{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} دأب بعض من يلوون أعناق النصوص القرآنية لينفوا أمية النبي عليه فتارة يفسرون «النبي الأمي» نسبة لمكة وهي عند العرب، وفي النص القرآني: أم القرى، وتارة يقولون إنه لم يكن أميا، ولكن العرب كانوا كذلك وقد نسب إلى قومه، وهذا اجتهاد في غير موضعه، ودفاع مذموم عنه صلى الله عليه وسلم وكأن أميته منقصة، لقد نسوا أن الله لا يرسل نبيًا فيه نقص يؤثر في دعوته، فضلا على أن يكون هذا النبي هو النبي الخاتم! ولا أحد أعلم بمحمد صلى الله عليه وسلم من قريش فهم عندما كذبوه، اتهموه أنه شاعر لأنهم كانوا يعرفون أن الشعر لا يتنافى مع كون المرء أمياً، فأغلب الشعراء الجاهليين كانوا أميين يقرضون شعرهم شفاها، والذين كتبوا القصائد وعلقوها على جدار الكعبة على القول الذي يعزو تسمية المعلقات بهذا الاسم إنما كتبها القلة الكاتبة من العرب لا الشعراء أنفسهم، ولكنهم لم يتهموه بأنه هو الذي كتبه لأنهم كانوا يعرفون أنه لم يكن يقرأ ويكتب، والآية نص صريح على أميته صلى الله عليه وسلم، ونفي قاطع لمعرفته بالقراءة والكتابة، ولكن الذين تعصبوا له تعصبا في غير موضعه، خلطوا بين مفهوم الأمية ومفهوم الجهل، الأمية نقيض الكتابة والقراءة، والجهل نقيض العلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا ولم يكن جاهلا، وهذه الاستماتة في نفي الأمية عنه جهل برسالته، فهم حين يشترطون أن من تمام النبوة أن يقرأ ويكتب فكأنهم يعتقدون أن الله بعثه معلماً، ولا أعلم قولا معتبرا ينفي عنه الأمية، إنما هي عواطف محمودة نشأ عنها تفسير مذموم وتأويل مستغرب ليس إلا بل على العكس تماما، فإن محطات كثيرة من حياته صلى الله عليه وسلم ثبت أميته. (رسائل من القران)