كانت لي مساحة خاصة في مكتبة والدي للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الناقد والقاص أمل سالم الذي يغلب على مكتبه الطابع الأدبي، ففيها دواوين الشّعر، وكُتب الرواية، والنقد الأدبي، كذلك كُتب علوم اللغة من نحو وبلاغة وأدب، كما تحتوي على كُتب الفلسفة، والسياسة، والكُتب الدينية، وبها جزء علمي ككُتب الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجي، والجيولوجيا، والفلك بحكم دراسته العلمية. * في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * تفتحت عيناي فوجدت والدي -رحمة الله عليه- بعدما يعود من عمله يقرأ الكُتب الدينية، والتفاسير، ودواوين السنة، ويحرص على اقتنائها، وكلما فرغ من كتاب اشترى غيره. وكان في بيتنا دولاب زجاجي صغير به خمسة أرفف رصّت عليها الكُتب. ثم إن أمي اشترت لنا مجلة أطفال، وجلست تقرأ لنا، كان أبي يصلح لها ولنا نطق الكلمات إن أخطأنا، وداومنا على ذلك. وعندما ذهبت إلى المدرسة الابتدائية كان بها مكتبة أكبر، ثم ارتدت مكتبة قصر الثقافة في مدينتنا، وهكذا حدث ارتباط شرطي بين وقت الفراغ والقراءة. * هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * خصص لي أبي مساحة في أرفف مكتبته؛ كي أضع مجلات الأطفال، وما زلت أحتفظ بأعداد سبع سنوات هي كل ما صدر منها، هكذا صار لي ركنٌ في مكتبة البيت، كتبت عليه اسمي. وفي المرحلة الثانوية بدأت في شراء الكُتب، وامتلأ الدولاب! فعلقت أرففًا في جدار وبدأت أُشْغِله. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * لنذكر -مثلًا- معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ فمنذُ كنت شابًا وأنا أرتاده. في البداية كان الاقتناء عشوائيًا، بالتقادم صرت أشتري من دور النشر العربية، وأؤجل الشراء من المؤسسات المصرية؛ لأنها باقية طوال العام. ولا يمكن أن أدخل معرضاً للكتاب أو مكتبة تابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب أو لهيئة قصور الثقافة إلا وأجد كتابًا يناسبني وأشتريه. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * لأننا من صعيد مصر، فلم يكن لدينا في مدينتنا أي وسيلة للترفيه غير القراءة، وكان أهلونا يحرصون على التعليم العالي على الرغم من كلفته، في يوم أحضر أبي مجموعة من الكُتب من بيت عمه الذي كان يعمل وكيلًا لوزارة التربية والتعليم بالمحافظة، وقال لي: «هذه كُتب قيّمة، لكن بعضها منقوص أجزاؤه»، وبدأ في تكملتها، كانت كُتب تاريخ، وأدب، وعلوم اللغة العربية...، واستهواني أن أخوض في هذه المجالات المختلفة. * حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * تاريخ العالم، نشرة: «السير جون.أ. هامرتون» (Sir John Alexander Hammerton)، استوليت عليه من رف علوي يتبع مكتبة أبي، نقلته للرف السفلي التابع لمكتبتي؛ لما فيه من صور جميلة وخرائط وكان عمري عشر سنوات، صرت أقرأ فيه كل يوم ما استطعت. هذا الكتاب طبع عام 1948، وتصدت لترجمته إدارة الترجمة، التابعة لإدارة الثقافة العامة بوزارة المعارف العمومية، وكان لدينا الجزءان الأولان فقط، وعندما التحقت بالجامعة بحثت عنه حتى وجدت دار النشر التي تولت إعادة طبع الكتاب واقتنيت بقية أجزائه السبعة. من هذا الكتاب عرفت لجنة التأليف والترجمة والنشر، التي تأسست عام 1913 بمدرسة المعلمين بدرب الجماميز بالقاهرة، وتابعت كُتب هذه اللجنة، خاصة وأنه كان لدينا عدد منها. تعرفت على أسماء الرجال الذين حملوا الثقافة العربية في بدايات القرن العشرين على أكتافهم. يكفي أن أقول: إن عدد فصول كتاب تاريخ العالم 274 فصلًا، كتب كل فصل عالم أو عالمان، وترجمه واحد أو اثنان، وراجعه كذلك، ليصبح عدد كتّاب هذه الموسوعة 151 عالماً، وعدد مترجميها 60 مترجمًا. من هذا اللجنة تعرفت على خيرة كتاب ومفكرين ومترجمين، أذكر منهم: طه حسين، والعقاد، وأحمد أمين، وأحمد حسن الزيات، ود. أحمد زكي، وعبد الحميد فهمي مطر، ومحمد فريد أبو حديد، ومحمد بدران، ود. زكي نجيب محمود، وكثيرون، رحمة الله عليهم جميعاً بقدر ما أفادوا الإنسانية عامة والثقافة العربية خاصة. * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * ليس لديَّ مخطوطات في مكتبتي، وفي حال وجدت مخطوطة سأنشرها فوراً؛ كي يستطيع أحد المحققين العمل عليها بغية إفادة الدارسين المتخصصين، وإظهاراً للعلم؛ كما أوصانا رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام-. * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * إذا اعتبرنا أن مفهوم الكُتب القديمة: هي الكُتب التي طبعت في النصف الأول من القرن العشرين، فلها نصيب معقول من مكتبتي، ملحق تقويم النيل، لواضعه: أمين باشا سامي طبع عام 1936، الشهاب الراصد في الرد على كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين، وهذا الكتاب، تأليف: محمد لطفي جمعة طبع عام 1926، الغرائز وعلاقتها بالتربية، تأليف: الشيخ محمد حسنين الغمراوي بك طبع عام 1926. كليلة ودمنة طبع عام 1916، باكورة الكلام على حقوق النساء في الإسلام، للشيخ: حمزة فتح الله، وهو الكتاب الذي أهداه الوفد المصري للمؤتمر العلمي الثامن بإستكهولم عام 1889، والكتاب طبع عام 1890، هذا الكتاب يثبت أن الإسلام لم يتجاهل المرأة في يوم من الأيام كما يفترون، وإنما اهتم بها حتى في المؤتمرات العلمية، وكُتب كثيرة في هذه الفترة. كما لديّ بعض الكُتب التي لا توجد على شبكة الإنترنت، مثل: كتاب الجغرافية التجارية، من تأليف: حسين لبيب، طبع عام 1908. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * أحتفظ بعدد قليل من المجلات القديمة، المقتطف -مثلًا- أعداد 1935، وأيضاً مجلة المضمار أعداد عام 1922 وهي مجلة رياضية، واحتفظ بعدد غير قليل من مجلات الثمانينات والتسعينات الأدبية، كفصول، وإبداع، وأدب ونقد، والعربي الكويتية، والعلوم، وأقلام العراقية. * هل يوجد في مكتبتك كُتب بتوقيع مؤلفيها؟ * بحكم تواجدي في الوسط الأدبي فلديّ عدد كبير من الكُتب بتوقيع مؤلفيها لي، لكن الكتاب الذي أعتز به هو كتاب يوم 11 يوليه سنة 1882، للأمير عمر طوسون، وعليه كارت الأمير عمر طوسون، واهداء الكتاب لأحمد بك شكري. * يُقال إن المثقف له علاقة وطيدة بسور الأزبكية بالقاهرة.. ما سر هذه العلاقة؟ وما تاريخها في الثقافة المصرية؟ * لا يوجد قارئ عادي إلا وارتاد سور الأزبكية فما بالك بالمثقف، هناك علاقة وطيدة برائحة الكُتب التي تطالعك بمجرد الاقتراب من السور، يعرف المثقف بعد عدّة مرات من ارتياده للسور كل شيءٍ عنه، يعرف البائع الذي يبيع الكُتب النادرة، وبائع الكُتب القديمة، ومن يبيع الكُتب الرخيصة. سرعان ما تجد نفسك تمتلك هواتف هؤلاء الباعة ويعرفون هاتفك، يحادثونك عند عثورهم على طلبك أو كتاب أقرب لما تختاره، يحادثونك عندما يبيع ورثة أحد المثقفين أو الكتّاب مكتبته؛ ليخبروك؛ لتذهب فتختار ما يناسبك قبل عرضها للعامة.. أما عن كيفية معرفة السور، فببساطة اصطحبني كاتب أو مثقف أكبر مني سناً عندما كنت شاباً، هو بدور اصطحبه كاتب أكبر منه. سور الأزبكية ميراث المثقفين والكتّاب والقراء. * ما أطرف المواقف التي حصلت لك في البحث عن الكُتب؟ * من المواقف الطريفة عثوري على كتاب بإهداء مؤلف لآخر وكلاهما أحياء! دائماً ما أعثر على كُتب لم أكن أعرفها أو أسمع عنها، وأعجب بها عقب مطالعتها؛ مصادفةً قابلني كتاب المتنبي، للشيخ: محمود محمد شاكر -رحمه الله- في يوم واحد ثلاث مرات، كأنه يريدني أن أقتنيه، فاشتريته، ومنذ هذه اللحظة وأنا أقرأ ما استطعت من مؤلفاته، بل ولا أمل من إعادة الفقرة عدّة مرات، ومنه قرأت كتابي طه حسين وعبدالوهاب عزام عن المتنبي، رحم الله الشيخ قضى حياته مدافعاً عن الإسلام والعربية. * ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * كتب الإبداع بالدرجة الأولى؛ الشّعر والرواية والقصة، يليها كُتب التاريخ، والكُتب الدينية، ثم الثقافة العامة المتحصل عليها من بعض قراءات الفلسفة والنقد والسياسة وعلوم اللغة العربية. * هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في إعداد بحوثهم؟ * بالطبع، بل إنني أسمح بإعارة الكُتب لأقربائي ومعارفي بشروط، منها: تحديد مدة الاستعارة، أو كتاب مقابل آخر؛ لضمان عودة الكتاب. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * الكتاب الورقي لا يعلى عليه؛ الثقافة العربية هي الكتاب الورقي بالدرجة الأولى. وبالطبع لديّ مكتبة رقمية هائلة قمت بتنزيلها من المواقع المختلفة، لكن بعض الكُتب الرقمية عندما أريد قراءتها أقوم بطباعتها وتجليدها كالكتاب الورقي تماماً. والسبب في تفضيلي الكُتب الورقية أنني أشعر أن أصابعي عندما تمر على أسطر الكتاب الورقي فإنها تقرؤه مثل العين تماماً. * هل مكتبتك متخصصة أو متنوّعة؟ * مكتبتي متنوعة. * ما القراءة بنظرك؟ * أن تعي الإنسان، أن تدرك الوجود، أن تعرف الله -عز وجل- حق معرفته. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * أن يعتبر مكتبته ابناً من أبنائه، يفهرسها، ينظفها دائماً، يجملها بالزخارف اللائقة، يداوم الاتصال بها كل يوم، ولا يمن بمحتوياتها على أهل العلم وطلابه، ويوصي بها بعد وفاته لأهلها؛ فإن كان أهله أهل علم فلهم، وإلا فليوصِ بها لمؤسسة تعليمية أو ثقافية. * كلمة أخيرة. * أودّ أن أعبر عن خالص امتناني بوجودي في معية جريدة «الرياض» الغراء، وفي صحبتكم الزكية أ. بكر هذال من خلال هذه الصفحة التي أتاحت لي أن أجوّل في ذكريات مكتبتي، ومشقتي في جمعها. صورة حديثة لسور الأزبكية بالقاهرة موسوعة «التاريخ الإسلامي» وتتضمن تاريخ المملكة العربية السعودية كتاب «تاريخ العالم» كتاب «سيرة عمر بن الخطاب» لابن الجوزي كتاب «المتنبي» كتاب «الجغرافية التجارية» العام 1908م كتاب «المقتطف» العام 1935م مجلة «التراث الشعبي» العام 1974م مجلة «الأقلام» العراقية مجلة «إبداع» العام 1985م ملحق «تقوم النيل» العام 1936م كتاب «الشهاب الراصد» العام 1926م مجلة «العلوم الكويتية» أحد مؤلفات الضيف