تتهادى مقومات النجاح الإعلامي مع كل أداة، وسيلة، وتقنية أضافت الجديد لتلبي شغف الإنسان في بداياته في الحصول على المعلومة والتعرف على ما يدور في العالم من حوله، وكان ينهض شاعراً بتغير الحال وارتقاء المجتمع مع كل ثورة من الثورات الصناعية الخمس التي نعيش الان في كنف ثورة الذكاء الاصطناعي بحلوله وأدواته. ولكن الحقيقة أن الإعلام يتطور ويتطور معه المستخدم من متلقي سلبي للمعلومة راضياً بالنزر القليل ليصبح متفاعلاً مع المعلومة ثم صانعاً للمعلومة ويتبادل الأدوار ما بين مرسل ومستقبل حتى استقر به الحال في وفرة المصادر وتعدد الوسائل وتنوع أدوات النفاذ متلقي ومتذكر انتقائي. نعم إنها الثورة الخامسة التي أجبرت الإنسان على الإيمان بانهيار السياق فأصبح لا يجد مصدراً واحداً للمعلومة بل مصادر متنوعة وتاه بين المعلومات المضللة والأخبار الزائفة. وكذلك السياسة أسقت الإنسان من ذات المعين وبنفس الكأس ليتجرع تحول الحال من عصبة للأمم تهدف لتفعيل نظريات السياسة المثالية لتنهي بزعمها مآسي مر بها الإنسان خلال حروب عالمية ودولية راح ضحيتها ملايين الأبرياء وخسرت البشرية مليارات الدولارات بإقامة محاكم عدل دولية ومجلس أمن ومنظمات لحماية حقوق الإنسان لتمنع استخدام القوة العسكرية لحل النزاعات بين الدول، لنجد الحرب الباردة تُصدع هذه المثالية السياسية التي جمدت الآمال الإمبريالية وقيدت التوسع الذي فيما سبق كان يتم عبر ما أسماه منظري المدرسة الألمانية السياسية في عصرها المزدهر راتزل وكلين وهاوسهوفر مؤسس معهد ميونخ للجيوبولتيك 1924م "الحدود ليست مقدسة" وقولهم بأن الدولة كائن حي يكبرُ كالإنسان وتضيق عليه ملابسه فتتوسع الدولة أو أن غيرها سيتوسع على حسابها. نعود مرة أخرى لنقرأ تحول سياسة صانعي القرار من النظريات السياسية المثالية إلى النظريات السياسية الواقعية والتي تبحث فيها كل دولة عن مصالحها بتوظيف كل الطرق دون اقتحام الحدود عسكرياً ولكن بتجاوز الحدود الشفافة ثقافياً، سياسياً، اقتصادياً، ولوجستياً حتى يتمكنوا من مفاصل الدولة فينصهر المجتمع في بوتقة شكلتها الإمبريالية الجديدة. نعم فلذلك سعت الدول لتحرر أنفسها من حتمية التقنية والانصياع لما يريده مالك القرار التقني لتنقذ نفسها من الإمبريالية الجديدة فنجد المملكة العربية السعودية في منتصف عام 2024 "عام الإبل" تقف، كما هي، شامخة بسواعد حراس الأمن السيبراني في الهيئة السعودية للذكاء الاصطناعي "SDAIA" لتقول للعالم في بيان رسمي معلن لم يعلن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 2016م عن رؤية 2030 للاستعراض بل للتفرد والتميز والإبهار فنجد قنوات الإعلام هذه الأيام تتداول حالات الانهيار في المطارات، والشلل في البنوك والمصارف والشركات والتخوف من فقدان المال واختراق الخصوصية وانكسار الأمان التقني. هنيئاً لنا بوطننا فاليوم نتبوأ المملكة المرتبة الثانية من بين 170 دولة في مؤشر تنمية الاتصالات والتقنية للعام 2024 فشكراً لخادم الحرمين ولسمو ولي عهد الأمين لأن الحدود الشفافة تقنياً لا تخيفنا فنحن شعب طويق وكفى. * استاذ الإعلام والعلاقات العامة الدولية