ينالُ الفتى من عيشهِ وهو جاهلٌ ويُكْدِي الفَتَى في دَهْرِهِ وَهْوَ عَالِمٌ ولَوْ كانَتِ الأرزَاقُ تَجْري على الحِجَا هلكْنَ إذَنْ مِنْ جَهْلِهنَّ البَهَائِمُ «أبو تمام» يعتقد بعض الباحثين أن هذا العام (2016م) سيكون عام الذكاء الاصطناعي، حيث ستبدأ هذه التقنية في الحلول مكان «عصر الشاشة» كواحدة من الاتجاهات الاستهلاكية الساخنة. فبعد نحو 70 عامًا من عصر الشاشة الذي بدأ مع التلفاز، أصبح الناس يقضون المزيد من الوقت للبحث في شاشات هواتفهم النقالة، أكثر من أي نشاط آخر. ولكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي بمختلف أشكاله بما فيها الأجهزة القابلة للبس كالساعات والنظارات الذكية، سيصبح الذكاء الاصطناعي هو مفتاح التواصل وتوفير المعلومات، دون الحاجة إلى النظر في أي شاشة. وعلى الرغم من الركود الذي خيم على الذكاء الاصطناعي لمدة تتراوح بين 20-30 سنة، فإن هناك قفزة هائلة في حجم الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة الماضية. فأهم عشر شركات مهتمة بتقنية المعلومات تتنافس اليوم بشكل مسعور على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. فشركة أبل، وغوغل، ومايكروسوفت، وتويتر، وغيرها أصبحت لها مشاريعها المميزة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وغدت محتكرة لهذه التقنية. وفقا لمعهد ماكينزي، فإن واحدة من كل خمس شركات أمريكية سوف تختفي خلال السنوات الخمس القادمة. ويعزى ذلك بشكل أساس إلى دخول الذكاء الاصطناعي في معترك الأعمال، وأثره الكبير في القرارات الاستثمارية في السنوات القادمة. ومن المتوقع أن ترتفع إيرادات قطاع البرمجيات في الذكاء الاصطناعي وحدها من 5 بلايين في العام الماضي (2015م) لتصل إلى 12.5 بليون دولار في العام 2020م، أي بنسبة نمو سنوي تربو على 20%. وتوقعت دراسة قام بها هذا العام مجموعة من الباحثين من شركة مجموعة التحليل (.Analysis Group, Inc)، أن يتراوح التأثير المتعلق باستخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي بين 1.49 وَ2.95 تريليون للفترة من العام 2015م حتى العام 2025م. بل إن أكثر تنبؤاتهم تفاؤلا تتوقع تأثيرًا يبلغ 5.89 تريليون دولار لنفس الفترة. ومع الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي وخاصة في مجال التحليلات التنبؤية، فإنه يعتقد بأن 62% من المنظمات في العالم سوف تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2018. ويقدر حجم سوق التحليلات التنبؤية المبنية على الذكاء الاصطناعي ب 70 بليون دولار بحلول العام 2020م، بعد إن كان 8.2 بليون دولار في العام 2013 (المصدر: IDC). وبلغ مجموع الاستثمار العالمي في تقنية الذكاء الاصطناعي نحو 70 بليون دولار، منها 8 بلايين استثمرت خلال الخمس السنوات الماضية. وازداد عدد الشركات المهتمة بالذكاء الاصطناعي نحو 6 أضعاف خلال بضع سنين، ليتجاوز 930 منشأة، تأسست 639 منها منذ العام 2011. ويبلغ عدد المنشآت منها في الولاياتالمتحدة وحدها 532، تليها بمسافة المملكة المتحدة ب 73 منشأة، وتتبعها الهند ب 67 منشأة. وفي الوقت الذي يحتل فيه الكيان الصهيوني المرتبة الرابعة ب 30 منشأة، فلا توجد على ساحة الوطن العربي كله منشأة واحدة في مجال الذكاء الاصطناعي. إنها معلومة جديرة بالتأمل لمن يريد معرفة مستقبل الوطن العربي ووضعه بين الأمم. وعمدت غوغل وحدها مؤخرا إلى شراء أكثر من 14 شركة منتجة للذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي. وهي متجهة بتصميم لتحويل منتجها الرئيس من محركات البحث التي تمثل 80% من دخلها الآن، إلى الذكاء الاصطناعي. ومع أن أمريكا وبريطانيا وكندا تتقدم في قيادة صناعة الذكاء الاصطناعي، فإن بعض دول آسيا يبدو أنها ستكون في طليعة الثورة الصناعية الرابعة التي ترتكز على التشغيل الذاتي والإنسان الآلي، فالهندوالصين وكوريا واليابان تسعى لأن يكون لها موطئ قدم في سباق الذكاء الاصطناعي، لتحقيق قيمة اقتصادية كبيرة مستقبلًا. ففي الهند ساهمت قوة البنية التحتية في مجال الرياضيات وخدمات تقنية المعلومات في جذب استثمارات عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من صغر حجم سنغافورة، فقد أحرزت جامعة نانيانغ التكنولوجية تقدمًا كبيرًا من خلال تصنيع إنسان آلي شديد التعقيد. وضخَّ القطاع الخاص في الصين أموالًا ضخمة وحقق تقدمًا كبيرًا في تعزيز صناعة الذكاء الاصطناعي. والذكاء الاصطناعي ليس مبنيًا على العمالة المكثفة. بل على العكس من ذلك، فهو لا يتطلب سوى رأس المال وقلة من العلماء والماهرين. وقد نستغرب إذا علمنا أن 90% من المنظمات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يتجاوز عدد موظفي كل منها 50 شخصًا. وهذه فرصة عظيمة للدول العربية التي تمتلك المال لاستقطاب عدد قليل من العلماء العرب وغيرهم والعمل على بناء المستقبل العربي على أسس علمية صحيحة. لا شك أن هناك حاجة لإرادة سياسية في تحديد الرؤية وحشد الإمكانيات في هذا الاتجاه بدءًا من مناهج التعليم. ولكن على الجامعات العربية بشكل خاص دورا هامًا في خلق الوعي والاهتمام لدى القطاع الخاص، واستشراف المستقبل لتوجيه جزء كبير من الجهود والبحوث النظرية والتطبيقية في هذا المجال، بدلًا من هدر الطاقات في تقنيات واهتمامات لا مستقبل لها أو في مجالات خبا ضوؤها منذ سنوات. هناك فرصة سانحة للعرب للأخذ بأسباب التقدم العلمي والنهضة الاقتصادية من خلال الاستثمار الجدي في مجال الذكاء الاصطناعي. فبدلًا من جلب وتكديس عشرات الملايين من العمالة الآسيوية الجاهلة وهدر كل ريع البترول الناضب على صناعات تقليدية ونشاطات غير منتجة، مازالت لدينا اليوم فرصة ممكنة للتغيير واللحاق بركب الأمم الناهضة التي تبني مستقبلها، قبل أن نصبح خارج العصر.