أشرت في مقال (جثة أرخص من كفن) إلى سمة مميَّزة من سمات الأمثال الشعبية تضاف إلى عددٍ من السمات المعروفة كالإيجاز والبساطة والبلاغة في التعبير، تلك السمة هي علو نبرة السخرية من ظواهر اجتماعية مرفوضة أو من شخصيات سلبية لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات الإنسانية. واستشهدت في المقال بأمثال قليلة جداً من كتاب (أمثال وأقوال من عامية الأحساء) للشاعر والباحث الأستاذ محمد حسين الرمضان، وهو كتاب جميل لم يحظ بانتشار يوازي حجم الجهد الذي بذله المؤلف في جمع مادته وشرحها، وربما كان سبب ذلك هو تأخر زمن صدوره مقارنة بمؤلفات رائدة عن الأمثال ككتابي: (الأمثال العامية في نجد)، و(الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب) للشيخين محمد العبودي وعبد الكريم الجهيمان. فقد دوّن الرمضان أمثالاً كثيرة تسخر من الشخصيات ذات الطبائع السيئة التي يرفضها العقلاء، وجاءت الأمثال كعلاج نقدي يحاول تقويم وتهذيب سلوكيات تلك الشخصيات، ومن بينها شخصية «الإمّعة» الذي ينقاد مع الآخرين بسهولة ويفعل ما يفعلونه دون تمييز لصحة سلوكهم من خطئه، فقالوا في المثل: «أصمخ كلاب إذا تثاوبوا نبح»، فهذا المثل يُضرب «للتابع البليد»، فهو كالكلب الأصم الذي يودُّ تقليد أو مجاراة من حوله ومع ذلك يفشل فشلاً ذريعاً. ومن الأمثال الأحسائية التي تتضح فيها نبرة السخرية: «إن جيت كسرنا رجليك، وإن ما جيت زعلنا عليك»، وهو مثل يضربونه لمن يسيء معاملة أو استقبال الشخص الذي يجالسه أو يحل ضيفاً عليه، أمّا إذا ذهب إلى غيره فإنه يُكثر عتابه لأنه انصرف لغيره وتركه، فمن ينطبق عليه مضمون هذا المثل شخصٌ لا يرحم ولا يرتاح لرحمة الآخرين. ومن الأمثال التي ترتبط ببيئة الأحساء الزراعية ارتباطاً وثيقاً المثل القائل: «الطويلة ما أقدر أرقاها والقصيرة كلها شوك»، وذكر الرمضان أن الضمير يعود على النخلة، وأن المثل «يضرب للعجاز ومن يتهرب من الواجب متعللاً بكثرة المعوقات، وفي معناه المثل القائل: قالوا للنعامة إحملي قالت أنا طير قيل لها طيري قالت أنا جمل». ومن أمثالهم الساخرة أيضاً في ابتكار مبررات الفشل: «لولا سلاحهم كان أخذناهم»، فعبارة المثل ترد على لسان جبان يبرر الهزيمة بمبرر ساذج. ومن أنواع البشر العجيبة والداعية إلى السخرية في مجتمع الأحساء، وفي المجتمعات الأخرى، المتباهي بما ليس له، أو بإنجازات حققها أبوه أو جده أو أحد أفراد عائلته أو قبيلته، ويمكن استعمال مثل: «القرعا تتباهى بشعر بنت خالتها» في الرد على هذه الفئة من الناس، والقرعا هي البنت التي تساقط شعر رأسها. وكذلك يُضرب المثل: «اللي ما يغدي مسلم يعشي كافرين» في البخيل عندما «يبخل على مستحق بالقليل ثم يعاقب بأن يذهب الكثير من ماله إلى غير مستحقيه». ويجد الناظر في كتاب (أمثال وأقوال من عامية الأحساء) أمثالاً بديعة تتباين فيها نبرة السخرية علواً وانخفاضاً، من بينها: «الأعور مع العميان باشا»، «بشّروا الحماره بولد، قالت كلٍ حمله على ظهره»، «حاجة ما تهمك وص عليها زوج أمك»، «يأخذ الشور من راس الثور»، وغيرها من الأمثال الشعبية الجميلة التي قد تُقارب أو تُشابه في مضمونها وصياغتها أمثالاً تنتشر في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية.