الشخصيات في هذا الوطن الغالي الذين خدموا وطنهم في أي مجال أو ميدان كثيرة جداً، ولا يمكن أن تحصى أو تُتقصى، وحينما نبحث ونسأل عن بعضهم نُفاجأ برجال كان لهم دور فعّال في هذا الوطن المعطاء، وكانوا ذوي نباهة وصدارة وقوة في الشخصية، وحضور في المشهد التاريخي والوطني، وبذلوا أنفسهم في خدمة الوطن بصدق وإخلاص وأمانة ووفاء ومحبة وتفانٍ، ومن تلك الشخصيات التي وصفتها بهذه الصفات القيادي عبدالله بن محمد بن حمد بن عبدالله بن ناصر السميري -رحمه الله- الذي كانت له مكانة اجتماعية في المملكة عندما أصبح في معية الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان نائباً للملك عبدالعزيز -رحمه الله- في الحجاز، وأصبح بمثابة المستشار له والمسؤول الإداري في النيابة، ومن تلك الأيام نال السميري المكانة والحظوة، والتي لم تأت من فراغ، حيث إنه شارك في بعض مراحل تأسيس الوطن في الأحساءوعسير، وبين هذين الحدثين مرافقته للملك فيصل في رحلته الأولى إلى بريطانيا عام 1918م، فكانت هذه الإسهامات رصيدًا قويًا له ازداد بها ثقةً لدى المؤسس، ولقد تميز السميري بالذكاء والفطنة وحضور البديهة والأجوبة المقنعة المفحمة. وُلد عبدالله بن محمد السميري في حي المريقب بالرياض عام 1314ه، وأسرة السميري أسرة قديمة في الرياض، ولها امتداد في الدرعية، وكان والده محمد قد اعتنى به هو وأخوته عناية شديدة وتربية مركزة وهم كالتالي؛ عبدالله، وهو أكبرهم سناً، ثم يلي ذلك من حيث السن إبراهيم وصالح وعبدالعزيز وسعد، وهؤلاء هم أخوته، إضافةً إلى عبدالعزيز وسلمان أبناء عمهم عبدالرحمن بن حمد السميري، وكلهم كان له دور كبير في خدمة الوطن وتولوا مناصب قيادية في الدولة. حفظ القرآن وعبدالله السميري - رحمه الله - أتم حفظ القرآن الكريم وأتقنه في مدارس الكتاتيب في الرياض، وكذلك إخوته، حيث كان والدهم محمد حريصاً على حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ العلوم الشرعية، فكانت نشأته مع بقية إخوته نشأةً صالحةً ومنبتاً حسنًا، هذا فضلاً عن التربية على الأخلاق والشيم العربية، فكانت أسرة جمعت بين التدين ومكارم الأخلاق، ويا سعادة من جمع بين هذين الأمرين العظيمين، فأكثر ما يثقل الموازين يوم القيامة التقوى وحسن الخلق، كما صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدرك أجر الصائم القائم، وفي هذا حديث: إن المسلم بحسن خلقه يدرك درجة الصائم القائم، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -، وبهذا عُرف شخصيتنا بالتدين وطيب الخلق، بل بالمروءة والفزعة وإغاثة المحتاج والملهوف، وتسخير جاهه عند الولاة لمن يلتجئ إليه من الناس، خاصةً عندما عمل مع الملك فيصل - رحمه الله - حينما كان نائب الملك المؤسس في الحجاز، الجدير بالذكر أن جد الأسرة الكريمة أسرة السميري ناصر كان معاصرًا لفترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الدرعية، وقد انتقلت الأسرة إلى الرياض حينما أصبحت عاصمة الحكم في الدولة السعودية الثانية. إلى بريطانيا في العام 1337ه الموافق 1918م جاءت دعوة إلى الملك عبدالعزيز - رحمه الله - من الملك جورج الخامس ملك بريطانيا لحضور احتفالات مناسبة انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وقد اختار الملك المؤسس ابنه الملك فيصل - رحمه الله - ليقوم بهذه الزيارة نيابةً عنه، ولا شك أن الملك المؤسس أراد من هذه الزيارة لابنه تدريباً له على فن السياسة والعلاقات الدبلوماسية، ليكون فيما بعد مبعوثه ويمثله أمام الدول وكان عمر الملك فيصل آنذاك 13 عاماً، وهي سن مبكرة، وكان اختيار المؤسس موفقاً، حيث أصبح الفيصل فيما بعد وزيرًا للخارجية، وقبل تعيينه وزيرًا قام برحلات إلى دول أوروبية وعربية أكسبته خبرات دبلوماسية، وهذه الرحلة هي أول رحلة خارجية يقوم بها، ورأس الملك فيصل الوفد ورافقه الأمير أحمد بن عبدالله آل ثنيان آل سعود، وهو رجل دولة، وكان يتقن الإنجليزية والفرنسية والتركية، وذا ثقافة عالية ودبلوماسي ماهر ومحنك، ويملك مواهب فذة وزار أوروبا ويتقن فن التعامل، ومن المرافقين للملك فيصل في هذه الرحلة عبدالله السميري، والشهير عبدالله القصيبي وعبدالعزيز الرباعي وعبدالرحمن بن سفيران، وكانت بداية الانطلاقة من البحرين على باخرة متجهة إلى بريطانيا، وقبلها توقفت الباخرة في الهند، ومكث الوفد السعودي برئاسة الملك فيصل ومعه الأمير أحمد آل ثنيان آل سعود والمرافقون عدة أيام في الهند، ثم ركبوا الباخرة مرةً أخرى للسفر إلى بريطانيا ووصلوا إلى ميناء بليموث، وهناك فيما بعد استقبل الملك جورج ملك بريطانيا الملك فيصل والوفد المرافق له، وكان اللقاء بتاريخ 1338ه في الخامس من صفر الموافق 30 أكتوبر 1919م في قصر باكنجهام، حيث سلّم الملك فيصل رسالة من والده إلى الملك جورج ومعها هدية تذكارية عبارة عن سيفين. زيارة معالم احتفت بريطانيا بالملك فيصل ومن معه من الوفد، وأقيم لهم برنامج زيارات لمعالم لندنوبريطانيا وما فيها من مصانع، وكان يرافق الوفد السيد المؤرخ الجغرافي العلامة عبدالله فلبي - رحمه الله -، وكان قد زار الرياض عام 1332ه وكتب عن رحلته هذه الأولى عن الرياض ورسم خريطة لها، وقد زار الملك فيصل والوفد المرافق له فرنسا تلبية لدعوة الحكومة الفرنسية ثم بلجيكا، ثم عاد إلى الرياض في منتصف جمادي الأولى عام 1338ه، وكانت هذه الزيارة ناجحة جداً ووسعت مدارك الفيصل في مجال العمل السياسي في ذلك السن، حيث التقى بقادة الدول الأوروبية، حيث يُعد أول شخصية من أبناء الملك المؤسس يزور أوروبا، وسوف تتبع هذه الزيارة زيارة لأوروبا وفيما بعد إلى أمريكا. حضور بديهة وذكر الباحث أحمد بن صالح السميري موقفاً لعمّه عبدالله السميري - رحمه الله - عندما زار الوفد السعودي برئاسة الملك فيصل إحدى القصور في لندن، اندهش بعضهم بهذه العمارة والإضاءة، ولأول مرة يشاهدون هذه الإضاءة ومفاتيحها، فقال عبدالله فلبي على سبيل المزاح: هذه الإضاءة والإنارة أحسن وإلاّ سرج معكال - حي قديم في الرياض -؟، فرد عليه عبدالله السميري بالآية الكريمة: «وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ»، فاندهش فلبي من هذا الرد الذي لم يتوقعه، وقال له: «أفحمتني يا السميري». بعد أن عاد عبدالله السميري من رحلة بريطانيا توجّه مع الجيش الذي أمر به المؤسس الملك عبدالعزيز لضم عسير إلى المملكة، وكان هذا بتاريخ 1338ه ولم يمر عليه إلاّ عدة شهور من رحلته إلى بريطانيا، والجدير بالذكر أن إخوة شخصيتنا قد شاركوا في معارك التأسيس منهم صالح وعبدالعزيز وسعد. كفاءة إدارية وعندما تولى الملك فيصل - رحمه الله - نيابة الحجاز عن والده الملك المؤسس - رحمه الله - استقطب كثيراً من رجالات الوطن الذين لهم كفاءة وقدرة إدارية، وكان من هؤلاء الشخصيات عبدالله السميري، الذي أمضى مع الفيصل عدة عقود ظهرت فيها كفاءته الإدارية في عمله كمستشار لنائب الملك في الحجاز، وكان على معرفة تامة بالقبائل والبوادي التي في الحجاز وفي نجد، ولديه مواهب شخصية منها الدبلوماسية في التعامل والمهارة في حلول المشاكل، لذلك نال ثقة القيادة، وكان عند حسن الظن فيما أوكل إليه، ونضيف هنا: أن أخوه إبراهيم عمل مع الملك فيصل في النيابة، ثم عمل مع وزير المالية عبد الله السليمان، أما أخوه سعد فقد عينه الملك فيصل أميراً على تربة وكان معروفاً بالشجاعة والإقدام والكرم، وابن عمه سلمان بن عبدالرحمن السميري عيّنه الفيصل أميراً على أملج ثم أميرًا على ينبع لسنوات طويلة، ثم عمل مستشاراً بإمارة مكةالمكرمة، وكان وجيهاً يشتهر بالحكمة وإصلاح ذات البين، وقد قام بحل الكثير من المشاكل والاختلافات بين البادية بأسلوب سلس وحكيم. الجدير بالذكر أن أبناء أسرة السميري استمروا في خدمة الوطن على خطى آبائهم وأجدادهم، فمنهم على سبيل المثال ناصر بن صالح السميري المستشار بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء الذي كُلف برئاستها فيما بعد، وعبدالمحسن بن سلمان السميري الذي عمل مدير مكتب سمو أمير منطقة مكةالمكرمة لأكثر من ثلاثين عاماً، وغيرهم من أبناء الأسرة الذين تقلدوا مناصب عديدة. تديّن وصلاح وبعد أن خدم عبدالله السميري - رحمه الله - هذه الدولة المباركة استقر في مكةالمكرمة هو وإخوته، وتوفي في عام 1369ه أثناء إقامته الصيفية في الطائف، ودفن بها عن عمر يناهز 55 عاماً، كان عمره مليئاً بالإنجازات في خدمة الدين والوطن، وكان شبه يومياً من بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء يصلي في المسجد الحرام، وكان له مكان متكئ خلف مقام إبراهيم، وعرف بهذا المكان، وحينما توفي حل إخوانه محله في هذا المصلى، فهو مشهور بالتدين والصلاح - رحمه الله -، وفي الختام أشكر الباحث أحمد بن صالح السميري على تزويدي بالمعلومات عبر لقاء أجريته معه في منزله في الرياض، فله مني وافر الشكر والتقدير. الملك فيصل ذو 13 عاماً وبجواره عبدالله القصيبي في السفينة المتجهة لبريطانيا عبدالله بن محمد السميري «رحمه الله» الملك فيصل في بريطانيا ويظهر السميري الواقف في منتصف الصف الأخير سعد بن محمد السميري أخو عبدالله والذي عُيّن أميراً على تربة وُلد عبدالله السميري في حي المريقب بالرياض عام 1314ه إعداد- صلاح الزامل