نكتبها لأننا نحب قراءتها، يصبح السؤال إذن لماذا نحب قراءة السير، ما الذي يجذبنا لقراءة سيرة حياة شخص لا نعرفه لهذه الدرجة، هل هو الفضول الإنساني الطبيعي والفطري، أم حبنا لمعرفة البيئات المختلفة التي عاشها أشخاص مختلفون عنا، أو إلى أي مدى تتشابه البيئات، أم هو حبنا لمعرفة التاريخ وكيف عاش الناس في تاريخ كتابة السيرة، ولماذا كلما كانت السيرة أكثر كشفاً ومليئة بالغرائب أو تفضح الأسرار كلما زدنا حباً للاطلاع عليها. كان هناك عتب دائم من قبل كتاب ومثقفين أن العرب حين يكتبون سيرهم فهم لا يكشفون أسرارهم ولا ينشرون فضائحهم، ولذلك احتفوا بالخبز الحافي، سيرة محمد شكري احتفاءً غير عادي، وأنا بالتأكيد لست ضد كشف الأسرار أو الشفافية وحتى الفضائحية في الكتابة، خصوصاً إذا كان مشروعها الصدق والحفر عميقاً في النفس البشرية، وليس البحث عن الشهرة والمقروئية، لكن تأثري برأي المثقفين في عدم الاعتناء بأي سيرة ذاتية أو غيرية لا يكون منهجها نشر الغسيل، جعلني عازفة عن قراءة السير بجميع أنواعها مادامت صادرة عن أناس من بلدي. كنت أعتقد أنها ستكون مملة، مليئة بالمجاملات وفي كل الأحوال لن تكون صادقة أو مهمة، حتى بدأت أقرأها، ولا أعرف ما الذي دفعني لذلك، لكنني عرفت أنني كنت مخطئة جداً، وأن عدم كتابة فضائح أو أسرار عميقة ومخجلة لا يعني عدم الصدق أو الشفافية، كتاب مثل الجوع والحب والحرب مثلا، سيرة عزيز ضياء، كانت قراءة جميلة وملهمة. وهناك الكثير طبعاً غيرها لكن هذا ما تذكرته الآن. هناك أيضاً كتاب أيقونة زمانها الذي كتبه أمين كردي عن زوجته الراحلة، كتاب بسيط مليء بالحب، جعلتني هذه الكتب أراجع مفهومي عن كتابة السيرة، وأود أن أتذكر كل الذين كانوا ضد هذا النوع من السير، وأقول لنفسي، ربما هي طريقة الكتابة أو أسلوب الكاتب الذي جعلهم يصدرون هذه الأحكام. لا أعرف، لكنني الآن أعرف أن السير مهمة، وملهمة وممتعة، وأشد على يد محمد السيف كلما أصدر كتاباً سيرياً، وأغبطه على كمية الصبر والجهد الذي يبذله للبحث في التاريخ وفي حياة الأشخاص كي يصل في النهاية إلى كتابة هذه السير الجميلة. ما جعلني أكتب الآن عن السير هو مشروعي القادم، والذي كنت أظن أنني أعرفه حق المعرفة، لكن اتضح أن البحث والتقصي عن التاريخ الذي أكتب عنه مسألة في غاية التعقيد والصعوبة، مسألة شاقة ومجهدة، لذلك، لن أستهين بأي كتاب سيري بعد اليوم، لم أكن أستهين بها قبل اليوم، لكنني بالتأكيد أعرف الآن مدى صعوبتها، وأرفع القبعة لمحمد السيف والآخرين الذين يقومون بمثل عمله، لكل كاتب سيرة، ذاتية أو غيرية.