انتقلت إلى بيت جديد العام الماضي، بقيت الكتب في البيت السابق حتى الأسبوع الماضي، كان المخطط أن أفرز المكتبة هناك وأحضر فقط القليل من الكتب وأتخلص من الباقي بطريقة ما، قراري اتخذته على أساس أنني لم أعد أقرأ الكتب الورقية بتاتاً. تبدو الخطة معقولة وقابلة للتنفيذ، لكن ليست كل القرارات العقلانية قابلة للتنفيذ، كلنا يعرف ذلك. قررت إذن أن أحضر كامل المكتبة وأن أقوم بفرزها في البيت الجديد، على مهل وبهدوء. وضعت كل الرفوف في حجرة النوم، المكان الوحيد الذي يسع المكتبة، ولم أشعر بالضيق، بالعكس، كنت سعيدة أن الكتب ستملأ جدران حجرتي وتطل عليّ وأنا نائمة. كنت أعتقد أنني قادرة على التخلي عن معظم الكتب، لم لا طالما أنني لن أقرأها، لكن ظني خاب، فأنا بالرغم من أنني لن أقرأها، لكن وجودها وإحساسي بها تغلب على القرار العقلاني، صرت أنظر إليها وأقول: كيف سأتذكر أنني لم أقرأ هذا الكتاب، سأضعه في المكتبة، وإذا نظرت إليه وحان دوره سأبحث عنه بصيغة إلكترونية، وإذا لم أجده سأقرؤه ورقياً، حجة واهية، لأنني أعرف أنني لن أفعل، لكن، حرفيا لم أستطع التخلي عن كتبي. أقصى وأقسى ما فعلت أنني تخليت عن كتب ميلان كونديرا وكتب غارسيا ماركيز لأنني قرأتها ولأنني أحتفظ بها في جهاز الآيباد ولأنني لن أعود لقراءتها ورقياً. أسهل عليّ أن أتخلى عن كتب قرأتها، لكن، ليس الشعر، لأننا نعود للشعر مرات ومرات، وأيضاً لا أتخلى عن الكتب المهداة، أو الكتب التي أعرف أصحابها ويمثلون عندي قيمة كبيرة، مثل كتب عابد خزندار مثلاً، التي أحتفظ بها في رف خاص. أكثر الكتب التي تخليت عنها هي الكتب العلمية، خاصة مناهج النقد، والكتب السياسية، باقي الكتب أنظر إليها بحنان بالغ، أصدقائي الذين أحبهم، ولا أستطيع إنهاء علاقتي بهم مهما بعدت عنهم، أو أصدقاء سأتعرف عليهم، وسيصبحون أصدقاء لا يمكن التخلي عنهم. في لحظة شعرت أنني محظوظة لأنني كاتبة، وأن هناك أشخاصاً حملوا كتبي، وقرؤوا كلماتي، وقرروا في لحظة عاطفية كالتي أمر بها الآن أنهم لا يستطيعون التخلي عنها، وأنهم أصدقاء. ربما لهذا وحده، نقضي العمر نكتب لأشخاص مجهولين، أنا شخص مجهول لأغلب الكتاب الذين أحتفظ بكتبهم في مكتبة في غرفة نومي. شكراً لكل من يحتفظ بكتاب لي في مكتبته، وشكرا لكل الكتّاب الذين أحتفظ بكتبهم وأستأنس بكلماتهم حولي.