عندما نتحدث عن محافظة الطائف لا نتحدث عن الطبيعة الساحرة والمناخ المعتدل لا نتحدث عن المدينة الحالمة المتربعة على قمة جبل غزوان بارتفاع يزيد على 2000 متر فوق سطح البحر، وإنما نتحدث عن عراقة الحضارة الإسلامية بمقوماتها الدينية وتاريخها المعاصر الذي جعل منها وجهة للمعتمرين والحجاج لخوض تجربة فريدة لا تجود دول العالم بمثلها. فالطائف تخطت الحدود الضيقة للمفهوم التقليدي في زيارتها كوجهة سياحية قائمة على خصائص طبيعية ومقومات متنوعة إلى وجهة دينية تأتي على قائمة أولويات الزائر وقاصدي المناطق المقدسة للاستكشاف والتعرف على ما تحويه من إرث وحضارة اكتسبتها من ارتباطها بالتاريخ فقد عرفت بأنها ثالث المدن الحضرية قبل الإسلام بعد مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. وعلاوة على موقعها الاستراتيجي ووصفها بالبوابة الشرقيةلمكةالمكرمة يمتد تاريخها من العصر الجاهلي وصدر الإسلام وارتبطت بالسيرة النبوية منذ رضاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وطفولته مع مرضعته حليمة السعدية في بني سعد جنوبالطائف. وتأتي الطائف "جارة الحرم" على قائمة الأماكن التي يؤمها القادمون من كل فج عميق بعد أداء مناسكهم فتختصر الزمن كدليل مادي على الأدلة القولية فيستشعر الزائر عظمة المكان والاحداث ويعيش لحظات التاريخ فتتجلى المشاعر وتفيض عند زيارتهم للمعالم والمواقع الدينية ففي ثنايا صفحات التاريخ يتلازم الزمان والمكان شاهدان على الأحداث المهمة وتعود بالزائر إلى الوراء وفي المكان نفسه يتأمل المواقع الأثرية والمساجد التاريخية موطئ قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه – رضي الله عنهم- ويعاينها واقعا على الأرض. ومحافظة الطائف تمثل منطقة اتصال مباشر بالأراضي المقدسة ففي الذهاب ميقات للحج والعمرة ومعبر للمعتمر والحاج للوصول لبيت الله الحرام وأداء المناسك وفي الإياب وجهة تحتضن أقدم الحضارات الدينية ويقصدها الزائر لمشاهدة المعالم والأماكن المرتبطة بالتاريخ الإسلامي أبرزها المساجد لما لها من مكانة كبيرة في نفوس المسلمين ولكونها امتداد للحضارة الإسلامية ويعود تاريخ بعضها لأكثر من 1200 عام. على سبيل المثال لا الحصر مسجد الصحابي عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- ومسجد الكوع الذي قيل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به ومسجد عداس وغيرها إضافة إلى المواقع التاريخية والأثرية التي تعكس العمق الديني والتاريخ لمحافظة الطائف. وتعتبر زيارتها بعد مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة الأغنى في عمومية إثراء التجربة الدينية والثقافية وتعميقها فلا يمكن اجتزاؤها من السياق الزمني للأحداث التاريخية أو اختصار مراحله المرتبطة بالإسلام وأحداثه المتعاقبة وشواهده المرتبطة بالكثير من الأحداث الفاصلة. ويهيمن على المشهد توافد أفواج المعتمرين والحجاج لمحافظة الطائف قاصدين الأماكن الدالة على سمو رسالة الإسلام وتوسعها فما كان بالأمس قصصا تروى لهم عن المكان والأحداث التاريخية والشواهد، وتملأهم شوقا وحنينا لزيارتها بعد "مكةوالمدينة" أصبحت واقعا ملموسا يحدث اليوم بشعور يملأ قلوبهم فرحا بوجودهم في أماكن مر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- وتعظيم واستشعار تميز المسلمين في عقيدتهم وعباداتهم.