نحزن على أحلامنا المفقودة، وأحلامنا المتأخرة، وأحلامنا المبتورة، نتألم كثيرًا لأن شيئًا ما لم يكتمل، ولأننا أضعنا الوجهة، ولأن طريق الوصول كان شائكًا، نحصي خسائرنا ثم نبدأ في تعداد أسبابها فمنها ما كان بجهل، ومنها ما كان لعجز، ومنها ما كان لخيبة، يُقال إن الأحلام لا تنتهي بل تمتد بامتداد أعمارنا، ويُقال أيضًا كل الأحلام المتأخرة ستأتي حتمًا، بل إنها تأتي فاخرة جدًا، وبمنطق الجدات الدافئ (ما يبطي السيل إلا من كبره)، فالتأخير دلالة على بهاء الأشياء وقوتها، لا أعرف مدى صحة تلك المعايير المرتبطة بالأحلام، ولا أعرف هل هي مواساة لكل حالات الانتظار التعيسة، أم أنها حافز لمزيد من البذل والجهد والحلم، كل ما أعرفه هو أن محاولات النهوض بعد كل حلم مؤذية جدًا، وأن مساحة العمر تضيق ولا تمثل خطًا متوازيًا مع المزيد من الأحلام، وأعرف أيضًا أننا بؤساء جدًا بلا أحلام، كل تلك المشاعر المتناقضة نحو أحلامنا هي مشاعر مربكة،لا تتكئ على قاعدة ثابتة،فتارة تسقط في ثقوب الاستسلام، وتارةً أخرى تتعلق بخيوط الشمس،لأن أحلامنا هي أهدافنا في الحياة، هي أملاكنا، هي ما نشد إليها رحال القلب والروح والجسد، هي البقعة الآمنة التي نحتمل من خلالها سطوة الحياة، لذا يكون ذبولها مخيفًا ومعتمًا، ويكون دفاعنا عنها شرسًا وحادًا، لأن الإنسان بفطرته لا يقبل الهزيمة، ولا يحتمل فقدان أشيائه، بل ويصعب عليه البدء من جديد خاصةً لو أن سعيه كان محكمًا، لكن لو فكرنا قليلًا سنعرف أن أقدار الله لها مواقيتها، وأن ما سقط منَّا لم يكن لنا، وأن ما حُجب عنَّا لم يكن مناسبًا، وأن ما تأخر علينا سيأتي فعلًا في وقته، خيارات الله حتمًا هي الأفضل والأقوى والأنسب، أقدارنا مكتوبة، وأرزاقنا مقسمة، وليس بالضرورة أن نصل جميعنا في الوقت ذاته، وأن نحقق أحلامنا في العمر نفسه، وأن نحصل على كل ما نريده، فما نحصل عليه مبكرًا قد نفقده، وما نحارب لأجله قد يؤذينا، بل إن وصولنا لأهدافنا قد يكون ضارًا لنا لذا صرفه الله عنَّا، نحن نخطط ونسعى، ونكافح بناءً على رغباتنا واحتياجاتنا وأحلامنا لذا عندما لا نصل يغتالنا شعور الأسى، والفشل، وحتى جلد الذات، رغم أن كثيرًا من الأشياء كانت خارج نطاق قدراتنا وإمكانياتنا، نحن حاولنا ولم ننجح، ناضلنا ولم نصل، بذلنا الأسباب فيما نراه مناسبًا ولكن لم يتحقق، لذا ليس لنا سوى القبول والتسليم، والثقة بمواقيت الله، التفكير في المسببات وجلد الذات ليست سوى محاولات عبثية، وإجهاد نفسي وروحي وذهني، ولكن بمقدار قبولنا سيكون الأمر أقل حدة وأخف وجعًا، وأكثر سِلمًا.