في زمن الانفتاح على الآخر عبر وسائل متعددة منها السفر والسياحة ووسائل التواصل الاجتماعي عبر قنوات مختلفة وفضاء إلكتروني مجنون لم تعد تنظم محتواه إشارات مرور حمراء أو رادع ديني أو سلطة أسرية أو عادات وتقاليد، أو ثقافة العيب؛ بل يتدفق في أوردته كل غريب وعجيب ويتسرب محتواه بسرعة دون رقابة، فقد أصبح هذا السيل من المواد البصرية والسمعيّة يتدفق بسرعة أسرع من سرعة الضوء، وأصبح القلق على الهوية الثقافية وسط هذا التغريب وهذا الزحام كبيراً جداً. غرّد محمد الرطيان «في عالم التفاهة: الهرولة تظن أنها ترقص... والصراخ يظن أنه يُغني! كيف تحظى التفاهة بكل هؤلاء الأتباع والمريدين؟!». قد يكون هذا وصف لواقع مواقع التواصل الاجتماعي؛ فكيف يا ترى يستطيع الإعلام أن يكون له التأثير الثقافي والفكري؟! كيف نحقق مفهوم التربية الإعلامية؟ وكيف نرسم خارطة لرسالة إعلامية هادفة تحقق التوازن مستغلة التطور التكنولوجي لصالح إعلام مؤثر يواكب إيقاع العصر ويغري الشباب بمحتواه؟! الصحافة في المملكة قامت على صحافة الأفراد من أصحاب الفكر والثقافة وأسهمت إسهاماً جليلاً في دفع الحركة الثقافية في المملكة إلى الأمام لذلك ارتكزت رؤية المملكة 2030 على الثقافة كحجر أساس اشتغلت عليها بشكل عميق، وكقوى ناعمة أحيانا أخرى في إيصال رسالتها للآخر وفي رسم ملامح عميقة لبلد عظيم قامت على أرضه حضارات بقيت آثارها تذكر بها، وظلّ الحجر والجبل عليها شهود عيان. الحفاظ على الهوية الثقافية السعودية فيما يتناسب مع مفهوم الحداثة والعصرية هو ركيزة مهمة اتكأت عليها وزارة الثقافة وهيئات متعددة عملت معاً لإبراز العمق الثقافي التراثي في المملكة، ووعت لضرورة الانفتاح على ثقافة الشعوب الأخرى، فالثقافة كالماء والهواء لا يمكن فصلها أو حجرها، ولا تحتاج إلى تأشيرة سفر بل إلى إعلام يكون بمثابة نافذة لها يمكنها من خلاله أن تستعيد دورها في هذا الزمن الذي تحولت فيه الكتب إلى عناوين سريعة باردة بلا طعم ولا لون ولا رائحة. حرصت وزارة الثقافة على الاحتفاء بكل ما هو مرتبط بالإرث الثقافي في المملكة العربية السعودية، فأطلقت على العام الماضي عام القهوة السعودية لأنها رمز لتاريخ حافل بالعادات والتقاليد، وقيم الكرم والضيافة، والحضور الإنساني والجمالي والفني في الأغاني والقصائد واللوحات. ثم عام الإبل، لما يمثله هذا الكائن من قيمة ثقافية في حياة الإنسان السعودي، ودوره الاقتصادي عبر التاريخ ورموز تراثية أخرى؛ ولأجل أن تكون علاقة الإنسان السعودي بتاريخه وموروثه وماضيه قوية يتطلب الأمر أن يكون هناك إعلام هادف هو القناة التي تصل المجتمع بكل ما ذكرنا، والمرآة التي تعكس أصالة هذه الأرض الطيبة وثراء ثقافتها وتقدمها للآخر الذي يتوق سبر أغوار مملكتنا بعد ماراثون كبير خاضته لتحقيق الرؤية بكل المجالات وعلى كل الأصعدة في وقت قياسي. لذا فالإعلام الثقافي يتطلب كفاءات وخبرات وعمق مضاف إلى أفكار الشباب وتقنيتهم، فصناعة المشهد الإعلامي بروح شبابية يجب أن يعتمد على محتوى وتاريخ يحفظه أصحاب الخبرة كعون لشريحة تشكل أكثر من سبعين بالمئة من مكون هذا الوطن. أفكار كثيرة واقتراحات كتبها وتحدث عنها مختصون في الشأن الإعلامي هي خارطة طريق لمشهد إعلامي يمثل المملكة العربية السعودية بثقلها وحضورها وثرائها الثقافي والخصوصية الفريدة لها.