الثروة البشرية الشابة، والمطلوبة على مستوى العالم. حيث يمتاز العالم العربي بوجود حوالي 60 % من سكانه من فئة الشباب، في الوقت الذي تشتكي فيه الدول المتقدمة من الشيخوخة السكانية. هذه الثروة الغالية والمهملة لو تم التركيز عليها تعليماً وتأهيلاً وبالشكل صحيح، ستغير مستقبل العالم العربي، وتقدم مساهمة إيجابية لمستقبل الإنسانية.. ليست مهملة فقط، لكنها تستخدم ضد استقرار البلدان العربية ونموها. أنا لا أكتب عن الثروات في باطن الأرض العربية، ولا المساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا الموقع الجغرافي المتميز بين قارات العالم، لكني أتحدث عن الأهم، وهو الثروة البشرية الشابة، والمطلوبة على مستوى العالم. حيث يمتاز العالم العربي بوجود حوالي 60 % من سكانه من فئة الشباب، في الوقت الذي تشتكي فيه الدول المتقدمة من الشيخوخة السكانية. هذه الثروة الغالية والمهملة لو تم التركيز عليها تعليماً وتأهيلاً وبالشكل صحيح، ستغير مستقبل العالم العربي، وتقدم مساهمة إيجابية لمستقبل الإنسانية. وهو ما يجب أن نؤمن به، ونتطلع إليه لنكون مؤثرين ومساهمين في بناء عالم أفضل. عالم اليوم بحاجة إلى المزيد من العمالة الماهرة، وإلى علماء ومبتكرين ومهندسين وفنيين وإداريين يتمتعون بالتأهيل الجيد للقيام بما يتطلبه عالم اليوم المتغير من أنشطة. والأهم إعداد قادة متميزين يديرون مختلف الأنشطة، من رياض الأطفال، إلى قيادة الدول ووزاراتها وهيئاتها المختلفة، مروراً بالجامعات والمصانع والخدمات بمختلف أنشطتها. العالم العربي اليوم تفتك به أمراض كثيرة من أخطرها الفساد بنوعيه المالي والإداري، والجهل والفقر والمرض والحروب الداخلية. ومن أخطر أمراضه الطائفية، والحزبية، وبالأخص الأحزاب الدينية، ومنها الأحزاب المسلحة التي أنشأتها إيران في الدول التي تسيطر عليها، وحزب الإخوان المسلمين المتغلغل في صلب مناهج التعليم في أكثر من دولة عربية. أمام هذه النظرة المتشائمة، يبرز الأمل من قلب الجزيرة العربية، وبالأخص من دول مجلس التعاون الخليجي، لتعطي مثالاً يحتذى في الخطوات المطلوبة للنهوض بالأمة، علمياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. ولتعظيم هذه النهضة وتعميمها لبقية الدول العربية علينا أن نركز في المستقبل على النقاط الآتية: أولاً. إذا نجحت الثورة الإيرانية في التغلغل داخل المجتمعات العربية انطلاقاً من ثغرة مذهبية وطائفية وبهدف التوسع ونشر نفوذها، فلماذا لا ننجح في تغيير الواقع للأحسن في كثير من الدول العربية. خصوصاً أن الهدف ليس السيطرة وإثارة الفتن بين أبناء الشعب الواحد، بل التنمية ورفع مستوى المعيشة للشعب، وأن تكون الفائدة مشتركة. قد يكون التاثير على دولة، أو جزء من الدولة كما هو في اليمن (الحكومة الشرعية) أو العراق (كردستان)، أو ما تسيطر عليه الحكومة الشرعية في ليبيا والصومال. وحين يقوى ويزدهر جزء من الدولة يؤثر على الجزء الآخر منها ولو بعد حين. ثانياً. التعليم الجيد بمناهجه الخالية من كل أنواع الأدلجة هو البداية الصحيحة للتعامل مع معظم التحديات التي تواجه الدول العربية، وهو ليس حلّا آنيا، لكنه الخطوة الأولى والأهم، وقطع مسافة الألف ميل يبدأ بخطوة. الدول العربية بحاجة إلى ثورة في مجال التعليم تبدأ بتطوير المناهج، بدءاً بالمعلم أهم عناصر العملية التعليمية، وأهم أسباب نجاحها أو فشلها. التعليم والتدريب المهني من أهم ما تحتاجه الشعوب العربية لمكافحة الأمراض المذكورة في مقدمة المقال. يجب أن توجه المساعدات للدولة المقصودة، "سواء المساعدات الحكومية أو الصناديق العربية والمؤسسات غير الربحية" إلى التأسيس لتعليم قوي يبدأ برياض الأطفال، ويركز على قيمة حب الوطن، وإيضاح مخاطر الطائفية والحزبية والمذهبية على وحدة الوطن واستقراره. يجب أن يتشبع جيل المستقبل بحب الوطن، ومعرفة أنه المظلة التي تنضوي تحتها جميع الانتماءات الأخرى. ثالثاً. الاهتمام بالنشاط الاقتصادي، مع التركيز على الميزة النسبية لكل دولة. وليكون من أهم أهدافه الإنتاج والتصدير، وخلق الوظائف لمكافحة البطالة، فالاقتصاد هو الداعم لبقية الأنشطة. وحين ترغب دولة عربية في تحسين اقتصادها فيجب مدّ يد العون لها، لتبدأ من حيث انتهى الآخرون. وللمملكة العربية السعودية تجربة رائدة وناجحة في وضع الرؤية وبرامجها وأهدافها ومستهدفات كل برنامج. والاقتصاد بحاجة إلى قوانين وأنظمة تحمي المستثمر المحلي والأجنبي، وتظمن حرية دخول الأموال وخروجها عن طريق القنوات الرسمية. وهذا هو ما سيشجع الشركات الأجنبية التي لديها القدرة على الاستثمار في التصنيع، وتصدير المنتجات الصناعية والزراعية والسمكية التي تفيض عن حاجة المستهلك إلى الأسواق العالمية، بدل أن تباع بمبالغ زهيدة لا تشجع على التوسع والنجاح، وهو ما حصل لكثير من الدول العربية بعد رحيل الشركات العالمية نتيجة التأميم ووضع قوانين محبطة للاستثمار. دول مجلس التعاون أضاءت أنواراً في عتمة الليل الطويل، وأثبتت أن النهضة والتقدم أساسهما التعليم الجيد، والتدريب المهني الناجح، مع التركيز على الاقتصاد ومكافحة الفساد. هذه العناصر المهمة لا غنى عنها لكل تقدم ونهضة. والتركيز عليها هو المطلوب لبناء عالم عربي قوي، يخرج ملايين الأفراد من دائرة الفقر المدقع إلى حالة الكفاف المطلوبة للعيش الرغيد والكريم.