تفاجأ المتعاملون والمستثمرون مع بداية التعاملات بأسواق الأسهم العالمية بانخفاضات حادة نوعاً ما في مؤشراتها الرئيسة، التي سيطرت على تداولاتها اللون الأحمر وذلك في يوم الاثنين الموافق الخامس من شهر أغسطس الجاري، حيث انخفض على سبيل المثال لا الحصر مؤشر دوا جونز الصناعي ب 1101 نقطة أو 2.77 % إلى 38 ألفا و636 نقطة ومؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 12 % والذي يُعد أسوأ هبوط له في التاريخ، إضافة إلى الانخفاضات والخسائر التي مُنيت بها جميع الأسواق الآسيوية والأوروبية الرئيسة، حيث تجاوزت خسائر الأسواق العالمية مجتمعة 6.4 تريليونات دولار أميركي، ما يعادل ضعف حجم الاقتصاد الفرنسي. الهبوط الأخير في مؤشرات أسواق الأسهم العالمية، يذكرنا بيوم الاثنين الأسود الذي حل بالعالم في 19 أكتوبر 1987، عندما تهاوت مؤشرات أكبر 23 سوق أسهم عالمي، حيث على سبيل المثال، هوى مؤشر الداو جونز الصناعي بنسبة 22.6 % في جلسة تداول واحدة، في حين وفق ما أشارت إليه "وكيبيديا" هبطت 8 أسواق ما بين 20 - 30 % و 3 أسواق ما بين 30 - 40 % وثلاثة أسواق سقطت بأكثر من 40 % مما حدا بالبنك الفيدارلي الأميركي والبنك المركزي الياباني والألماني، اتخاذ قرار بضخ سيولة ضخمة جدا في مخاطرة نوعية من أجل عدم خلق شلل في أسواق المال العالمية. الهبوط الذي حدث بأسواق الأسهم العالمية مؤخراً يختلف من حيث طبيعة الأسباب مقارنة بالهبوط الذي حدث في عام 1987، باعتبار أن الهبوط بذلك العام كان يرتبط بعوامل لها علاقة بإلغاء وتخفيض ضريبي بالولايات المتحدة الأميركية وزيادة في العجز بالميزان التجاري، في حين أن الانخفاض الحالي عُزيت أسبابه في المقام الأول إلى صدور بيانات اقتصادية رسمية سلبية في يوم الجمعة الموافق 2 أغسطس الجاري عن معدلات التوظيف الأميركية، التي انخفضت إلى مستويات أقل من المتوقع لشهر يوليو الماضي، وإلى ارتفاع معدل البطالة إلى 4.3 %، ليسجل بذلك المعدل أعلى مستو له في ثلاث سنوات تقريباً، هذا بالإضافة إلى أن هناك توقعات بدخول الاقتصاد الأميركي بحالة من الركود الاقتصادي بسبب معدلات البطالة المرتفعة وعدم اتخاذ البنك الفيدرالي لقرار خفض أسعار الفوائد التي استمرت في ارتفاع لعدة مرات خلال فترة العام والنصف الماضية. تشير القاعدة الاقتصادية للخبيرة الاقتصادية السابقة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي والبيت الأبيض كلوديا سام، والتي تحمل اسمها في تفسيرها للركود الاقتصادي، عندما يرتفع معدل البطالة من متوسطه المتحرك لثلاثة أشهر ب 0.5 نقطة مئوية أو 50 نقطة أساس مقارنة بأدنى نقطة له خلال الأشهر ال12 السابقة. وكما يبدو لي واضحاً أن الخبيرة كلوديا لا تشير وفقاً لقاعدتها الاقتصادية بدخول الاقتصاد الأميركي في نفق حالة من الركود الاقتصادي ولكنها بكل تأكيد هي تنبه وتحذر من ذلك في حال ظهور نتائج سلبية مستقبلية وفقاً لمفهوم قاعدتها عن البطالة ومعدلات التوظيف مستقبلاً، سيما وأن مكتب إحصاءات العمل الأميركي Bureau of Labor Statistics قد أشار في تقرير صدر عنه مؤخراً بالتحديد يوم الجمعة الموافق 2 أغسطس الجاري إلى ارتفاع الوظائف غير الزراعية بمقدار 114 ألف وظيفة، واستمرار ارتفاع التوظيف في قطاعات الرعاية الصحية والبناء والنقل والتخزين، في حين خسر قطاع المعلومات وظائف. وإن كنت لا أدعي بأنني خبير متعمق في أسواق الأسهم العالمية، إلا أنني اعتقد أن ما حدث من انخفاض بالمؤشرات لا يعود سببه أو أسبابه الرئيسة إلى بيانات التوظيف الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي، لأنها من وجهة نظري تبدو جيدة كونها قد تخطت حاجز ال 100 ألف وظيفة، أو أن الانخفاض يعود إلى ارتفاع أسعار الفوائد الأميركية أوحتى التضخم، بقدر ما يرتبط الأمر بتضخم قيمة مؤشرات أسواق الأسهم غير المبرر، وبالذات بعد خروج الاقتصاد العالمي من نفق أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد وتبعاتها المريرة، بما في ذلك بطييعة الحال الإفراط خلال الجائحة في استخدام سياسات التيسيير الكمي Quantitative easing وخفض أسعار الفوائد إلى مستويات صفرية ما شجع الشركات والأفراد على الاقتراض الرخيص واستخدام الأمول للدخول والاستثمار بأسواق الأسهم بمبالغ كبيرة أدت بنهاية الأمر إلى ما آلت إليه الأمور في الارتفاع المبالغ فيه بمؤشرات أسواق الأسهم العالمية، وبالتالي كان من الضروري ولزاماً وأمراً حتمياً وهذه هي طبيعة أسواق الأسهم، أن تحدث حركة تصحيح سريعة، وما يؤكد على ذلك أن البنك المركزي الفيدرالي لم يتدخل بخفض أسعار الفوائد كردة فعل سريعة لإجبار السوق الأميركي على الارتداد، كونها ارتدت ذاتياً دون تدخل أية جهة سواء البنك الفيدرالي أو غيره من الجهات، فعلى سبيل المثال ارتد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.3 % محققاً أفضل أداء له منذ نوفمبر 2022.