تعين مدير جديد، تملؤه حماسة وطاقة للتغيير، ولديه رؤية واضحة للطريق الذي يريد اتباعه، وجد هذا المدير أن لديه في بيئة العمل مجموعتين: الأولى، تتكون من أفراد بخبرات تتراوح بين 20 – 30 سنة، وآخرين حديثي التوظيف وبخبرات تقل عن الخمس سنوات، هذا المدير كغيره من أبناء المجتمع متأثر بالصورة النمطية التي ترى بأن أصحاب الخبرات الطويلة لا يحبذون التغيير ويريدون الإبقاء على الوضع الحالي، وآخرين -الأصغر سناً- متحمسين للتغيير ناقمين على الوضع الحالي ويرون أن طريقة العمل غير مجدية، يريد المدير الجديد أن تكون له بصمته الخاصة في شكل وطبيعة العمل ومنجزاته، فهو أكثر ميلاً للتغيير، يعتقد هذا المدير أن التغيير إلزامي فكيف يمر من هنا ولا يبقى أثر، ويجب أن يكون هذ التغيير شامل وجذري حتى وإن لم يتطلب الوضع الحالي ذلك، بدأ بعملية الإصلاح وبإعادة التشكيل والهيكلة بغرض تنظيم العمل وتنسيقه وتوحيد الجهود، لكن واجهته مشكلة معقدة بل معضلة وعائق! كيف لجيلين مختلفين حد التناقض في الدافع والحماسة وفي نظرتهم لطريقة العمل الصحيحة أن يحققوا الحد الأدنى من الانسجام والتناغم المطلوب لإنجاز العمل بشكل صحيح؟ ظهرت هذه المشكلة بشكل جلي حين تشكيل فرق العمل، فإن أراد وضع شاب متحمس ليرأس من هم أكثر خبرة، فسيجد ذلك الشاب صعوبة في تقبل أن يكون قائد على من هم أكبر منه سناً، لأنه لفارق السن لدينا احترام وتقدير واعتبار، فستكون هناك بطبيعة الحال صعوبة في التواصل وفي توجيه الأوامر لتسيير العمل، مما سيدفعه بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة لتجنب العمل مع المرؤوسين الأكبر سناً بطريقة تكون أقرب للتهميش حتى وإن غُلفت بغلاف الاحترام والتقدير، وإن اختار لقيادة الفريق من هو أكبر سناً وأكثر خبرة، فإنه سيخشى من مشكلات أخرى من قبيل عدم تقبل التغيير وطريقة العمل الجديدة، كما أنه من غير المستبعد أن ينظر قائد الفريق لحديثي التوظيف كمصدر تهديد لمركزه الوظيفي ومنصبه وتبدأ دوامة أخرى من التهميش وعدم التقدير وتثبيط العزائم والتشكيك في كل اقتراح أو مبادرة. ولصعوبة الموضوع على المديرين فإنهم غالباً ما يميلون لتقريب طرف دون الآخر، وهم بذلك يضعون أنفسهم بين خيارين: إما الاعتماد على الموظفين الجدد وبذلك خسارة الخبرة الطويلة للموظفين القدماء التي تجعل من العمل أكثر دقة وقدرة على تلافي العقبات والعوائق المتكررة، أو الاعتماد على الموظفين القدماء ومن ثم عدم استغلال حماسة الموظفين الجدد وقابليتهم لمواكبة التغييرات وقدرتهم العالية على التعلم. وبين هذين الخيارين يتذبذب المديرون وتتشكل الأحزاب والشللية داخل بيئات العمل، مع أنه لا يجدر بالأمر أن يكون على طرفي نقيض، التنويع مطلوب للغاية والقيادة لا تتحدد بناءً على معيار الخبرة أو المعرفة أو المؤهل فقط بل تختلف حسب طبيعة الشخص وملائمة مهاراته للمنصب المطلوب، وتختلف كذلك حسب طبيعة الوظيفة نفسها، فعلى سبيل المثال إدارات عريقة وعميقة مثل إدارة الموارد البشرية تتطلب أصحاب الخبرة العريقة والمهارات الاجتماعية العالية والمقدرة على العمل تحت الضغط، وعلى الجانب الآخر نجد أن إدارات أخرى متجددة ومتغيرة مثل تقنية المعلومات تتطلب أشخاصاً أكثر تجاوباً وتقبلاً للتغيير. د. محمد عبدالكريم المطيري