حول موضوع المراهقة ودور البحوث والدراسات التربوية تحدث ل(الجزيرة) عبدالله بن دخيل الله المنتشري الباحث التربوي في العلوم السلوكية والإنسانية عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية قائلاً: أرى مستقبلاً مشرقاً ودوراً تربوياً بارزاً للبحوث والدراسات التربوية التي تتناول هذا الموضوع، ولكنني أتمنى أن تتولى الجهات المسؤولة الدعم المادي والمعنوي لهذه الأبحاث في سبيل الرقي بالرسالة التربوية لتكسبها مزيداً من الرقي بالشخصية الإنسانية فكراً وسلوكاً وخلقاً. وأضاف: هناك دراسة مازلت بصددها الآن حول الانحرافات السلوكية في مرحلة المراهقة، وتهدف هذه الدراسة للتعرف على هذه الانحرافات والأساليب التربوية المتبعة لمعالجتها (مرحلة المراهقة المبكرة المرحلة المتوسطة) ولا أريد أن أستبق الأحداث حول نتائج هذه الدراسة لكونها لم تنته بعد، أيضاً هناك دراسة انتهيت منها في العام الماضي عن التربية الأخلاقية وبناء شخصية المراهق حيث هدفت الدراسة للتعرف على شخصية المراهق في المجتمع السعودي والعوامل المؤثرة في هذه الشخصية، وخلصت الدراسة لوجود ضعف في جوانب بناء شخصية المراهق، تتحمل الأسرة جزءا كبيراً من هذا الضعف، وقد أوصت الدراسة بضرورة توظيف مناهج التعليم العام توظيفاً إيجابياً للرقي بشخصية المراهق نحو تحمل المسؤولية والقيادية وتفعيل قيم التعايش من حب وإخاء واحترام وحوار بغية تسديد العجز الأسري في هذا الجانب لتحقيق نوع من التكامل لبناء شخصية إسلامية واعية. وأشارت الدراسة إلى هذه الفئة لأبرزالعيوب التي تمارسها الأسرة في التعامل مع المراهقين: فالمراهقة ليست مشكلة ولكنها مرحلة عمرية لها خصائصها وتغيراتها الجسمية والانفعالية والاجتماعية، إذا تعاملت الأسرة مع هذه الفئة بقدر كبير من الوعي وعملت عملاً جاداً لتلبية الحاجات النفسية للمراهق لكانت هذه المرحلة أساسا قويا لبناء شخصية الرجل الراشد في المستقبل، ولكن للأسف أن هناك الكثير من الآباء والأمهات يمارسون ضغطاً كبيراً جداً على شخصية المراهق مما يؤثر على نفسيته ويجعله ينتقم من هذه السلطة بمحاولة اختراق سيطرتها والإخلال بنظامها، لذا فإنني أنصح الآباء والأمهات بالاقتراب من أبنائهم في هذه المرحلة وإعطائهم مزيداً من احترام الذات فهذه أبرز مطالب المراهق حيث تكون رغبته جامحة في تحقيق ذاته والشعور بمكانته الإنسانية وحينما تسلب منه هذه المطالب والحاجات، فإنه يلجأ لا شعورياً للثورة السلوكية من غضب وعصيان واضطراب، ويتجه مباشرة بمشاعره الكامنة لمن يحقق له هذه المكانة بين أصدقائه ورفاقه، وقد يبحث عن ذلك جدياً مع الجنس الآخر، لذا فالحل الأسلم للتعامل مع المراهقين هو احتواؤهم بالحب وتحقيق المكانة الاجتماعية وتلبية حاجاتهم النفسية والتعامل مع تغيرات هذه المرحلة بهدوء وعقلانية. فمرحلة المراهقة هي إحدى مراحل النمو الإنساني وهي فترة فاصلة بين مرحلتي الطفولة والرشد، وتعد من أهم المراحل نتيجة الاضطراب النفسي والسلوكي الذي تتعرض له الشخصية في هذه المرحلة لعدم النضج العقلي الانفعالي للمراهق، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة مرور إلى مرحلة الرشد، تتأثر بعوامل عديدة وتؤثر أيضاً في المراحل التالية لها، وتبدأ هذه المرحلة مع بداية البلوغ وتستمر بقدر متفاوت حتى بداية النضج، وغالباً ما تبدأ في سن الثانية عشرة وتنتهي في الحادية والعشرين. * نرى تركيزك على الجانب الأسري ماذا عن الدور التربوي للمدرسة؟ - الأسرة هي المجتمع الأول الذي يعيش فيه الطفل، ويتعلق به ويعرف من خلاله قيم الانتماء ومشاعر الحب والعطف، وأشارت الدراسات التربوية على أن 60% من شخصية الفرد تتشكل قبل سن المدرسة، وهذا ما يبرر التركيز على جانب الأسرة، أما بالنسبة للمدرسة فإن دورها عظيم ورسالتها سامية إلا أنني أرى عدم وجود الوقت الكافي للمعلم لأداء رسالته التربوية في هذا الجانب نتيجة ما يكلف به من أعمال فنية وإدارية تشغله كثيراً عن دوره التربوي، وقد طرحت خلال اللقاء الثالث عشر لجمعية جستن بالرياض في مؤتمر إعداد المعلم وتطويره في ضوء المتغيرات المعاصرة، وكانت الورقة عبارة عن رؤية تربوية للدور الإرشادي للمعلم في ضوء النهضة التقنية والمعلوماتية المعاصرة، تخلل هذه الرؤية بعض المقترحات والتوصيات لتحسين أداء المعلم في هذا الجانب، هذا وإنني من هذا المنطلق أنادي جميع المؤسسات التربوية المسؤولة عن تربية الطفل في مرحلة الروضة أن تغير من سياستها وتحاول جاهدة بناء شخصية الطفل، وأن تقلل من برامجها الترفيهية التي تستهدف الجانب الترويحي، وتوجه مناهجها نحو تعليم الطفل بعض الأدوار الحيوية التي تناسب عمره الزمني. * وما هي العوامل المؤثرة في شخصية المراهق؟ - تتأثر مرحلة المراهقة بالعديد من العوامل التي تعمل مجتمعة وبتفاوت كبير لتشكل في النهاية شخصية المراهق سلوكاً وفكراً ومن هذه العوامل: جنس المراهق، استعدادات واتجاهات الوالدين، المستوى المعيشي للأسرة، المستوى الاجتماعي للأسرة، المستوى التعليمي للأسرة، الحالة الجغرافية لمقر الإقامة (مدينة، ريف)، جماعة الرفاق، مفهوم الذات، الحالة الصحية. * وماذا عن مشكلات المراهقين؟ - يتعرض المراهق للعديد من المشاكل والأزمات التي قد يكون سبباً فيها، نتيجة عدم نضجه العقلي أو الانفعالي أو الاجتماعي، وقد تكون هذه المشكلات بأسباب الآخرين نتيجة عدم إلمامهم بخصائص مرحلة المراهقة وكيفية التعامل معها (مشكلات يتسبب فيها ومشكلات يتعرض لها) ويمكن تصنيف أبرز هذه المشكلات إلى: مشكلات أسرية: داخل نطاق الأسرة مع الوالدين، الإخوة، الأقارب، الزوار، الخدم. مشكلات اجتماعية: وهي المشكلات الناجمة عن علاقاته مع جماعة الرفاق وأفراد المجتمع، نتيجة التفاعل المستمر، وهذه المشكلات مرتبطة إلى حد كبير بالعوامل النفسية للمراهق ومدى توافقه مع ذاته ومع من يعيشون معه. مشكلات مدرسية: وتحدث داخل المدرسة أو في محيطها مع المعلمين، أو الزملاء، أو الممتلكات، أو التفاعل مع النظام المدرسي، أو المناهج الدراسية وغير ذلك. مشكلات صحية: مثل الأمراض المزمنة والعرضية وسوء التغذية، والضعف العام، والسهر.. مشكلات نفسية: وهي مشكلات عديدة ناجمة عن الاضطراب وعدم التوافق، الصراعات الداخلية مما يسبب القلق والاكتئاب ونوبات من الحزن والغضب والكراهية والغيرة والحقد والحسد.. مشكلات اقتصادية: وهي جميع المشكلات المتعلقة بالبعد المادي، من حيث الفقر، والحاجة، وعدم تلبية متطلبات الحياة من قبل الوالدين. * وما الخصائص السلوكية للمراهقين؟ - لكل مرحلة من مراحل النمو ما يميزها وما تختص به من خصائص وتغيرات جسمية ونفسية واجتماعية وانفعالية ولعل هذه التغيرات هي التي تميز مرحلة المراهقة حيث تبدو هذه التغيرات واضحة جلية، ومن هذه الخصائص التغيرات التالية: 1- النمو الجسمي: حيث تنمو أعضاء الجسم وتكبر وتتشكل ملامح الشخصية بدرجة كبيرة وواضحة، وتنمو أعضاء التناسل لتقوم بوظائفها الفسيولوجية مع بداية البلوغ، وتنمو العظام خلال هذه المرحلة لتشكل الحجم الطبيعي للفرد، ويبدأ ظهور الشعر في الوجه وباقي أجزاء الجسم، ويميل الجسم تدريجياً إلى القوة والعنفوان، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} هذا ويتأثر النمو الجسمي بالعديد من العوامل الوراثية والغذائية والتي تسهم بدورها في تشكيل البنية الجسمية للمراهق (نمو عضوي)، وكذا نمو الأعضاء ا لداخلية (نمو فسيولوجي). 2- النمو العقلي: تنمو القدرات العقلية تدريجياً نحو النضج الذي يظهر جلياً مع نهاية هذه المرحلة وبداية مرحلة الرشد، حيث تتقدم هذه القدرات بشكل مواز للنمو الجسمي، حيث تنمو القدرات الإدراكية واللفظية والعددية، مع نمو واضح للذاكرة، والتمييز، وزيادة في التحصيل والتعلم - في حالة توفر البيئة الملائمة - وتنمو قدرة التخيل بدرجة كبيرة، ويستطيع المراهق أن يربط بين العديد من المتغيرات، ويمتلك حساً قوياً للحكم على التصرفات من خير أو شر على الرغم من عدم التزامه بتلك الأحكام. 3- النمو الانفعالي: ويقصد به نمو الانفعالات والتفاعل مع الوسط المحيط، والتأثير فيه والتأثر به، وهذا يظهر جلياً في هذه المرحلة العمرية حيث يبدأ المراهق في الاندماج مع الوسط المحيط والتفاعل معه وإظهار جوانب الانفعالات المختلفة من فرح، وغضب، وغيرة، وخوف، وحب، وحنان، وحزن، وكره وغير ذلك من انفعالات. هذه الانفعالات قد تسبب للمراهق نوعاً من الصراعات الداخلية، منها صراع القيم والرغبات، وصراع الاستقلالية والتبعية الأسرية، وصراع الترفيه والتفكير المستقبلي...، صراعات كثيرة تدخل المراهق في دوامة القلق، والاضطراب مما يؤثر سلباً في تصرفاته، وقراراته وسلوكه مع الآخرين. 4- النمو الاجتماعي: تتصف مرحلة المراهقة بالتطبيع الاجتماعي للمراهق حيث يبدأ في الاندماج مع الأسرة والمدرسة والمجتمع من خلال بعض الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها، كما يقوم بمراقبة سلوك الجماعة ويركز على إبراز ذاته من خلال المشاركة والتنافس وتقمص أدوار بعض الشخصيات المحببة، كما أن المراهق في هذه السن يبدأ بالشعور بالمسؤولية الذاتية ويحاول أن يتخلص من القيود المفروضة عليه، ليعيش جواً من الاستقلالية، كما يبدأ في الاهتمام بمظهره، ليكون محبوباً من الآخرين ومصدر جذب لهم، كما أن المراهق يحاول مسايرة سلوك بعض الشخصيات المميزة، ومما يميز النمو الاجتماعي للمراهق أنه يصبح مهتماً بالموضة وكل ماهو جديد وجذاب، يحاول أن يبني علاقات إيجابية مع من حوله، وينجذب للجنس الآخر محاولاً بناء المزيد من العلاقات الحميمة خارج نطاق الأسرة. ويتأثر النمو الاجتماعي للمراهق بجنسه، وأسلوب أسرته في ا لتعامل معه، وطبيعة الرفاق، والخبرات الاجتماعية التي يكتسبها، والأهم من ذلك البيئة الاجتماعية من حوله ومدى ملاءمتها للتعايش وتكوين العلاقات والأدوار الاجتماعية الفعالة. وتوجه المنتشري في نهاية اللقاء مع الجزيرة برسالة لكل مرب في الأسرة والمدرسة قائلاً: إن لم تحقق للطفل والمراهق ذاته وتلبي حاجاته القيادية بإكسابه دوراً اجتماعياً مرهوناً بالثقة وقيم التعايش من حب وعطف وتعاون فإنه سوف يبحث عمن يحقق له هذه الحاجات.