المدير أو المسؤول يقع بين حدين، إذا لم ينتبه لهما أصبح مريضًا نفسيًا، وذلك لأن شأنه شأن الممثل في علم الأداء التمثيلي، ذلك أنه في عمله يتقمص شخصية المدير المسيطر المؤهل لأداء مهام يجب أن تنتهي بنجاح مع أفراد عمله.. لأنه كما ذكرنا يقع بين حدين إما التقمص أو الاندماج.. يقول أحد الباحثين في شخصية المدير إن "التعامل مع رئيس العمل صعب المراس يدخل ضمن إطار التحدي الذي يوضع فيه الشخص، فإما أن يثبت كفاءته أو فشله، وهو شيء جدير بالدراسة والتطبيق في نفس الوقت، فلا بد وأن تتفهم أولاً الأسباب التي تدفع المدير للتعامل معك بهذا الأسلوب ومع باقي الموظفين، لذلك افترض دائماً أن هذه ليست طبيعته لأنه يتصرف بمنطقية شديدة، وما يدفعه لهذا السلوك هي الضغوط التي تكون على عاتقه، وأن الفرصة دائماً متاحة لتقويم السلوك، أما إذا كان الأمر يصل إلى حد تصرفات تنم عن الكراهية وإلى أسلوب ينتقصه الاحترام المتبادل بعيدا عن أعباء العمل المطلوبة منه فهذا ليس بالشيء الهين والذي لا بد من التوقف عنده حتى ولو لوهلة واستشارة الغير ممن تثق بهم ليقيموا حلولك". وهنا وجب التأمل فيما يعتري هذه الشخصية من تقلبات مزاجية وانفعالية تسيطر على كل سلوكه خارج مكتبه. فالمشكلة هنا والتي نريد التطرق لها، هي: كيف يُحدث ذلك التوازن بين شخصية المدير داخل المؤسسة (وقد تكون مستعارة بأداء تمثيلي) لتنفيذ سلطاته على سائر الموظفين وبين شخصيته خارج عمله وخاصة في منزله ومع أسرته؟ ولذلك تحدث الكثير من المشكلات الأسرية والعائلية، مما ينتج عنه شقاق ونزاع وتفكك دون علمه هو بما يحدث له من هذه التقلبات التي تضعه في مأزق غير مرغوب وهو على يقين تام أنه لم يخطئ في أمر من الأمور فقد يتحول هنا إلى مريض نفسي! والحقيقة أننا كنا نتدارس هذا الموضوع عن كثب، ونتشكك في مداراته التي قد تؤدي باستقرار الأسر إلى التفكك، حتى قابلت شخصية معلمة فاضلة وأكدت لي أنها دائمة الخلاف مع أفراد أسرتها، حتى تأكدت هي وأيقنت تمام اليقين بعد تأمل مرير، بأنها تتعامل مع أسرتها حينما تعود كتعاملها مع الطلاب الذين تحت إمرتها. ثم تأكد لنا ذلك بعد دراسة تلك المشكلات بين إحدى المسؤولات -ذات الشخصية المرموقة في عملها- مع أسرتها، ولا سيما أنها تحتل رتبة أصغر فرد في العائلة، فهم يتعاملون معها كابنة وأخت صغرى لها ما لها وعليها ما عليها من تلك المفاهيم الأسرية الثابتة القائمة على احترام الكبير والعطف على الصغير، ولكنها لم تكن لتفصل في ذات الوقت بين وجهي الشخصية بين العمل كمسؤولة يقف لها الكل إما خوفا أو تقديرا وهو ما لم يتوفر لها بين أفراد الأسرة! كما أن هناك نموذجا لرجل مدير عندما يعود لمنزله يتعامل مع كل أفراد أسرته بهذا الشكل الذي ذكرناه. هذا وقد عالج هذه المشكلة فيلم زوجة رجل مهم بطولة الفنان الكبير أحمد زكي -رحمه الله- وميرفت أمين تأليف رؤوف توفيق ومن إخراج محمد خان، 11/ يناير/1988، وقد وضع الفيلم في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، لشدة أهمية قضيته وكيف تمت معالجتها. إن هذا الطرح الذي يجعلنا ننتبه لعلاج هذه القضية، هو ذلك التدمير الأسري الذي لم ينتبه إليه أحد، لأن الأمر جد خطير، إذ تتأرجح المشكلة بين المرض النفسي والسيطرة. وسنناقشها من وجهة نظر علمية أكاديمية بحيث نسلط الضوء على هذا الأمر من الناحية التقنية والنفسية. إن المدير أو المسؤول يقع بين حدين، إذا لم ينتبه لهما أصبح مريضا نفسيا، وذلك لأن شأنه شأن الممثل في علم الأداء التمثيلي، ذلك أنه في عمله يتقمص شخصية المدير المسيطر المؤهل لأداء مهام يجب أن تنتهي بنجاح مع أفراد عمله. ذلك كما أسلفنا أنه يقع بين حدين إما التقمص أو الاندماج. والتقمص كما في المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبة هو"Reincarnation تقمص في اللغة لبس القميص، وتقمص شخصية غيره: قلده، وحاكاه في سلوكه وهيأته (المعجم الفلسفي)، والتقمص الوجداني في علم الجمال هو اندماج الشخص في عمل فني أو منظر طبيعي، وفي علم النفس هو الإدراك الانفعالي لوجدانات الآخر ومشاركته فيها". وهناك خط رفيع للغاية بين التقمص والاندماج، فالتقمص هو كما ذكر سلفا، أما الاندماج فهو قدرة الشخص على السيطرة على الشخصية التي يؤديها وكيف يتحكم فيها وكيف يدخل فيها وكيف يخرج منها وكيف يديرها أثناء تقمصه لها باقتدار. وقد واجه كثير من الفنانين والمؤلفين والمبدعين مشكلة الفصل أو الخروج من الشخصية التي يلعبونها في أعمالهم، ولذا ربطنا بين ممثل الإدارة التي تمثل مؤسسة ما، وبين الممثل في أداء الشخصية في علم التمثيل والتقمص. إن هذا الخط الرفيع بين الاندماج والتقمص، هو ما يوقع كثيرا من أصحاب المناصب الإدارية في إشكالية الاندماج، على غرار شخصية الضابط هشام في فيلم زوجة رجل مهم، الذي أصبح يتعامل مع زوجته وجاره والباعة على أنه ذلك الرجل المهم في عمله حتى أودى به الأمر إلى مرض نفسي (الاكتئاب) والذي قتل على إثره حماه وقتل نفسه. ولذا فنحن نطرح هذا الموضوع في كلمات بسيطة بينما يحتاج إلى دراسات علمية لكي تستقر الأسر ونحمي هؤلاء المسؤولين من شر أنفسهم.