أحب قراءة كتب السيرة الذاتية. أعتقد معظم الناس يحبونها كذلك. وحين قرأت كتاب "حياتي مع الجوع والحب والحرب" تعمق لدي الإحساس بمدى استمتاعي بقراءة هذا النوع من الأدب. والأسباب التي تدفعني لقراءتها تتمثل بوضوح في هذا الكتاب. سيرة عزيز ضياء، المكتوبة بأسلوب غاية في السلاسة والجمال، أنت لا تقرأ سيرته فقط حين تقرأ، أنت تتعلم من أسلوبه العذب كيف تتم كتابة السرد. تتعلم التواضع وتفهم معنى المعاناة حين يحكي لك شخص الأهوال التي رآها وهو طفل، والتي لم تكن عائقاً بل دفعته لأن يصبح الأديب القدير والمهم عزيز ضياء. دوّن ضياء في سيرته تاريخاً أسمع عنه، لكن لم أقرأه من قبل. كتابه ليس بجفاف كتب التاريخ، كتبه بعيني طفل عاش سفر برلك، وعانى من أحداثه، مات أخوه وجده وخالته أثناء هذا الرحيل المر. وعاد إلى المدينة هو ووالدته وحدهما، بعد سنوات من فقد أحباب، وجوع، وغربة ومرض وتعب وكل ما يمكن أن يخطر على البال من مصائب الحروب. تُعلمنا كتب السيرة ما لم نتعلمه من كتب التاريخ. لذلك أحبها. من خلال رحلته في الحياة، تضحك أحياناً وتحزن أحياناً، ربما تبكي، تخاف، تذهل، لكن يملؤك دائماً هذا الشعور بأن الحياة بالرغم من مصائبها المفزعة، فأنت قادر على مواجهتها، تتعلم من عزيز ضياء أن هذا هو الخيار الوحيد أمامك، ما دمتَ تعيش فعليك المقاومة والاستمرار. وإذا كان الطفل الصغير قاوم ونجح، فلمَ لا تحاول أنت؟ اكتشفت كم نحن بعيدون عن قراءة أدبنا، وعن معرفة أدبائنا. شعرت بالامتنان للكاتب ورئيس التحرير وقتها الذي دفع عزيز ضياء لكتابة سيرته، كي ينشرها في مجلته. وكي نستمتع نحن بها بعد هذا الزمن. وندرك من خلالها كم نحن لا نعرف أنفسنا. لابد أن أشكر أيضا عبدالعزيز النصافي الذي كتب تغريدة يحث فيها على قراءة هذا العمل. ربما يجب أيضاً أن أشكر هوسي بالكتب، فكلما ذكر شخص كتاباً بحثت عنه لأقرأه، وكان من حظي أنني لم أؤجل قراءة هذه السيرة التي أذهلتني. يقول عزيز ضياء عن سيرته "ولكن دعني أبدأ قصتي.. وتأهب لتقرأ فصولاً من حياة أعجب ما فيها أنها تافهة وأجمل ما فيها أنها قصة التفاهة، يحياها ألوف من أمثالي الصغار التافهين.. الذين لم يتح لهم أن يلمعوا في آفاق العلم الكبير، ولم يجدوا مداخلهم إلى التاريخ.. ليس في حياتهم بطولة أو مجد، أو مغامرات أو مفاجآت، أو إثارة من أي نوع، وإنما فيها حياة الألوف والملايين من الصغار التافهين". ربما كان ذلك تواضعاً من عزيز ضياء، لكنني أعتقد أنها أعمق من ذلك، عرف ضياء أن الصغار التافهين هم ملح الأرض، وهم الذين يصنعون الحياة، ونحن نحب قراءة أحداثهم، لأن الآخرين الذين ذكرهم، موجودون في كتب التاريخ.