كانت حكمة الملك عبد العزيز آل سعود «يرحمه الله» وبعد نظره في أن يضع ابنه الأمير فيصل بن عبد العزيز في منصب وزير الخارجية منذ إحداثها عام 1930م. واحتفظ الملك فيصل بهذا المنصب أيام ولاية عهده وتوليه قيادة المملكة حتى يوم الثلاثاء 25 مارس (آذار) 1975م الموافق 13 ربيع الأول 1395ه يوم استشهاده وهو يتابع نشاطه في الديوان الملكي ، ولعل الجميع يعلم أنه في 28 رجب 1930 م تحولت مديرية الشئون الخارجية إلى وزارة ، وتم تعيين الأمير فيصل وزيرا لها إضافة إلى كونه نائبا للملك لما يتمتع به من صلات قوية وعلاقات طيبة مع الممثلين الأجانب ولما اكتسبه من خبرة وما حققه من نجاح في رحلاته إلى الخارج وأنيطت به معظم المهام الخارجية التي كان يكلفه بها والده المؤسس ترك بصماته على سياسة المملكة الخارجية ووقع خلال عمله وزيرا للخارجية كثيرا من الاتفاقات والمعاهدات بين المملكة والدول الأجنبية. سيرة حافلة ولد الملك فيصل في الرياض سنة 1324ه الموافق 1906م، وكانت ولادته بعد خمس سنوات من استعادة والده الملك عبد العزيز طيب الله ثراه الرياض على إثر الانتصار في معركة روضة مهنا ، وتعد معركة روضة مهنا من المعارك الحاسمة في تاريخ المملكة لأنها كانت البداية لرحيل العثمانيين من شبه الجزيرة العربية . وقد تربى الملك فيصل في كنف جده لأمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، لأن أمه ماتت وهو طفل رضيع وتولى تعليمه القراءة والكتابة وحفظ القرآن ودرسه شيئاً يسيراً من الفقه والتاريخ ، ولم تقتصر تربية فيصل وتعليمه على ذلك فقط، وإنما فرضت عليه حياة الصحراء الصعبة وظروفها الطارئة وصراعاتها المتعددة، أن يتعلم ركوب الخيل والرماية والفروسية واستعمال السلاح، حيث يذكر المؤرخ "ديجوري" أن جده لامه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف كان يتولى تعليم فيصل كيفية ركوب الخيل واستعمال السيف ، ولكن مدرسة الفيصل الحقيقية وجامعته التي تلقى فيها مبادئ الحكم وأخلاق الزعامة هي مدرسة أبيه الملك عبد العزيز، فيقول ديجوري : "السياسة وحتى التصرف مع الناس والعشائر أخذهما فيصل عن أبيه، وأخذ عنه أيضاً الصبر والكتمان وضبط الأعصاب، وعزة النفس، وهي خصال عربية". ومما لا شك فيه أن الملك عبدالعزيز كان يعد ابنه فيصل إعدادا يؤهله ليكون حاكماً على البلاد عندما يأتي دوره فيما بعد، وقد حرص على ذلك أشد الحرص ولا ريب أن ذلك قد ساعد في تكوين شخصية فيصل وإبراز مواهبه، فيذكر مجيد خدوري أنه ذات يوم سأل الملك فيصل، لمن يدين بتدريبه على فن الحكم؟ فأجابه دون تردد : "لوالدي" ، وأضاف "أنا لم أحظ بتربية رسمية في المدرسة ولكن نشأت في ظل والدي وتوجيهه المباشر". وكان الملك عبدالعزيز قد قام بتدريب ابنه على الحروب منذ صغره، حيث اصطحبه معه في إحدى الغزوات سنة 1336ه وعمره آنذاك حوالي ثلاثة عشر عاماً، جواز سفر الملك فيصل الزيارات إلى الخارج – الأولى : عندما انتهت الحرب العالمية الأولى 1914–1918م بانتصار بريطانيا وحلفائها على دول الوسط (الدولة العثمانية – ألمانيا – والمجر) وجهت بريطانيا الدعوة للملك عبدالعزيز لزيارة بريطانيا، وقد قبل دعوة الملك جورج الخامس ملك بريطانيا واختار ابنه فيصل ليمثله وهو ابن الثالثة عشرة من عمره ، واختيار فيصل يعتبر دليلاً على تقدير والده لمقدرته وانه يرى أن فيه من الصفات ما يؤهله لذلك، وقد أعلن أن الهدف من البعثة آنذاك هو تقديم تهاني والده على انتصار بريطانيا في الحرب ، لكنه لعله قد بحث خلال الزيارة بعض الأمور التي تهم البلدين وفي مقدمتها مستقبل العلاقات السعودية البريطانية. وقد استقبل الملك جورج الخامس ملك بريطانيا في الثلاثين من أكتوبر سنة 1919م الأمير فيصل والوفد المرافق له في قصر بكنغهام ، وقد زار خلال هذه الزيارة مجلسي العموم واللوردات وجامعة كامبردج، وبعض مصانع الأسلحة والسيارات، ثم بعدئذ توجه إلى باريس تلبية لدعوة من الحكومة الفرنسية ، حيث تفقد في فرنسا وبلجيكا ميادين القتال وما خلفته الحرب من دمار وخراب ، وشاهد آثارها في الخنادق والمعدات، وقد دامت رحلته إلى أوروبا ستة شهور. وبالرغم من أن زيارة أوروبا كانت ناجحة بكل المقاييس إلا أنها كانت صعبة كثيراً، باعتبارها الزيارة الأولى التي يقوم بها خارج الجزيرة العربية وهو في هذه السن المبكرة، فقد قابل شخصيات تفوقه سنا وتجربة وخاصة في الميدان السياسي، وبالإضافة إلى هذا فلا شك أن ما شاهده وما سمعه قد أفاده كثيراً وساعد في تثقيفه ورفع مهاراته السياسية والدبلوماسية ، حيث يقول المؤرخ قدري قلعجي: "ويمكن القول بكل ثقة ان رحلة فيصل بن عبدالعزيز في أول مهمة سياسية يقوم بها لديار الغرب – التي استمرت ستة أشهر – كانت رحلة ناجحة، إذ استشرف فيها الفتى اليافع حقائق السياسة الدولية، والاتجاهات الفكرية والسياسية السائدة هناك، كما كانت تجربة بالغة الأهمية في حياته السياسية المقبلة، زادت من حصيلة خبراته كرجل دولة وقائد مسيرة". الملك فيصل في أول سفرة له إلى بريطانيا – الثانية : بعد الاستقرار لهذه البلاد على يد "المغفور له" الملك عبد العزيز "يرحمه الله" أراد أن يوطد علاقات المملكة بدول أوروبا الغربية، والتي اعترفت به ملكاً على الحجاز وهى بريطانيا والاتحاد السوفيتي وفرنساوهولندا، ولذا قرر الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه إرسال ابنه فيصل في العام 1345ه/1926م لأنه لم يعد مجرد أمير فقد أصبح نائباً للملك في الحجاز على رأس وفد سعودي ، وقد استقبل استقبالا كبيراً وجديدا، يقول الكاتب الألماني فوك ميكوش: كانت لزيارة الأمير فيصل للندن مظاهر تختلف عن زيارته الأولى ، فقد استقبل بحفاوة بالغة ، ورمت المدفعية تحية الملوك بإحدى وعشرين طلقة باعتباره مندوباً عن والده الملك ، وجرى له استقبال رسمي حافل ووجد في كل مكان أبوابا مشرعة وآذانا صاغية ، كما رحبت به الأوساط الاجتماعية الزائرة ، واستقبله الملك جورج ومنحه وساما. وقد اجتمع فيصل خلال إقامته في لندن بعدد كبير من رجالات السياسة ، وزار بعض المؤسسات التعليمية والجامعات، وفي هولندا استقبلته ملكتها، وفي فرنسا استقبله رئيس الجمهورية – وكان يومئذ مسيو دومرغ – في قصر الإليزيه استقبالا حارا. وقد شكر الحكومة الفرنسية لاعترافها بالملك عبدالعزيز ملكاً على الحجاز ونجد وملحقاتها ، لقد كان لهذه الزيارة الأثر الحسن ، وأسهمت في زيادة سمعة الأمير فيصل والدولة السعودية التي يمثلها ونجح في تطوير علاقاتها مع البلدان الأوروبية. – الثالثة : في عام 1351ه/1932م أوفد الملك عبدالعزيز الأمير فيصل بعد أن صار وزيرا للخارجية على رأس وفد لزيارة عواصم الدول، التي أقامت تمثيلاً دبلوماسيا مع المملكة لتعزيز علاقات بلاده مع تلك الدول ولحفز بقية دول العالم على الاعتراف بدولته، فقام الوفد بزيارة كل من بريطانيا وفرنساوهولنداوألمانيا وبولندا وإيطاليا وسويسرا والاتحاد السوفيتي، لتقوية روابط الود والصداقة مع تلك البلدان ودراسة أوضاع المسلمين ، كما زار كلا من تركيا وإيران البلدين الإسلاميين لتعزيز وشائج الاخوة الإسلامية، وتوقف في كل من الكويت والعراق، ولاشك أن زيارته للعراق كان الهدف منها تحسين الروابط الاخوية بين البلدين. ويعلق قدري قلعجي على هذه الزيارة الثالثة إلى أوروبا بالقول: "ويمكن أن رحلته قد حققت نجاحاً كبيراً في تعزيز مكانة الدولة الفتية على صعيد العلاقات الدولية، وأقامتها على أسس التفاهم الودي والتعامل على قدم المساواة، كما أكدت حرصه على تحقيق السياسة التي رسمها لبلاده في الانفتاح على العالم الخارجي لكسب معركة الحضارة والتقدم العلمي، دون التخلي عن المبادئ الأصلية في منطلقها الأساسي بالحفاظ على التراث العربي والقيم الروحية". وقد استغرقت رحلته تلك ثلاثة شهور. وفي سنة 1358ه/ 1939م تولى الأمير فيصل رئاسة الوفد السعودي الذي اشترك مع عدد من الدول العربية وهي مصر والعراق واليمن، وذلك في مؤتمر خاص بالقضية الفلسطينية لمواجهة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد أوضح معارضة المملكة للهجرة اليهودية، وتأكيدها على حق الشعب الفلسطيني غير المنازع في وطنه. الملك فيصل يوقع على ميثاق هيئة الأممالمتحدة زيارته إلى أمريكا في عام 1943م قام الأمير فيصل بن عبد العزيز وشقيقه خالد "رحمهما الله" بزيارة للولايات المتحدةالأمريكية تلبية للدعوة التي وجهت إلى أبيهما من الرئيس روزفلت يرافقهما وفد كبير من كبار الشخصيات السعودية ، وقد جرت بين الرئيس روزفلت والأمير فيصل محادثات ودية بشأن توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تطرقت إلى مناقشة القضية الفلسطينية، وخلال وجوده في أمريكا التقى الفيصل بعدد من كبار القادة والساسة الأمريكيين ، واطلع ومرافقوه على الحياة الأمريكية في مظاهرها المختلفة من ذلك المعامل، والمخابز، والجامعات، والمزارع ومصافي البترول والطيران والبحرية، كما زار مجلس الشيوخ الأمريكي.. ومنها توجه إلى لندن تلبية للدعوة التي تلقاها من حكومتها وكانت آنذاك تتعرض للغارات الجوية الألمانية العنيفة والشديدة، حيث أجرى محادثات مع ملك بريطانيا ورئيس الوزراء ونستون تشرشل تناولت عددا من القضايا العربية ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وبالذات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم سافر إلى الجزائر تلبية لدعوة ديجول زعيم فرنسا الحرة. وفي عام 1365ه/1945م قرر الحلفاء تأسيس "هيئة الأممالمتحدة" لتأكيدهم على حق الشعوب في الحرية والاستقلال ، وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية ، وقد دعيت المملكة العربية السعودية إلى ذلك الاجتماع التأسيسي والذي عقد في سان فرانسسكو 25 ابريل سنة 1945م، وقد «ذات يوم سأل الملك فيصل، لمن يدين بتدريبه على فن الحكم؟ فأجابه دون تردد: «لوالدي» ، وأضاف «أنا لم أحظ بتربية رسمية في المدرسة ولكن نشأت في ظل والدي وتوجيهه المباشر».مثل المملكة الأمير فيصل نائب الملك في الحجاز ووزير خارجيتها في نفس الوقت ومعه وفدّ منهم شقيقه الأمير فهد "خادم الحرمين الشريفين فيما بعد"، والذي ألقى خطاباً أكد فيه على أن مبادئ السلم والعدالة والحق هي المبادئ التي تتمسك بها المملكة لأنها نابعة من الدين الحنيف الذي تعتبره دستورا لها، ومما قاله: "إن هذا الميثاق لا يدل على الكمال، كما كانت تتوقع الأمم الفقيرة التي كانت تأمل أن يحقق المثل العليا، على أنه كان خطوة كبيرة إليها، وسنعمل كلنا للمحافظة عليه، وسيكون الأساس المتين الذي يبنى عليه صرح السلام العالمي". تدريب على الحكم اكتشف الملك عبدالعزيز في ابنه الفيصل، الذكاء، والفطنة، ورجاحة العقل، ورصانة الرأي، ومن هنا فقد عهد إليه ببعض الأمور المهمة كقيادة بعض الحملات العسكرية المهمة ، والقيام بمهام سياسية خارجية إلى أوروبا ، والتفاوض أحياناً بالنيابة عن والده، وقد أثبت مقدرة وكفاءة منقطعة النظير، وقد عهد إليه والده أيضا بمفاوضة بريطانيا في عقد معاهدة جدة، والذي استطاع خلال تلك المفاوضات أن ينتزع اعتراف بريطانيا باستقلال المملكة ، حيث جاء في المادة الأولى من اتفاقية جدة والتي حدثت في 18 من ذي القعدة 1345ه/ 20 مايو 1927م : "يعترف صاحب الجلالة البريطانية بالاستقلال التام المطلق لحضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز". الملك فيصل في إحدى السفرات الخارجية وزارة الخارجية وعندما قرر الملك عبدالعزيز تحويل مديرية الخارجية إلى وزارة في 28 رجب 1349ه/ ديسمبر 1930م، أسندها إلى صاحب السمو الملكي الأمير فيصل علاوة على احتفاظه بالنيابة العامة ، وقد جاء تعيينه بسبب ما أثبته من براعة دبلوماسية أثارت الانتباه إلى حد بعيد، وهكذا بصفته وزيرا للخارجية فان عليه أن يستقبل سفراء ورجال السلك الدبلوماسي وأن يصغي إلى ما يبوحون به من الأسرار ، وأن يعمل على توطيد علاقات المملكة مع بلدانهم ، وخاصة مع الدول العربية الشقيقة والإسلامية والصديقة على أسس من التعاون والاخوة في المجالين العربي والإسلامي ، والمعاملة بالمثل في المجال الدولي، فأثمرت جهوده عن عقد عدة معاهدات في مجالات مختلفة. ولقد احتفظ بمنصب وزير الخارجية طوال حياته، ومن ثم فإنه كان حريصاً على أن يدير النشاط الدبلوماسي بنفسه، ويقوم بتمثيل المملكة إلى اجتماعات الجامعة العربية والأممالمتحدة، وغيرها من الاجتماعات عربية كانت أم دولية ، علاوة على استقبال شخصيات كل سفراء وموفدي الدول الأجنبية في مكة وفي جدة، كما كان باستمرار على اتصال بممثلي بلاده في الخارج، وبالإضافة فإن زياراته الخارجية كانت تصب في مصلحة القضايا المحلية والعربية مثل قضية فلسطين ، ففي زيارته لموسكو 1932م قابل ستالين وعددا من القادة السوفيت ، وناقش معهم القضية الفلسطينية والهجرة اليهودية إلى فلسطين ، والخطر الذي يهدد السلام العالمي من جراء الحركة الصهيونية ، كما مثل بلاده في مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في لندن لمناقشة القضية الفلسطينية سنة 1939م ، وقد وجه الأمير فيصل كلمة ذكر فيها الوعود البريطانية التي أعطيت للعرب من قبل ، وطالب الحكومة البريطانية بوقف الهجرة اليهودية ، وإيجاد حل عادل وسريع للقضية ، لأن استمرار الحكومة البريطانية في موقفها المؤيد لإسرائيل سيؤدي إلى قيام العرب بأعمال انتقامية ضد المصالح البريطانية في البلاد العربية والإسلامية.. معارضة القرار الأمريكي وفي اجتماع هيئة الأممالمتحدة سنة 1947م – لمناقشة القضية الفلسطينية والنظر في قرار التقسيم والذي أيدته الولاياتالمتحدةالأمريكية – انتقد الأمير فيصل سياسة الولاياتالمتحدة في دعمها للصهاينة ، وأوضح أن المملكة العربية السعودية ترفض قرار التقسيم ، وأنها ستدافع عن حقوق العرب وحقوق الشعب الفلسطيني بالطريقة التي تراها مناسبة ، ومما قاله : "إذا كان هناك من يقول بأن يقبل العرب بقرارات الأممالمتحدة، فعلينا أن نعترف بدولة الصهاينة، لأن الأممالمتحدة معترفة بها، فعلينا أن نقبل تقسيم فلسطين، الذي نصت عليه قرارات الأممالمتحدة .. وهذا ما لا يمكن أن نقبل به أو نرضى عنه، وإذا أجمع العرب في بلاد أخرى على أن يرضوا بوجود (إسرائيل) وتقسيم فلسطين فلن ندخل معهم في هذا الاتفاق". وقد ظل طوال حياته يسعى بكل جهد لخدمة القضية الفلسطينية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ما تقدم رأس وفد المملكة في مؤتمرات دول عدم الانحياز في باندونغ سنة 1955م ، 1961م، القاهرة 1964م لخدمة القضايا العربية ، وتوطيد السلم العالمي ، ومنع الحرب. «المؤسس» الملك عبد العزيز وبجواره الملك فيصل يرحمهما الله جوانب من شخصية الملك فيصل • نشأته الدينية في بيت جده لأمه (الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ) الذي كان من كبار علماء المملكة ، والذي تولى الإشراف على تربيته وتلقينه القراءة والكتابة وعلمه الفقه والتشريع والتاريخ ، وإلى جانب ذلك درسه سيرة الخلفاء الراشدين، كما ختم القرآن الكريم على يد الشيخ محمد بن مصيبيح، فكان لهذه التربية أثر كبير في حياته ، وغرست فيه روح التدين، مما بعث في نفسه إحساساً بالعزة بغير كبرياء، والثقة بدون غرور، يمضي في طريقه منتصب القامة رغم عظم ما ألقي على عاتقه من تبعات، يتخذ دائماً من حقائق التاريخ الموضوعية التي تتناسب مع النظر والحس والعقل والوجدان، والتي تنسجم مع الواقع والمنطق والضمير مرجعاً لموضوعاته، فتبدو النتائج منسجمة مع المقدمات. • كان رجلاً يجمع بين قوة العقل وشجاعة الضمير، أعاد إلى الإسلام سيرته الأولى، باقتفائه أثر الخلفاء الراشدين، ولقد كانت قدراته في الحصول على ما يريد أمراً لا يحد، وكانت إصابته للهدف لا تخطئ ولم يكن الانفعال مما يغلب عليه ، وإنما كان يواجه الأمور بوازع من إيمانه بالله وبوجدانه الإسلامي وأصالته العربية، وبتقاليده العريقة ، وبالإضافة إلى هذا فقد أعطاه أعظم مقومات شخصيته الأصيلة ترعرعه في كنف والده فيقول : «إن المغفور له والدي عبدالعزيز هو مدرستي ومنارتي التي استهدي بها، إنني احفظ كثيراً من تجاربه المرشدة، إن مدرستي الحقيقية هي شخصية المغفور له والدي عبدالعزيز ، الذي ترعرعت ونشأت في ظله، وتمرست من الحياة بتدريبه، فكان هو المدرسة التي استقيت منها دروسي وخبرتي». • كان يحضر مجالس والده، يصغي إلى أحاديث كبار الزوار، ويستمع إلى رواياتهم الأخبار له، ويشاهد عن كثب كيف يناقشهم والده في ذلك، وطريقة التعامل معهم ومن الطبيعي أن تكون للملاحظات التي يسمعها عن الناس والشؤون العامة ما فتح ذهنه وعينيه، وعجل في نضوجه وهو ما يزل حدثا لم يطر شارباه، وكان فوق ذلك كله وبفضل مرافقته لرجل عظيم أن تطبع بطباع الرجال العظام، كالتحلي بالصبر ورباطة الجأش، والمقدرة على سياسة الرجال وقيادتهم، وتتميز شخصيته – رحمه الله – بالأناة والروية واستشارة أصحاب الرأي والخبرة يقول العجلاني: «إن الفيصل في ذكائه الوقاد، وحدسه الصادق، ونظرته النفاذة، يحيط بدقائق الأمور لأول وهلة ، ولكنه لا يحب أن يعلن للناس رأيه، ويدعوهم إلى العمل، قبل أن يعرض رأيه على نفسه مرة، وعلى أصحاب الخبرة والمعرفة مرة، يصدر دائما عن دراسة عميقة وإحاطة شاملة، وهو إلى ذلك يتحرى السلامة ويكره المغامرة، وقد يستعين بالوقت أحيانا على حل المعضلات، فالأناة ليست أسلوباً في التفكير، ولكنها أسلوب في العمل والتقرير والتدبير». • تتضح شخصيته – رحمه الله – من واقع أعماله كدعوته إلى التضامن الإسلامي، وسلوك الطريق إليها، تلك الدعوة التي طرق بها أبواب القارات، ووصل بها إلى كل صلب من قلوب الألف مليون مسلم في بقاع العالم وأصقاعه، فقد أدرك – رحمه الله – أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وأن تجمع شعوبها تحت راية عقيدتهم الإسلامية فيه خير لهم جميعاً، وفيه صلاح لأمورهم، وفيه حل لمشاكلهم، وفيه وقاية لهم جميعا من المذاهب الهدامة مثل الشيوعية والاشتراكية، والأفكار الراديكالية والتطرف القومي الزائد عن الحد، وفيه قوة لهم لمواجهة تلك الأمور ، والوقوف صفا صفا للدفاع عن دينهم ومقدساتهم ، وفي مقدمة ذلك بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى، ومن هنا فكان ينظر إلى التضامن الإسلامي – إضافة إلى ذلك – كوسيلة لشحذ همم المسلمين وتوحيد جهودهم لمساندة النضال العربي ضد العدو الإسرائيلي. المراجع : - الأمير خالد بن سلطان : مقاتل من الصحراء. - دارة الملك عبد العزيز. - أمين سعيد : فيصل العظيم. - حامد ربيع : سلاح البترول في الصراع العربي الإسرائيلي. - سلطان سالم : الفيصل ملكاً في فكر أمة. - السيد عبدالحافظ عبد ربه : فيصل في قمة التاريخ. - السيد عليوة : الملك فيصل والقضية الفلسطينية. - فؤاد أحمد ناصر: الفيصل الإنسان والإستراتيجية. - قدري قلعجي : موعد مع الكرامة، قبس من حياة فيصل بن عبد العزيز وآرائه السياسية. - وآخرون..