لضيق المكان أصبحت مكتبتي مقصداً للأصدقاء اقتناء الكُتب هواية محببة أمارسها إلى اليوم للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تُروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار نستضيف الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق للحديث حول مكتبتها التي تحتوي العديد من الروايات، والكُتب القيّمة والنادرة والقديمة، مثل: "ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني بكل أجزائه، وتاريخ سوريا القديم، وغيرها"، والتي يعود بعضها إلى عشرينات القرن الماضي، بالإضافة لكثير من المجلات والصحف مثل: مجلة "آمال" الأدبية، وجريدة "النصر".* في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتِ على الكتاب؟ * ولدت في بيت مليء بالمخطوطات والكُتب، كانت جزءاً من بيتنا، وجزءاً منا، تنوعت بين الديني والطب والشعر والأدب. أبي قارئ رواية درجة أولى، وعمي الذي رباني وأعتبره والدي الثاني كان قارئاً نهماً للكُتب الدينية والسياسية والشعر العربي القديم. أما ثراء المكتبة فيعود لما تم إنقاذه من ميراث العائلة التي مارست الطب على مدى مئات السنين، ودونت الكثير من وصفات الأدوية في مخطوطات، لكن ما تبقى منها قليل بعد اعتداء المستعمر الفرنسي على المكتبة والقضاء على رجال العائلة الذين مارسوا الطب في خمسينات من القرن الماضي أي أيام الثورة. ونحن أطفال «إخوتي وأنا» سعى أبي دوماً إلى تزويدنا أسبوعيا بمجلات جميلة وقصص للأطفال «سبعينات وثمانينات القرن الماضي»، هذا غير اكتشافي لمكتبة البلدية التي نهلت منها الكثير. للأسف كنا نهدي الكثير من الكُتب، كما نعير للأصدقاء وأبناء الجيران الكثير منها ما عاد ومنها ما لم يعد.. في الحقيقة كان التخلص من الكُتب المتكدسة في بيتنا أمر يريح أمي، لهذا كلما اقتنى أبي المزيد شجعتنا على قراءتها وإهدائها، هالني في زيارتي الأخيرة لبيتنا في الجزائر أن المكتبة شبه فارغة بعد أن تبعثرت محتوياتها بين الأقارب والمعارف. * هل تستطيعين تحديد بعض بدايات تأسيس مكتبتكِ المنزليَّة؟ * بدأت بتأسيس مكتبتي الخاصة حين التحقت بمعهد الأدب واللغة العربية، انفتحت مدينة قسنطينة أمامي بمكتباتها وأصبح اقتناء الكُتب هواية أمارسها إلى اليوم. لم تكن مكتبة بالمعنى الحقيقي، كانت مجموعة من الكُتب القيّمة التي أخفيها تحت سريري، وفوق خزائن الثياب، وفي صناديق أضيفت لصناديق أبي وموسوعاته الجميلة التي زينت مكتبة الصالون. لقد ورثنا محبة الكُتب وكان جمعها هواية نتقاسمها ونستمتع بها وهي تتزايد في بيتنا. في الجزائر كانت المكتبات قليلة على أيامي أقتني الكثير من الروايات بالدرجة الأولى لا تنتهي قصصي المضحكة مع كتبي * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * في الجزائر كانت المكتبات قليلة على أيامي، ولا تزال قليلة مقارنة مع بلدان أخرى. أما معرض الكتاب فلم أشهده في الجزائر إلا في السنوات الأخيرة كوني غادرت الجزائر قبل إطلاقه العام 1996، لكن معرض بيروت كان الحفل السنوي الذي أنتظره بشغف، أقتني الكثير من الروايات بالدرجة الأولى، وكتب النقد لأنها قليلا ما تتوفر في المكتبات، لم أثر مكتبتي فقط من خلال المعارض بل أثريت علاقاتي بالناشرين، وأصبحت أحصل على إصدارات كثيرة من دور مُهمة مجاناً من أجل قراءتها والكتابة عنها. لقد كانت الكُتب قدراً كتبه لي رب العالمين منذ نعومة أظافري، وأنا سعيدة وشاكرة على هذا القدر. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتكِ الشَّخصيَّة؟ * هناك القراءة من أجل المتعة، والقراءة من أجل المعرفة والقراءة من أجل إنجاز دراسة أو بحث أكاديمي، والقراءة من أجل العمل. مارست أنواع القراءة هذه وهذا ما شكل منعطفات تكوين مكتبتي وتنوعها. مشكلتي الوحيدة التي لاحقتني منذُ بيت أبي هي ضيق المكان، فأصبحت مقصداً لأصدقاء كثر لطلب كُتب أهديها عن طيب خاطر إلا القليل منها أبقيه في مكتبتي، من الكُتب القريبة إلى قلبي وتلك التي تحمل توقيعات أصحابها. * هل تحتفظين في مكتبتكِ بمخطوطات؟ * هنا في لبنان لا أملك أي مخطوطات، في بيتنا في الجزائر بقيت مخطوطات قليلة من ميراث العائلة الطبي، ومصاحف قديمة نسخت بخط اليد وجلّدت بجلد طبيعي. * ماذا عن نصيب القديمة والنَّادرة؟ * لديّ بعض الكُتب النادرة والقديمة، بعضها يعود لعمي والد زوجي، مثل: «ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني بكل أجزائه، وتاريخ سوريا القديم، وغيرها»، وبعضها لصديقة غالية توفيت مؤخراً فضلت أن توصي بها لي، تعود بعض هذه الكُتب إلى عشرينات القرن الماضي. ما وجدته من كُتب قديمة فضلت الحفاظ عليه، لأني أشعر أنه أمانة، وليس من حقي التصرف فيه. * هل لديكِ شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ * أحتفظ بكثير من الصحف في مكتبتي في الجزائر، مثل: مجلة «آمال» الأدبية، ونسخ من جريدة «النصر» التي عمل فيها والدي كمصور وكانت تنشر فيها أسماء أدبية مُهمة قبل أن تنشر لي أولى تحقيقاتي الصحفية التي أنجزتها وأنا بعد طالبة في الجامعة مع صديقتي كريمة بن دراج. * هل يوجد في مكتبتكِ كُتب مُهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم، يوجد الكثير منها. * ما أطرف المواقف التي حصلت لكِ في البحث عن الكُتب؟ * طرائف كثيرة تحدث لي، لقد وعدت صديقة مثلاً أن أعيرها رواية اسمها «الوردة» لأمبيرتو إيكو، فبحثت عنها بين أكوام كُتبي لعدّة أيام، نظفت المكتبة بأجزائها في غرفة الجلوس، والنوم والسفرة فلم أجدها، اعتذرت منها وأنا حائرة أين اختفى الكتاب، ذات يوم زارني صديق وبمجرد دخوله في أول دقيقة مدّ يده إلى أحد الرفوف التي تحوي موسوعة عن السينما وأخرج الكتاب. هكذا بكل سهولة ودون عناء بحث، أنا صعقت، من المفاجأة ورحت أضحك كالمجنونة. ذات يوم أيضا قرأت عن كتاب نقدي حول نظرية القراءة، فبحثت عنه حتى حفيت قدماي، وحين وجدته عدت به إلى البيت سعيدة، وبدأت بقراءته، بعد يومين لمحت كتاباً بين الحائط وخزانة كُتب صغيرة في غرفة نومي، فسحبته وإذا به نفسه الكتاب الذي بحثت عنه، والمثير للضحك أني اكتشفت أني قرأته وفي قلبه وجدت ملخصا كاملاً له مع إشارات بخط يدي إلى بعض الفقرات فيه. لا تنتهي قصصي المضحكة مع كتبي.. يمكنني أن أسرد لك منها الكثير. * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبك؟ * ربما كتب غازي قهوجي رحمه الله، وكتاب «اسمع يا رضا» لأنيس فريحة. * بما أنكِ مُهتمة بالكُتب ما أبرز الكُتب التي تحرصين على قراءتها؟ * أعشق الرواية بالدرجة الأولى، والكُتب العلمية، كل ما له علاقة بالصحة والفضاء والفن التشكيلي والسينما يستهويني، مكتبتي منوعة على هذا الأساس. * هل يستفيد أبناؤكِ من مكتبتكِ في إعداد بحوثهم؟ * لديّ ابن وحيد أخذ مني عشقي للقراءة، عمره اليوم أربع وعشرون سنة ومع أن الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر مسيطرة على الشبيبة في عمره إلا أنه يعشق الكتاب الورقي، يقتني على الأقل كتابين كل شهر لكنه يعشق الأدب الأمريكي عن غيره. في صغره اعتمد كثيراً على الموسوعات التي أملكها في بحوثه، بعد انتقاله إلى الجامعة أهدى قسماً كبيراً من كتبه لمكتبة مدرسته، حتى تجد مكاناً جيداً لها، لأننا دوما نعاني من ضيق المكان. * ماذا تُفضلين.. المكتبة الإلكترونية أم المكتبة الرقمية؟ وما السبب؟ * تقصد أيها أفضل الرقمية أو الورقية؟ طبعاً أفضل الورقي أحب ملمس الكُتب ورائحتها، كما أني أقرأ كثيراً في الليل قبل النوم أو بسبب الأرق والأجهزة تزعجني بنورها، ثمة حميمية لا أجدها سوى في كتاب ورقي أحضنه. * ما رسالتُكِ التي توجِّهينها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * لا أدري إن كان لديّ رسالة فالمكتبة الخاصة إن لم يحبها الأولاد يجب ترك وصية رسمية لمنح الكُتب بعد وفاة الشخص لمن يستحقها، أو تدبير الأمر في حياته، مثلما أفعل. لديّ قناعة أن الاحتفاظ بالكُتب قد يكون مجحفا في حق قارئ ما لا يملكها. مثلاً لديّ مجموعة أخفيها في خزانتي لأني لا أحب أن يراها زواري ويطلبونها منّي، أعرف أن هذه أنانية لكني أعيد قراءتها من حين لآخر كوني أشتاق للغتها وأسلوبها، روايات الكاتب الجزائري عبدالعزيز غرمول، واللبناني جبور الدويهي، والسورية غادة السمان نموذجاً. * كلمة أخيرة؟ * هناك أطفال في هذا العالم الشاسع محرومون من الكُتب، أتمنى لو أن كل شخص مقتدر بإمكانه أن يرسل قصصاً لأطفال في قرى بعيدة أن يفعل، ثمة مدن في فرنسا مثلاً يضع سكانها الكُتب التي ينهون قراءتها على نوافذهم لعابري السبيل.. ليتنا نصل لهذا المستوى من الوعي. جانب من المكتبة ديوان «أبو الطيب المتنبي» عام 1937م بعض الكُتب والمجلات بالمكتبة رواية «تاء الخجل» مترجمة إلى ثلاث لغات رواية «شجرة اللبلاب»