في عصر اقتصاد المعرفة والثورة التكنولوجية والعولمة التي بدأت تلغى الهوية كان لنا موعد مع العالم لإبراز هويتنا وجهودنا العلمية والثقافية وتعميقها من أجل المشاركة في عملية البناء الاجتماعي وإعادة الاعتبار للهوية السعودية بكل ديناميكيتها، فبعض ملاحم الواقع وفوضاها توازي في بنائها (اوديسة هوميروس) من زاوية فلسفية، ففي هذا العالم الذي يسلب الإنسان من نفسه فتتخطفه قوى ومفاهيم ومعتقدات خارجية، كان لنا توكيدات مشبعة وحراك علمي ثقافي لا يمكن التغاضي عنه، واعتزاز ووضوح لهويتنا السعودية، بمعنى الهوية التي تشمل اللغة والعادات والتقاليد والثقافة بصفة عامة والتي يكتسبها الإنسان من المحيط الذي يعيش فيه وبالتالي فإن الانتماء والهوية شيء مكتسب من العيش في مكان ما وفي زمن ما، والمتخصصون في العلوم الإنسانية وفي الأنثروبولوجيا وعلم النفس على وجه الخصوص، يعرفون أن الثقافة والتراث والهوية هي ظواهر إنسانية متداخلة ومتلازمة بحيث لا يمكن الفصل بينها إلا تحليليا وبغرض الدراسة والتنظير. وقد عبّر عنه الفيلسوف الفرنسي "بول ريكور" بالقول": إن أهواء الهوية متجذّرة فينا بعمق، وليس هناك أي شعب يعاني منها أكثر من شعب آخر". فالهوية هي رمز الانتماء ولها مفاهيم مختلفة، ويعرفها " Rummens، J": "بأنها خاصية مميزة يمتلكها فرد، أو يشترك في امتلاكها جميع أفراد مجموعة مّا أو شريحة اجتماعية مّا". وهي محصلة لمسيرة الفرد المعرفية والوجدانية والسلوكية. وعبر تفاعله الاجتماعي المستمر. وهناك عوامل اجتماعية لها أثر كبير في تشكيل هوية الفرد، فنحن نختلف في أفكارنا وانتماءاتنا المذهبية ولكننا نتحدث لغة واحدة، ولدينا تاريخ مشترك، وثقافة مشتركة، نحمل نفس الهموم والتحديات والتطلعات، ولكي لا نصاب بتفكك وضياع للهوية ما لذي يجب علينا أن نقدمه؟ وكيف نحافظ على تميزنا وتفردنا اجتماعيا، وثقافياً؟ وكيف نزيد من الوعي بالهوية وتعميقها؟ الإجابة على هذه السؤال كانت من خلال كل تلك المشاريع والبناء الداخلي والخارجي الذي قامت به مملكتنا الحبيبة، والتي عكست صورتنا الثقافية ولغتنا، وعقيدتنا، وحضارتنا، وتاريخها، وأيضاً ساهمت في بناءِ جسورٍ من التّواصل بين كافة الأفراد سواءً داخل المجتمع أو مع المجتمعات المختلفة عنا اختلافاً جزئيّاً معتمداً على اختلاف اللغة، أو الثّقافة، أو الفكر، أو اختلافاً كلياً في كافّة المجالات دون استثناء. وهي مثل خارطة أو معادلة داخلية تتحكم بكيفية إدراك الإنسان لكل ما في الكون وكيفية التصرف نحو ما يدرك. لذلك كان تحدي الهوية يتطلب استراتيجيات لتنشئة المجتمع وتطويره وتعزيز الحياة الثقافية والمسؤولية المجتمعية، والحفاظ على التراث، والاهتمام بالتعليم الذي يلعب دوراً مهماً في تشكيل هوية الفرد وبالتالي تعزيز الوعي بالهوية. بالتزامن مع تلبية متطلبات المواطنة من الاهتمام بالطفل وتمكين المرأة وتشجيعها على المشاركة في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية، والاهتمام بكل مبادرة وريادة أعمال ومشاركات تطوعية، هذا جعل مجتمعنا السعودي يتحول إلى مجتمع معرفي مواكباً التغيرات العالمية.