحاء العالم، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية والسياسية، الملاعب تتحول إلى مسارح عالمية يتفاعل فيها الجميع بروح رياضية، فيما تتراجع على الهامش القضايا التي تفرقهم. تجمع هذه البطولة بين دول قد تكون في حالة توتر سياسي، لكنها على أرضية الملعب تصبح متساوية، حيث يكون التركيز على اللعبة وليس على الاختلافات. من الأمثلة التاريخية على دور كرة القدم في إذابة الصراعات، ما حدث خلال كأس العالم حيث تجلت تلك الروح في أكثر من نزال ووصفت بأنها مباراة "السلام". تلك المواجهات فرصة لتخفيف التوتر بين البلدان المختلفة لتذيب كل التوترات، لتبقى رسالة أمل بأن الرياضة يمكن أن تبني جسورًا حتى في أصعب الأوقات. وتعمل بطولة كأس العالم أيضًا كمنصة للتقارب الثقافي، حيث تتيح للدول عرض تراثها وتقاليدها للعالم. بالنسبة للدولة المستضيفة، تُعد البطولة فرصة ذهبية لاستضافة مختلف الثقافات على أرضها، مما يعزز الفهم والتسامح بين الشعوب. ومن خلال الإعلام والتفاعل الاجتماعي، يمكن للناس من جميع أنحاء العالم التعرف على الثقافات الأخرى بعيدًا عن القوالب النمطية أو التحامل. وكأس العالم يوفر ما يمكن تسميته ب"الدبلوماسية الرياضية غير الرسمية"، حيث تتاح فرصة للقادة السياسيين للتفاعل بعيدًا عن أجواء الاجتماعات الرسمية. الملاعب والمباريات تصبح فضاءات للتواصل غير الرسمي، ما يمكن أن يسهم في فتح قنوات للحوار. على سبيل المثال، استخدمت كوريا الجنوبية واليابان استضافتهما المشتركة لكأس العالم 2002 كفرصة لتعزيز التعاون والتفاهم بينهما، على الرغم من التاريخ المعقد للعلاقات بين البلدين. ومن خلال الروح الرياضية التي تميز كأس العالم، تتاح الفرصة للشعوب للتواصل بعيدًا عن التأثيرات السياسية السلبية. فالجماهير التي تلتقي في المدرجات، أو حتى تتواصل عبر وسائل الإعلام، تجد نفسها متحدة بشغفها بكرة القدم، ما يقلل من الشعور بالعداء أو العزلة، هذه الروح المشتركة لا تتوقف عند نهاية البطولة، بل تمتد آثارها لتبني جسورًا من الثقة والتعاون في المستقبل. وفي عالم مليء بالاختلافات اللغوية والثقافية، تُعد كرة القدم لغة عالمية يمكن للجميع فهمها. يتيح كأس العالم فرصة للدول للتواصل بهذه اللغة، ما يجعل الشعوب ترى القواسم المشتركة بينها بدلًا من التركيز على الاختلافات، في كثير من الأحيان، يمكن لمباراة كرة قدم أن تحقق ما تعجز عنه المؤتمرات السياسية أو الخطابات الدبلوماسية. يبقى كأس العالم أكثر من مجرد بطولة رياضية؛ فهو رسالة سلام عالمي، تجمع الشعوب على قاعدة مشتركة من الإنسانية والروح الرياضية. في وقت يزداد فيه التوتر بين الدول، تقدم البطولة فرصة لتخفيف حدة الصراعات السياسية، وخلق مساحات جديدة للحوار والتفاهم. بهذا المعنى، لا يقتصر تأثير كأس العالم على ال 90 دقيقة التي تقام فيها المباريات، بل يمتد ليخلق إرثًا من الأمل بأن العالم، مهما اختلفت قضاياه، يمكن أن يجد أرضية مشتركة من الوحدة والتعاون، إنها فرصة لاستثمار الرياضة كوسيلة لإعادة تعريف العلاقات بين الشعوب وبناء مستقبل أكثر تفاهمًا وسلامًا.