"من أكثر الأشياء المتعبة أن تتعامل مع مدير يصغرك بأكثر من عشر سنوات ويتفلسف عليك وأنت بكل خبراتك وسنوات عمرك مضطر لأن تكتم غيظك وتبلع كلماتك وتخضع لأوامره!"، أتذكر هذا الحديث لأحد المديرين التنفيذيين العرب في وصف معاناته مع رئيسه الذي يصغره في السن. شخصياً، ليس عندي أي مشكلة ولا أراها قضية في أن يكون المدير أصغر سناً من مرؤوسيه، فيظل العمر مجرد رقم وتبقى المهارة في كيفية استغلال الوقت بشكل ذكي وفي أي مهارة أو تخصص، فبالنسبة للمنظومة أو القسم فقد يتطلب الزمن والتحديات القائمة أشخاصاً قياديين بصفات وخبرات خاصة من الشباب الأصغر سناً والذين هم أكثر قدرة على التعامل مع التحديات مقارنة بكبار السن. وفي تاريخنا الإسلامي الكثير من الشخصيات الشابة التي سجلت اسمها في التاريخ كأسامة بن زيد الذي قاد جيشاً فيه كبار الصحابة رضوان الله عليهم، ومحمد بن القاسم الثقفي الذي فتح الهند وهو في السابعة عشرة من عمره، وغيرهما الكثير. وإذا ابتعدنا عن عالم الإدارة والقيادة قليلاً، فلن تجد مشكلة كشخص عادي في أن يعالجك طبيب أقل منك سناً لأنه الخبير في مجاله ويعرف أفضل منك، ولا مشكلة في يساعدك سباك أو كهربائي أقل منك سناً طالما امتلك المهارات اللازمة. الأمر شبيه بلاعبي كرة القدم المخضرمين والذين يتم استبدالهم بمن هم أكثر حيوية وأعلى لياقة خلال المباراة. في الواقع، كثيراً ما أدخل نقاشات متنوعة عند اختيار القيادات وأجد أحياناً آراء معارضة حيال أشخاص أرشحهم بأنهم أصغر سناً من الآخرين وسنوات خبرتهم قد تكون أقل من مرؤوسيهم في حال تم تعيينهم، ولكن بالمقابل إذا نظرت إلى المهارات وسجل الإنجازات فستجدهم متفوقين ومتفردين، وحتى سنوات الخبرة فلا ينبغي النظر لها نظرة كمية بل نوعية، فقد يكون القائد الشاب لديه سنوات خبرة أقل لكنه بذل جهداً كبيراً وتعلم وأسهم في نجاح المنظومة، ولو حسبت ساعات عمله الحقيقية لوجدتها في مجموعها ضعف أو أكثر من غيره من الذين يمتلكون سنوات خبرة أكثر بالعدد. وفي هذا السياق، يروى في قصة خيالية أن الماء قال للزيت: "كيف تعلو عليّ وأنا من أنبت شجرتك؟ أين ذهب الاحترام والأدب؟ فرد الزيت على الماء قائلاً: "أنت نشأت في الأنهار رضراضاً وأنا على العصر والقهر صبرت، فبالصبر يعلو القدر". وفعلاً، هي في النهاية التجارب الصعبة والصبر والالتزام من تصنع الشخص الناجح والقائد الناجح. ولذلك فمن المهم دائماً إتاحة الفرصة للكفاءات الشابة وتمكينها ليخوضوا التجارب ويفشلوا ويتألموا ليتعلموا وينجحوا بعدها ويواصلوا المسيرة، كما هو حال السفينة الكبيرة التي تظل راسخة على المرفأ ولا تصبح عظيمة إلا بعد تبحر وتشق الأمواج وتواجه الأعاصير. وباختصار، القائد الفذ المعصور والذي عاش دور المقهور هو الأقدر على فهم التحديات والأجدر غالباً بأن يجنب مرؤوسيه ما مر به من معاناة وتجارب أليمة. وبالمقابل، فهذا القائد المعصور يحرص على صناعة قيادات من بعده فيعصرهم ولا يكسرهم، ويعلمهم ولا يحطمهم، ويحرص على أن يغرس فيهم الثقة والتواضع والطموح بعيداً عن الخوف والكبر والجموح.