في اعتقادي أن العولمة هي معول هدم للهويات، وقد بسطت نفوذها في ظل التمدد التقني ووسائل التواصل الاجتماعي حتى جعلت العالم كقرية صغيرة ممزوجاً مع بعضه البعض، إلا أنها في المقابل جعلت التمايز والخصوصيات سمة مميزة للهوية السعودية عن غيرها –وأقصد– بالهوية وعي المواطن السعودي وإحساسه بذاته وانتمائه إلى وطنه في فنونه الشعبية وعاداته وتقاليده.وإن لكل قبيلة تراثاً وطنياً تعتز وتفتخر به وتعتبره الجذر الذي يمتد من ماضيها ويكون امتداداً لحاضرها يشكل السمة المميزة لكل قبيلة عن غيرها ويتضمن الموروث التراثي الثقافي على قيم روحية للماضي والحاضر والمستقبل ويمكن القول إن (الدحه) خلدت بصمة تضاف إلى الإرث الثقافي السعودي. أقول: تشكل الألعاب الشعبية جزءًا كبيراً ومهماً من التراث الشعبي السعودي وظاهرة من ظواهر النشاط الاجتماعي تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل ولها دور كبير في تكوين البنية الثقافية للمجتمع وذلك لأبعادها النفسية ولما تحمله من معانٍ عميقة وقيم سامية. ومن المؤسف أن الباحثين لم يتصدوا بالدراسة لمورث لعبة الدحه إلا منذ عهد قريب وهذا التباطؤ جعل الروايات تستعصي على الباحث في تحقيقها ولكن المتواتر بين أكثر الرواة والقصاصين وكبار السن أن النواة التي نشأت منها لعبة الدحه سببه يعود إلى واقعة تاريخية معروفة بمعركة "ذي قار" ضد الفرس، والتي انتصرت بها "ربيعة" وهما بكر بن وائل وعنزة بن أسد في تلك المعركة فتحولت هذه الرمزية كإرث ثقافي خاص بقبيلة عنزة وبات جزءًا لا يتجزأ من نسق الإرث الشعبي السعودي، ولقد ظلت القبيلة تمارس هذه الطقوس في مناسباتها الوطنية وأفراحها دون انقطاع، وتناقلته من جيل إلى آخر كذاكرة يتم إحيائها عبر طقوس ذات صفات خاصة. ختاماً: إن طغيان العولمة يستدعي عدم الانغلاق المناهض لها وإنما الانفتاح الذكي وإعادة تصميم أشعار وأهازيج موروث الدحه بما نعيشه الآن وليس كماضٍ يتعين علينا استدعاؤه على صورته السابقة التقليدية لاعتبار أن مفاهيم وأذواق الأجيال تختلف من زمن إلى آخر وهذه تعتبر ردة فعل متوازنة لا تلغي أي موروث شعبي سعودي ويبقى الموروث السعودي سعودياً حتى وإن تغيرت بعض طقوسه وصفاته.