تحتضن المملكة الكثير من الآثار والأماكن التاريخية، التي يعود عمرها لآلاف السنين وتشكل مدائن صالح بمنطقة العلا في طرفها الشمالي ومنطقة الأخدود في طرفها الجنوبي أحد أبرز الشواهد التاريخية لأقوام عاشت هناك، ومن ثمّ انتهى بها المطاف لتتحول إلى أطلال تذكر في الكتب والدراسات التاريخية، لكن الجانب المهم الذي يراه كثير من المؤرخين والمختصين بالحضارات السابقة هو قلة الاهتمام من قبل الجهات المختصة بهذه الأماكن الأثرية الذي يطمس آثار وحضارات أمم سابقة كان لها تاريخ وماض في هذه البقاع، عدى عن استثمارها وتحويلها إلى أماكن سياحية يقصدها السائحون والزائرون من كل مكان، ويعود عائدها لخدمة الوطن. وفي عدد سابق بتاريخ (15/7/2001) تناولت (الرسالة) موضوع (السياحة الدينية) وأهمية الاعتناء بها. حيث عبر المشاركون عن ضرورة مراجعة النظر الشرعي في هذا الموضوع حيث إنه يعد أهم الأسباب التي كانت تقف أمام تطوير هذه الصناعة، وهذا راجع على حد تعبير البعض إلى المواقف التي يقف فيها بعض الشرعيين موقف المتحفظ أو المحرم لهذه الظاهرة، نظرًا لاستنادهم إلى بعض النصوص الشرعية التي تنهى عن زيارة أماكن العذاب كمدائن صالح وغيرها، حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لما مر على مدائن صالح قال لأصحابه: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين؛ لئلا يصيبكم ما أصابهم»، ومع توجّه الدولة إلى تطوير مرافق السياحة واهتمام الكثير من غير المسلمين بالتعرف على الإسلام بصفة عامة، ومعرفة الحقائق التاريخية في المواقع التاريخية الموجودة بالمملكة، وتطور وسائل الاتصالات والمواصلات، كل ذلك يستدعي أهمية تقديم دراسات ورؤى شرعية جديدة، وإعادة دارسة ما يعرف بفقه السياحة من منظور شرعي جديد يراعي الأحداث والمستجدات على الساحة. التدبر في الآثار ومما أشير له في ذلك الملف أنّ القضية ليست متعلقة بحرمة زيارة الأماكن التي أنزل الله على أقوامها العذاب، فمدائن صالح على سبيل المثال والموجودة في محافظة العلا ليست هي المنطقة التي وقع عليها العذاب، فهي عبارة عن مدينة نبطية لا يوجد ما يشير أو يثبت إلى أنّ قوم صالح الذين عذبهم الله كانوا موجودين في منطقة مدائن صالح، متسائلًا عن ماهية وجود حرمة من زيارة الآثار التاريخية، حيث إنّ هناك نصوصًا كثيرة تدعو للتدبر بالأقوام الآخرين لما مر وحلّ بهم من العذاب، إضافة إلى أنّ بعضًا من الصحابة كانوا قد مروا على آثار القوم المعذبين أثناء حلهم وترحالهم، ومن هنا فإنّ زيارات الأماكن التاريخية والتردد عليها تعطي الإنسان الاستفادة من تجارب الماضي ومعرفة الأقوام الذين حلّ عليهم العذاب. وينادي كثير من الباحثين والمهتمين بأهمية إيجاد دراسات علمية شرعية في ما يعرف بفقه السياحة من منظور شرعي جديد يراعي الأحداث والمستجدات على الساحة لأن الشريعة الإسلامية قابلة للتكيّف مع كل زمان ومكان، وهي قادرة على استيعاب المتغيرات ضمن ضوابط الكتاب والسنة، ولا يوجد أي عائق في إيجاد فقه سياحي من قبل الفقهاء والباحثين والشرعيين لخدمة أهداف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن السائح الأجنبي حينما يأتي إلى المملكة فإنّه حتمًا يتعرف على القيمة الحقيقية لهذا البلد وما له من تاريخ عريق في بناء الحضارات الأخرى. استقطاب السائحين ويؤيد خبراء اقتصاديون أهمية برامج التنشيط السياحي التي تستهدف زيارة الآثار الإسلامية والتاريخية، لأن تفعيل السياحة التاريخية في المنطقة من شأنه أن يستقطب ملايين السياح والزوار حول العالم كل عام، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، كما أنّ منطقة الأخدود التي ذكرت بالقرآن في مدينة نجران تعدّ من المناطق الأثرية المهمة بالمملكة والتي من الممكن أن تستثمر في تعريف السائحين الأجانب لتوضيح وكشف حقيقية اليهود، وكيفية قيامهم بحرق وقتل المسيحيين في تلك المنطقة ودفنهم بها، وكذلك مدائن صالح، والعديد من المناطق التاريخية الأثرية الإسلامية في مكةوالمدينة والتي من الممكن أن تستثمر. والعناية بالآثار القديمة له أهميته لأنها تعدّ تسجيلًا لتأريخ الأقوام في القرون الخالية الأمر الذي تتم دراسته من قبل الكليات والأقسام الموجودة في الجامعات للتعرف على التاريخ القديم. كما يؤكد الخبراء أنه إذا ما أعيد ترميم الآثار الإسلامية أو التاريخية في مكةوالمدينة ومنطقة الأخدود ومدائن صالح وغيرها من الآثار، وفتح المجال أمام السائحين في العالم لزيارتها فإن المملكة ستكون من أوائل الدول في المجال السياحي. كما نادى بعض المهتمين بضرورة إنشاء وزارة خاصة تعنى بالسياحة وتحويل الهيئة العامة للسياحة إلى وزارة من أجل تكثيف الجهود في المجال السياحي بالمملكة، وتفعيل السياحة الأثرية والدينية، وحينها سنضمن معدلات عليا في السياحة السنوية خاصة من خارج المملكة. لا نصوص صريحة ليست هناك نصوص صريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد حرمة زيارة الأماكن التاريخية، حيث إنّ الاجتهادات التي تنادي بمنع زيارة هذه الأماكن تدخل في باب سد الذرائع، وكذلك فإنّ هناك بعض الصحابة مروا على المناطق التاريخية للأقوام السابقة ولم ينكر عليهم أحد ذلك، كما أن هناك مصلحة ليا للبلاد من أجل تحسين وضعها الاقتصادي، وذلك عن طريق العمل على التطوير والتشجيع السياحي في المملكة. وفي ذات السياق تبدو الرعاية في المجال السياحي بالمملكة ضعيفة جدًا، نظرًا لعدم وجود برامج تثقيفية وتوعوية تعنى بتعريف الجمهور بقيمة تلك الأماكن التاريخية، والأحداث التاريخية المرتبطة بها على مر العصور، حتى المعتمرين والحجاج الذين يأتون إلى المملكة لا يعرفون ولا تقدم لهم معلومات عن تلك المناطق الأثرية الموجود مثلًا في منطقة مدائن صالح أو الأخدود، الأمر الذي يوجب إيجاد دراسات علمية تمثل الجانب الاقتصادي والشرعي من قبل القائمين على القطاع السياحي بالمملكة لإيجاد رؤية توافقية تؤدي إلى الارتقاء بهذا الجانب في المملكة وتدفع وتنمي عجلة السياحة الداخلية. أمر آخر يضاف إلى هذا الجانب وهو عدم توفير الخدمات العامة في تلك المناطق، بالإضافة إلى مؤكدًا إلى قلة معرفة ووعي المجتمع بالثقافة التاريخية بهذه الأماكن وحقيقة الأقوام الذين كانوا يقطنونها، ووجود نقص كبير في المجال التسويقي للأماكن الأثرية، من منشورات ومطبوعات وكتيبات.
ابن منيع: الآثار محط حضارات والاعتناء بها يعطي تفسيرًا لكتاب الله قال عضو هيئة كبار العلماء عبدالله بن منيع في تصريحات له نقلتها صحف محلية له عقب زيارته للمواقع الأثرية: «إن تلك المواقع والكنوز الأثرية هي في الواقع محط حضارات سابقة، وفي الوقت نفسه هي محل عبرة وعظة وزيارتها تعطي الكثير من التأثر، وكذلك التعلق وتقوية الإيمان بالله». ودعا ابن منيع زوار المواقع الأثرية إلى تقدير هذه الثروة الأثرية التي هي لهم ولبلادهم ولأهليهم ولأخلافهم، وأشاد الشيخ ابن منيع بما شاهده خلال زيارته للمواقع الأثرية في محافظة العلا من أعمال تنقيب تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وقال رأينا آثارًا جيدة من التنقيب عن القصور، ورأينا آثار هذه القصور، كما رأينا أساساتها وتفاصيل غرفها والطرق التي هي محل عبور فيما بين ساكنيها، فلا شك أنه مجهود مشكور، وسيعطي تفسيرًا جيدًا لكتاب الله في قوله سبحانه وتعالى:»وتتخذون من سهولها قصورًا». المطلق: هذه الآثار وثائق تاريخية حضارية يجب أن نحسن استغلالها أوضح عضو هيئة كبار العلماء عبد الله المطلق في ذات الزيارة أنه اطلع خلال الزيارة على حضارات متعاقبة في هذه البلاد، وهي حضارات الأنباط واللحيانيين وحضارة ثمود قوم صالح، معتبرًا أن جهود الهيئة في المحافظة على هذه الآثار تعد محافظة على آيات وعِبَر؛ لأن الله ذكر في كتابه الكريم هذه المواضع وغيرها، وجعلها آية لعباده المؤمنين بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت الأمم قبلهم، وكيف أثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها. وأكد المطلق أن قراءة التاريخ والآثار تبعث العبرة، وتحفظ التاريخ، وتخبر الأمة بماضيها العتيق، لتنشره وتصححه وتفاخر به، مضيفًا «قرأت التاريخ من وحي الآثار والاستدلال بالنقوش والخطوط، وما في هذه المواقع يصحح مسيرة التاريخ عن الأمم البائدة مثل دولة الأنباط، ودولة اللحيانيين وغيرهما، حيث إننا لا نرى ذكرًا شافيًا لها في مصادر التاريخ القديمة، وعسى أن نجد من أبنائنا ممن ينقبون عن المعلومات التاريخية في المصادر التاريخية ما يُغني ويُصحح وأكد أن هذه الآثار باعتبارها وثائق تاريخية حضارية يجب أن نحسن استغلالها.
أهم المعالم الأثرية الخالدة مدائن صالح: أو الحجر، وتعد منطقة قوم ثمود، ومن أهم آثارهم: واجهات صخرية منحوتة في الجبال تبعد 22 كم شمال شرقي العلا، تحوي كهوف ومقابر منحوتة في الجبال شمال وشمال شرق المدينةالمنورة، سكن الأنباط هذا المكان واتخذوه عاصمة جنوبية لدولتهم وكانت البتراء عاصمتهم الشمالية. الأخدود: مواقع أثرية في نجران، بها بقايا سور الأخدود، وبعض القصور والنقوش التي تعود للقرن السابع قبل الميلاد، وقد ورد ذكر الأخدود في القرآن الكريم في سورة البروج، ويعد الأخدود من المواقع الهامة في الجزيرة العربية. وقد قامت وكالة الآثار والمتاحف بالتنقيب في الموقع منذ عام 1402 ه وكانت النتائج مشجعة جدًا ففي منطقة القلعة تم الكشف عن سور خارجي كبير مشيد بالحجارة المربعة ومزين من الأعلى بشرفات دفاعية، وبداخل السور عدد من المباني الحجرية إضافة إلى كتابات ورسوم حيوانية، وتم الكشف أيضًا خارج القلعة على عدد من المقابر وأسس لمباني آثار مختلفة تعود إلى فترات بيزنطية وأموية وعباسية حتى عصور متأخرة، إضافة إلى سدود وقنوات ري. الفاو: نقطة تقاطع وادي الدواسر بسلسلة جبال طويق عند ثغرة جبل يطلق عليها الفاو، وتعد أهم القرى الأثرية الأقدم على مستوى الجزيرة العربية إن لم يكن على مستوى العالم، تجسد مثالا حيا للمدينة العربية قبل الإسلام حيث بها مساكن، وطرق وأسواق ومعابد ومقابر وآبار، إضافة إلى القنوات الزراعية. العلا: (الخريبة (كانت تسمى (ديدان)، وهي من أهم المناطق الحضرية لوقوعها على طريق التجارة، تقع بين المدينةالمنورة وتبوك. بها مقابر منحوتة في الجبال نحتًا هندسيًا نقوش دادانية ومعينية ولحيانية وثمودية ونبطية وكوفية، كما يوجد بها آثار عيون، وبقايا قلاع وسدود، تم بناء البلدة القديمة للعلا من أنقاض آثار ديدان ولحيان ومكان يسمونه محلب الناقة كما أن بها أبراج رصد طوالع النجوم والأهلة. الجعرانة: تقع على بعد 20 كلم شمال شرق مكةالمكرمة ، اكتسبت شهرة تاريخية بنزول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها وتوزيع الغنائم بها بعد عودته من غزوة حنين، بها مسجد جدد حديثًا، وآبار، ونقوش كتابية بخط كوفي يرجع تاريخها لصدر الإسلام على إحدى الصخور التي تقع قبل الوصول إلى المسجد بحوالي 2كلم يمينًا. جبل الرحمة: الجبل الذي يقف عليه الحاج يوم عرفة، به كتابات إسلامية مبكرة، وأخرى من القرن العاشر الهجري، ويتوسط قمته بناء كعلم للجبل، ويصعد إليه بواسطة درجات في جهته الجنوبية، وبأسفله من الناحيتين الجنوبية والغربية تم بناء قناة عين زبيدة، وبأسفله العديد من البرك القديمة التي كانت تملأ ماءًا يشرب منها الحجاج. سوق ذي مجاز: من أسواق العرب الرئيسية المندثرة يقع شمال شرق عرفات، لا تزال أطلال هذه السوق ماثلة للعيان، وقد قامت وكالة الآثار والمتاحف بتسويره. المساجد السبعة: وهي من أهم المعالم التي كان يزورها القادمون إلى المدينةالمنورة وتم طمسها حاليًا، وهي مجموعة مساجد صغيرة عددها الحقيقي ستة وليس سبعة ولكنها اشتهرت بهذا الاسم، نظرًا لإضافة البعض لمسجد القبلتين ضمن هذه المساجد. تقع هذه المساجد الصغيرة في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره المسلمون في عهد النبي محمد للدفاع عن المدينةالمنورة عندما زحفت إليها قريش والقبائل المتحالفة معها في السنة الخامسة للهجرة، ويُروى أنها كانت مواقع مرابطة ومراقبة في تلك الغزوة وقد سُمي كل مسجد باسم من رابط فيه،عدا مسجد الفتح الذي بُني في موقع قبة ضُربت للنبي محمد.