رجال ألمع – أحمد السلمي حسن المازني: تحريم وتحديث وصمت وبخس لتصنيف الموروث الغنائي مغاوي: اعتساف هذه الفنون في «المناسباتية» مشكلة البكري: التدوين والتسجيل بالتقنية الحديثة يخدم التراث الشريف: غناء الموروث بصوت فنان مثل محمد عبده له فائدة تعد قضية المحافظة على الإرث والتراث، خاصةً في الفلكلور والفنون الشعبية من أهم ما تعتني به دول العالم، حيث تعد قضية وطنية تضعها الدول في سلّم أولوياتها، لما لها من أبعاد حضارية وعمق ثقافي وتاريخي وأدبي للإنسان والمكان. ويعد التراث الشعبي رافداً مهماً للثقافة في أي بلد، ويمثل الذاكرة الحية للشعوب والأمم، بما يشتمل عليه من عناصر فاعلة في حماية الهوية الحضارية، وتحصين الخلفية الثقافية ومدّها بمقومات الثبات والمناعة. “الشرق” طرحت قضيّة التراث الشعبي السعودي على عدد من المسؤولين والكتاب ورؤساء الفرق الشعبية لمعرفة أهمية التراث الشعبي وكيفية المحافظة عليه، ومعرفة الطريقة الصحيحة لغرس وتعزيز محبة الشعوب لتراثهم وغرس حبه في وجدان الأجيال الناشئة. وطرحنا سؤالاً حول وضع دراسات متخصصة لجمع وتوثيق التراث الحضاري والإنساني على المستوى الوطني، ودور رؤساء الفرق التراثية والفنية في نقل هذا التراث للأجيال وتنقيته من الشوائب الدخيلة عليه. ومناقشة الأبعاد والمؤثرات العصرية وأثرها على الموروث الشعبي. التحديث والتطوير بداية أوضح الأديب الكاتب الأستاذ إبراهيم طالع الألمعي أن جميع الموروثات العربية ومنها الفلكلور الشعبي هي خاضعة للتحديث والتطوير بشكل طبيعي.. مؤكدا أنه ليس مع التجديد أو التغيير لقيمة الموروث الشعبي الطربي كيفما اتفق، لأن التطوير يتراوح ما بين النجاح والإخفاق، مبينا أن كلمة أُغنية هي في الأساس منتزعة غالبا من الموروث، مبينا أنه يجب على أي أمة أن تعمل على المحافظة على موروثها كما هو، لأن ذلك ناتج عن ثقافة المكان التي يجب أن تبقى رمزاً من رموز أصالة وتراث هذه الأمة. عدم التحريف وأكد مدير جمعية الثقافة والفنون في عسير، أحمد عسيري -الذي يعد أبرز من كتب ووثق للموروث الشعبي في عسير أن التقييم الصحيح للموروث الشعبي هو عندما يؤدى كما هو، أي كما ورثناه عن الأجداد والآباء دون زيادة أو تغيير أو اجتهاد، وبين العسيري أن البيئة في المنطقة تمتلك من المخزون التراثي والمورث ما يجعلها تحتل مرتبة متقدمة على المستوى المحلي والعربي، لأن البيئة العسيرية تعيش داخل الإنسان، وليس العكس، فنحن نجد أن المعاناة والمكابدة مع الظروف الطبغرافية للمنطقة قد جعلت الإنسان يُغني أثناء مناشطه المختلفة مشيرا إلى أن عسير تمتلك 24 فرقة شعبية مسجلة، وحذر من فرض ما يُعرف بالأوبريتات وإقحام هذه المورثات ضمن سلالم موسيقية لا تخدم اللحن والإيقاع الخاص بهذه الفنون الشعبية. وتخوف العسيري من ضياع اللحن والأداء في ظل ظهور ما يسمى ب (الرقصات النخبوية) التي لا يجيدها سوى ثلة من الشباب وكأنهم تخرجوا في معاهد متخصصة في فنون الرقص والطرب مما يُهدد بنسف رقصاتنا الشعبية الأصيلة”. تعالٍ على التاريخ وعد الباحث حسن سلطان المازني أن التعالي على الموروث القيمي هو تعال على تاريخ وحضارة الأمة وهو نسف للأصالة بكل مفاهيمها فما ورثناه من فنون وإبداعات عن آبائنا وأجدادنا هو نتاج سنوات الألم والفرح -الفقر والغنى- الصحة والمرض وهو نتاج عشق لا ينتهي للأرض والشجر وحبات المطر. عشق ترجمته حناجر الرجال والنساء والأطفال وهم يبذرون الأرض ويحصدون السنابل ويهشون على قطيع الماشية في فَلَوات الجبال وبطون الأودية. أربع فئات وأوضح المازني أن الفئات المثقفة انقسمت على أهمية الموروث وقيمته التاريخية والثقافية والاجتماعية إلى أربع فئات. الفئة الأولى ترى أن الموروث الشعبي بما في ذلك الأدب الشعبي هو معول هدم للغة العربية ومحارب لها بل ذهب بعض من هذه الفئة إلى تحريم (التطريبي) منه بحجة أنه يثير الغريزة المحرمة بما فيه من إسقاطات نصية تمس العقيدة. أما الفئة الثانية فهي ترى أن الموروث بما فيه من تطريبي وأدبي وقيمي يرمز إلى التخلف، وترى هذه الفئة أن ممارسته وصمة في جبين التطور والتقدم العلمي والتقني، أما الفئة الثالثة فهي تحب وتعشق هذا الموروث ولكن بطريقة حديثة، فهي ترى ضرورة تطويره وإخضاعه للتحديث لمواكبة روح العصر الحديث، وهذه الفئة من أخطر الفئات على الموروث لأنها تحمل حب الموروث بيد وباليد الأخرى تحمل خنجر (قتل الغيلة) لهذا الإرث.أما الفئة الرابعة فهي الفئة التي تحب هذا الإرث التاريخي وتريد أن يبقى على أصالته ولكنها لا تملك أدوات الدفاع عنه فوقفت متفرجة على مصيره المؤلم. مسؤولية الجميع عبدالله الشريف من جانبه، قال قائد فرقة الواديين عبدالله الشريف -وهو من أبرز الجادين في خدمة هذا الموروث وتطويره- للمحافظة على قيمة هذا التراث تقع المسؤولية على الجميع، هي ليست مسؤولية فرد أو وزارة أو جمعية، مطالبا بضرورة تطوير الموروث أو الفلكلور الشعبي بما يخدمه انتشارا وبقاء، منوها إلى أن الموسيقى هي التي جعلت الخطوة والعرضة تُغنى وتحفظ ألحانها ليس على مستوى المملكة فحسب بل على المستوى الخليجي والعربي، مؤكدا أن الموسيقى لا تخل باللحن . وقال الشريف: لكن عندما يتغنى هذا الموروث بصوت محمد عبده أو عباس إبراهيم أو أي مطرب سعودي فإن هذا اللحن يبقى للأجيال جيلا بعد جيل موضحا أنه لا يقبل تغيير أو تحريف اللحن، مؤكدا في الوقت ذاته أن جميع الموروثات الصامدة في وجه التغيير كانت موروثات مموسقة ومنوتة ولذلك بقيت جميع الألحان المموسقة محفوظة للأجيال. مؤكداً أنه لا يحب التغيير أو التجديد، وأضاف: أنا مع التنويت لهذه المورثات الطربية الراقية في قيمها الأدبية والحسية، مشيرا إلى أن ليالي مهرجان أبها التراثية ساهمت في تكاتف وتعاون وخدمة موروث المنطقة في الجبل والسهل. الدراسة والتوثيق علي مغاوي من جانبه، طالب الأديب علي مغاوي، بضرورة التفريق بين الدراسة والتوثيق لهذا الموروث، مؤكدا أنه يجب على الموثقين أن ينقلوا الفنون الشعبية كما هي، مناشدا المسؤولين الذين يقومون ب”مَسْرَحَة” واعتساف هذا الموروث لتصبح (مناسباتية) أن يحولوا الأداء بأداء مسرحي استعراضي لا يخل بمقوماته الأساسية، لكن يضيف أشياء من متطلبات المسرح. وعد مغاوي أن قيام غير المتخصصين بالإشراف المباشر على الفرق الشعبية قد يؤدي إلى الإساءة لهذه القيمة الثقافية والحضارية للإنسان والمكان، مضيفا “ولذلك يجب أن يُعتمد لها مشرفون يفهمون الكلمة واللحن وبالتالي العمل على إخراجها كثقافة” وأوضح مغاوي: أنه ومع الأسف فإن فنوننا الشعبية باتت تُعتسف في المناسبات حيث تولى مهامها وتحديد أهدافها وألوانها وصياغة كلماتها من ليس لهم علاقة بهذا الفن الأصيل بل المهم هو إرضاء الناس وهذا كما يعتقد الأديب مغاوي تشويه وإساءة لهذه الفنون. الموسيقى تفسده وحول كيفية حفظ التراث للأجيال المتعاقبة، تحدث عدد من رؤساء فرق الفنون الشعبية، حيث أوضح رئيس فرقة تهامة في محايل عسير علي إبراهيم عسيري قائلا: حتى لا يندثر تراثنا لابد من ممارسته كما عرفناه منذ الأزل ولا ينبغي أن نضيف إليه ما يفسده مثل الموسيقى بأنواعها وخصوصاً أن الفن الشعبي له إيقاعات تخصه كالزير والزلفة والدف وغيرها وليست بحاجة إلى ما يلغي دورها كالبيانو والعود فهذه آلات حديثة لا تخدم الفن الشعبي وألوانه كالخطوة، والعرضة، والدمة والرحفة والربخة وغيرها. تعليم الأبناء وأضاف إبراهيم: أيضاً لكي نحافظ على تراثنا الشعبي من الاندثار وليبقى كما عرفناه لابد من إحيائه وتعليمه للأبناء منذ نعومة أظفارهم كما توارثناه في الإيقاعات والحركات والملابس والإكسسوارات مقترحا أن يخلو أي لون من الألوان الشعبية من المؤثرات الصوتية الحديثة حتى لا يعتقد أبناؤنا أن اللون الشعبي كان في عصر الأجداد تخالطه الآلات الموسيقية. ملابس وخناجر من جانبه، أوضح رئيس فرقة شهران، حسن سعيد أبو نخاع أن المحافظة على هذا الموروث تتم عن طريق تلقينه للأبناء منذ نعومة أظفارهم وتشربهم لكل العادات والتقاليد الحميدة ومن ضمنها قيمنا التراثية وفنوننا الشعبية الأصيلة والعمل على تشجيعهم على ذلك عن طريق شراء الملابس التراثية الخاصة والخناجر وتثقيفهم على كيفية لبسها وارتداء هذه الأسلحة البيضاء المكملة للزي الشعبي الجميل وتعريفهم على كيفية أداء الألوان الشعبية والابتعاد عن إدخال أي مؤثرات موسيقية حتى لا نعمل على تغيير الإيقاعات الخاصة بهذا الموروث. الأداء والحركة والهدف وبين رئيس فرقة رجال ألمع التراثية سابقا أحمد مروعي القيسي أن قضية الموروث الشعبي والحفاظ عليه مازالت بحاجة إلى مزيد من العمل الدءوب والمتواصل لتعزيز وتأصيل هذه القيمة الحضارية والثقافية التي تُعبر بلا شك عن قيمة وتراث وحضارة أمة سعودية عربية أصيلة. وأردف قائلا: نحن في محافظة رجال ألمع نعمل على الدوام على تكريس مفهوم الفن الطربي الأصيل الذي يعتمد في بنيته التكوينية والجمالية على ركائز أساسية وثابتة في الأداء والحركة والهدف. مؤكدا أن المحاولات القادمة من خارج إطار هذه القيم التراثية للإخلال بإيقاعات هذا الإرث أو العمل على سكب بعض المؤثرات الصوتية ضمن المجال التقني الحديث لن ولم تخدم هذا المورث بل إن ذلك يعد معول هدم سريعا وخطيرا للمورثات الشعبية وخاصة فيما يتعلق بالفنون الطربية الشعبية، التحفيز المادي ويرى رئيس فرقة الفنون الشعبية في محافظة خميس مشيط علي أحمد أن المحافظة على الموروث الطربي وأصالته وعراقته تكمن في تسليح الأجيال القادمة بمحبة هذا الموروث عن طريق إشراكهم في المناسبات الخاصة والعامة التي تؤدى فيها عروض من هذا الفلكلور الشعبي الجميل والعمل على تشجيعهم لممارسته وتحفيزهم مادياً ومعنوياً حتى يظل هذا الموروث قائماً وحياً يمارس بحب وتفانٍ في جميع مناسبات الوطن. جمعية متخصصة من جانب آخر، أوضح رئيس فرقة عسير للتراث عبدالرحمن عبدالله عسيري أن حفظ موروثنا الشعبي يستلزم قيام جمعية خاصة بالتراث الشعبي أسوةً بجمعية الفن التشكيلي وذلك للحفاظ علي هذا التراث وتطويره. وأن تعمل كل فرقة شعبية في المنطقة على تأدية التراث الخاص بها المتعارف عليه، بالإضافة إلى الألوان الأخرى وتجنب إدخال بعض الآلات الموسيقية التي لا علاقة لها بالموروث الشعبي كالأوراق وغيرها التي أصبحت تستخدم في بعض المناسبات. تدريب ومسابقات عبالله البكري وأوضح رئيس فرقة رجال الحجر عبدالله البكري أن المحافظة على الموروث الشعبي تأتي عن طريق تدوينه في كتب ومراجع توضح وتبيّن أنواعه، وطريقة أدائه، مع تدوين الأشعار الشعبية بجميع ألوانها والعمل على تسجيله بالطرق الحديثة على أسطوانات (CD) أو على أشرطة فيديو. وكذلك تعليمه للشباب وتدريسهم وتدريبهم عليه، وإقامة المناسبات، وتشجيع الشباب للمشاركة فيها مع الحرص على إقامة مسابقات في أداء ألوان الموروث الشعبي في أسابيع التنشيط السياحي وغيرها. وأشار البكري إلى أهمية إيجاد مقرات يحضر بها الشباب يمارسون هوايتهم ومن ضمنها الموروث الشعبي بإشراف فعلي من قبل مشرفين لديهم الدراية بهذا الموروث حفاظاً عليه تحت مظلة جمعية الثقافة والفنون ويتم دعم هذه المقرات من قبل وزارة الثقافة والإعلام، بشرط محافظة كل منطقة أو محافظة على تراثها الفعلي. لا للموسقة وتحدث رئيس وشاعر فرقة رفيدة قحطان عائض مشبب آل دخيش قائلاً: إن الموروث الشعبي يعد من المميزات الأساسية لدى المجتمع الذي يحرص كل شخص على نقله بالصورة الصحيحة وبالأصالة التي كان يؤديها آباؤنا وأجدانا في مناسباتهم الوطنية وأفراحهم الخاصة لكي ترسخ في أذهان أبنائنا، مضيفا أن الموروث يربط الماضي بالحاضر ويؤكد أهميته، معدا أن (موسقة) الموروث الفني الطربي تنعكس سلباً على قيمة هذا التراث وأصالته.