قد يظن البعض أن الأزمة المالية التي حدثت في الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2024م وليدة اللحظة أو مجرد مصادفة، ولكنها – للأسف – نتيجة تراكمات لما أسفرت عنه جائحة كورونا، وما أفرزته من نسب مخيفة للتضخم ضربت العالم كله، تلا ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، ولجوء الولاياتالمتحدةالأمريكية – حسب مصادر مالية عالمية – إلى طباعة ما يزيد على 12 تريليون دولار، مما انعكس على زيادة التضخم، وارتفاع أسعار السلع، وتأثرت دول العالم تباعاً بجائحة التضخم الأمريكية، مع ارتفاع حجم الدين إلى 35 تريليون دولار، ممثلاً 110% من الناتج المحلي، ورفض الفيدرالي الأمريكي تخفيض الفائدة الإصرار على تثبيتها، مما جعل مؤشرات البطالة تتزايد إلى نسب لم تصل إليها من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة في العقد الأخير، في الوقت الذي كانت فيه الفائدة اليابانية تقترب من الصفر، مما أدى لهروب عدد كبير من المستثمرين والاستثمارات إلى اليابان، ومن ثم تحيل الدولار إلى العملة اليابانية الين، من خلال شراء الأسهم والاستثمار فيها. ونتيجة لما يمر به العالم من أزمات سياسية، خاصة الحرب في غزة، ومشكلة العبور في البحر الأحمر، مما جعل اليابان ترفع الفائدة، وبالتالي تم إلغاء الميزة النسبية التي من أجلها ذهب المستثمرون إليها، وضخ المليارات في البورصة اليابانية، تلك المؤشرات ساهمت في انهيار سوق الأسهم اليابانية، حيث سيطر اللون الأحمر على تداولات أسواق المال العالمية، فيما يشبه الانهيارات التاريخيةالتي ضربت اليابان عام 1987م، وسرعان ما لحقتها العملات العالمية، والأسواق الآسيوية والعربية والأوروبية، إضافة إلى خسائر النفط والعملات المشفرة، أتبع ذلك انخفاض مؤشرات الأسهم العالمية يوم الاثنين 5/8/2024م وما أطلقوا عليه (الاثنين الأسود). إن تلك الأزمة ألقت بظلالها السوداء على الأسواق العربية، رغم أنها لم تكن طرفاً فيها، ولكن – كنظرية الأواني المستطرقة – كان التأثر ناتجاً عن ارتباط الاقتصادات العالمية بين دول العالم، ولكن دعونا نلقي الضوء على الأسباب الحقيقية وبلغة بسيطة سهلة، بعيداً عن تعقيدات الأرقام، فمن الأسباب الرئيسية للأزمة ارتفاع مؤشرات البطالة في أمريكا، وانخفاض معدلات التوظيف، ثم رفع البنك المركزي في اليابان أسعار الفائدة بأكثر من المتوقع عند 25 نقطة أساس، والسبب الثالث، يكمن في التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، لهذا لجأ المستثمرون لعمليات بيع واسعة، واتجهوا صوب شراء الذهب كونه الملاذ الأكثر أماناً. هذه الأزمة تشبه إلى حد كبير بالأزمة الاقتصادية العاتية سنة 2008م، التي تعد أسوأ الأزمات التي مرت بالاقتصاد العالمي على الإطلاق، وكان نتاجها حالة ركود عالمية غير مسبوقة ضربت العالم كله، ومن ثم انخفضت أسعار المساكن في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع زيادة كبيرة في نسب البطالة، كما أثرت الأزمة على الاقتصاد الأمريكي وفقد أكثر من 8 ملايين أمريكي لوظائفهم، فلم يكن يتصور أكثر المتشائمين أن يصل معدل البطالة في الولاياتالمتحدةالأمريكية في تلك الفترة إلى 10%، وظهرت مشكلة الرهن العقاري، وأفلست بنوك كبيرة، وتداعت اقتصاديات كبيرة. للأسف الشديد أن النجاة من تلك الأزمات ليس بيد العرب، إلا القيام ببعض التدابير الاحترازية لتحمل تبعات الأزمات العالمية، وتوفير ملاذات أكثر أماناً للمستثمرين ورؤوس الأموال الوطنية، وفي خط متوازٍ توفير برامج حماية للاقتصادات الناشئة، مع برامج حماية اجتماعية، وهذا ما تقوم به المملكة بحرفية عالية ومسؤولية كبيرة، خاصة ما أكده صندوق النقد الدولي، الذي أشاد بالتحول الاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده المملكة، حيث ساعدت السياسات الاقتصادية الكلية الاحترازية، والإصلاحات المالية العامة، وقوة الطلب المحلي على إعطاء دفعة للنمو غير النفطي، إذ أصبح التضخم حول نسبته المعقولة، إضافة إلى تنويع الأنشطة الاقتصادية، ومواصلة التخفيف من حدة مخاطر فورة النشاط الاقتصادي، وضمان العدالة بين الأجيال – حسب تعبيره - .