ديوان «صدى الأشواق» للشاعر القدير راشد بن جعيثن، صدر عام 1409ه، وقد تصدر صفحات الديوان مقدمة بقلم صاحب السمو الأمير محمد العبدالله الفيصل ومنها قوله: «هناك عشاق للكلمة يحيونها ويصنعون منها حياتهم، فنسمعهم يتحدثون وكأن الكلمات هي تجاربهم وكل حكمتهم، وهؤلاء ليسوا بشعراء حتى وإن انتظم معهم الكلام وليسوا بحكماء وإن خرجت عنهم الحكمة. وهناك عشاق للجمال يبحثون عنه في كل موضع، وفي كل زمان فإذا وجده لزموا محرابه وصمتوا مكتفين بما يدور بينهم وبين من أحبوا غارقين في صمت المشاهدة، قانعين بالحب الذي لا يعرف الكلمات». ومن صفحات الديوان دراسة عن قدرة الشاعر الفنية نقتطف منها هذه الكلمات: جاءت العاطفة مسيطرة على الشاعر والمقطوعة إحدى روائعه الشِّعرية، أما أخيلته فجاءت متأثرة بطبيعة بيئته، وبعض قصائد الديوان تفتقر إلى الأناقة في التعبير وهذا ما مثله مقطوعة «لساني يصدق»: شفتي جروحي تنزف الدم الأحمر سارعتي بشق الكفن من ردوني قبري تحفرينه لي بكف أغبر غنى لي بسود المواري لحوني ويقول مؤلف الديوان راشد بن جعيثن: «صدى الأشواق.. ما هو إلا أنغام شعبية تفوح برائحة البيئة العبقة، وبعبث الشباب لتكون مذكرات الطفولة البريئة لأنه تجربة عاطفية مجردة تنحني إجلالاً للقيم والعادات والتقاليد مكبلة بقيود المنطق وما يمليه واقع ظروفنا الاجتماعية، ولو أنه كتب من أجل الأغنية ليكون مسموعاً لا مقروءًا. أنغام تلهث في مساحة الركض الفني.. مقاطع تتعثر فيها الألسن لأن بنية بعض المفردات إقليمية صرفة وبالذات أبيات القصيدة السائرة بالأمثال الحيّة مثل: (يا مدعي صكوك) أو (لا تسبق الأحداث) أو (ما غيرك أحد كوى قلبي) إضافة إلى ما يعتريها من تحريف كتقديم أو تأخير أو حذف أو استبدال مفردة بأخرى.. هذه العوامل مجتمعة كانت هي الحافز القوي على تدوين بعض النتاج المغنّى. والمتأمل لقصائد هذا الديوان يدرك أن الشاعر لم يعن إلا بالشِّعر الوجداني العاطفي في سرد تجاربه الخاصة، وربما استوحى تجارب غيره العاطفية أو افتعل المعاناة وتخيلها، كما احتوى على العديد من قصائد المساجلات الجميلة التي توشحت بالجزالة والإبداع. ويُعد الشاعر راشد بن جعيثن، من أقدم مشرفي الصفحات الشعبية في الصحافة السعودية، صدر له العديد من المؤلفات والدواوين الشِّعرية، ومن أروع وأجمل أشعار هذا الديوان نختار هذه القصيدة التي تتحدث عن الحنين للمكان، والذكريات الجميلة، ومنها قوله: تنحّت بي الصدفة على ديرة الخلان وجيت المكان اللي جمعنا.. وفرقنا مكان لقيته ما تغير مثل ما كان مراتع صبانا فيه تشهد.. ومرفقنا وساقتني أقدامي على مسمر الجيران معاتم سمرهم يوم فيها توافقنا وجيت الحما اللي فيه نلعب مع الصبيان حماً فيه غرّبنا جميعٍ.. وشرقنا لهينا بحبٍ عف ما كان في الحسبان يخون الزمان اللي على الحب وفقنا وجيت الطريق اللي نجي صبح ومسيان أبي شوفة الحيش الذي له تسابقنا ولقيت النخل يا روح روحي غدا عيدان وبكيت بمكان فيه جدٍ يضايقنا غلاف الديوان