أيتها النفس كوني قوية وعظيمة عندما تنطلقين في فضائكِ الرحب لا تنداح فيكِ سحنة ولا تكونِ لجوجة، وإنما خُذي غمرتكِ من عالم النفوس لا المادة وحسب؛ أي ذاتكِ ومحيطكِ الواسع. فكم من نفسٍ تاهت خارج عالمها أو ركبت مركبًا ليست أهلًا له واتخذت موضعًا تحسبه مناسبًا لها، هي ظلمات فوق ظلمات وموج يتبعهُ موج. هكذا يكون المنطق (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) فما هذه الحكمة الفاضلة التي تدرك أن للنفوس طاقة فكل نفس لها طاقتها الخاصة، وقس على القوة والشجاعة والعلم والأخلاق. إلخ. أمورٌ كثيرة تحيط بنا ولعنا نستشف سر تحملنا للأشياء وما مدى قدرتنا على الاستيعاب إن وجدنا هذا السر الكامن في ذواتنا. فمن وجد نفسه وعرفها حق معرفة فهذا هو الفوز العظيم (لَهَا مَا كَسَبَتْ) عندما يكون الإنسان متدبرًا في كل شؤونه سالكًا طريقه الصحيح ومتمسكًا بميزان العدالة الإنسانية؛ فهو المُكتسب لجميع الصفات الحسنة. (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) حينما يخامرها الشك والتوهان فما لها إلا أن تعترف وتغر بهذا الخذلان (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) كم هو جميل الاعتراف عندما تجلس مع نفسك وتحدثها أنك أخطأت ولم تحسن صنعًا، فحديثك مع نفسك كأنكَ تحادث رب السماء وتقول له إن هذا الحمل لثقيلٌ عليَّ كما هو على من قبلي (رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) هنا تدخل القبلية بهذا الموضوع؛ فالأقوام السابقة جربت هذا المضمار وركبها الغرور وتصورت نفسها أنها قادرة على خوض الأهوال وتحدي القوانين والنواميس الكونية الثابتة؛ فكل شيء في موضعه وكل شيءٍ مقدرٌ تقديرًا؛ لا زيادة فيه ولا نقصان. فإن فهمنا هذه المعادلة حققنا كل ما نريده بفترة زمنية بسيطة. فالأمم السابقة لم تستوعب مدى قوتها الذاتية الكامنة فيها؛ فقد غرها مظهر قوتها ودخلت في فلك الأهوال وانتهت بسرعة جنونية، وخذ أقرب الشواهد في حال ألمانيا النازية التي ما أن بدأت حتى انتهت سريعًا، لأن قلوب القوم واهنة كبيت العنكبوت! (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا) هي دعوة صريحة ظاهرة؛ أن لا تكون المسؤولية ثقيلة وأن التوازن مطلوبٌ في المكابدة والجهد؛ حتى في طلب العلم؛ فكل شيءٍ له أوانه، لهذا تكون سعة الرحمة والعفو فواصل بين أمرٍ وأمر؛ كي لا تكون الجهود دفعةٌ واحدة. وفي ضفةٍ أخرى يتجلى سؤال العون في طلب القوة الروحية العليا:(أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، إثبات الضعف والحاجة لنصرٍ ومؤازرة على كل من طغى وظلم بغير حق.